على شيحة 1 عرفت علي شيحة الإنسان والشاعر من أوائل الألفية الجديدة ومن قصيدته الأولي التي قدمها في مهرجان شعري أقيم بنادي بركة السبع الرياضي في سنة 2000، أدركت أنني تعرفت علي موهبة شعرية قوية لكنها في حاجة إلي بعض الصقل لتكتمل لها كل أدوات الشعر، فكان الشاعر أشد مني لهذا الذي أدركته وبدأت بيننا رحلة صداقة لن تنهيها الأيام لأنها صداقة صافية خالصة لوجه الله والوطن والشعر. 2 أصبح الشاعر علي شيحة بقصائده الوطنية الساخنة شاعراً معروفاً علي مستوي الوطن الذي أحبه وعبّر عنه في قصائده.. حيث توالت دواوينه سريعاً عبر السنوات المتتالية من 2001 إلي 2004 علي التوالي وهي: 1- اللي جري كفيَ 2- نبيّن زين 3- اكتب شهادة وفاتك 4- يا أمي يا أمة 5- الكلام في كل دار ثم أصدر ديوانه الخامس بعد خمس سنوات (الكلام في كل دار) بمقدمة جيدة للشاعر د. كمال نشأت وتوقف علي شيحة عن نشر دواوينه- فقد كان يطبعها علي نفقته ولم يلجأ لدور النشر الحكومية إطلاقاً لاعتقاده أن قصائده الرافضة لنظام فاسد- غير عادل- يعمل دائماً علي منح الشعب المصري المكافح المزيد من القهر والظلم بل التحريف.. كان يعتقد أن دواوينه لن تري النور عبر دور النشر الحكومية فقرر علي شيحة أن يلتحم شعره بالجماهير في وطنه فكان ضيفاً مرموقاً في معظم احتفاليات الثقافة الشعبية في بلادنا علي امتدادها. بل إنه أصبح بقصائده وبوجوده الفاعل شاعر الثورة الشعبية التي سبقت ثورتنا الكبري (25 يناير) ألا وهي ثورة العاملين بالضرائب العقارية علي أوضاعهم الوظيفية وموقفهم النقابي، وقد انتصروا فيها بعد مظاهرات سلمية عديدة في القاهرة وغيرها حيث نالوا حقوقهم المغتصبة وأنشأوا أول نقابة مستقلة في مصر علي الرغم من طغيان النظام السياسي بقوانينه الجائرة التي تجرم التمرد الشعبي بكل صوره حتي لو كان تمرداً سلمياً حتي قامت ثورة 25 يناير 2011 فكانت أرضاً خصبة لشاعر مصري عاش حياته تحضيراً لهذه الثورة وتجهيزاً لساعة الصفر التي تنطلق بعدها لتحقق لهذا الوطن كل أحلامه في الحرية والديمقراطية والعدالة لتعيد له كل ما سلبه النظام البائد من مقدراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وما أكثرها.. 3 يأتي هذا الديوان (مولد سيدي الميدان) ليثبت حقيقة كل ما قلناه من قبل.. سواء في هذه الكلمة أو ما سبقها من كلمات قدمت فيها لدواوين صاحبي وصاحب الشرفاء. دواوينه السابقة ويبدو للقارئ منذ الوهلة الأولي أن الشاعر قد كتب معظم قصائد هذا الديوان (وعددها 16 قصيدة) في أعقاب الثورة أي في عامي (2011-2012) وقد سبق قصائد هذين العامين قصيدتان في 2010 وبالتحديد في شهري مايو ويوليو وهما شهران تستيقظ فيهما روح الثورة متمثلة في عيد العمال وعيد الثورة المجيدة التي قادها الزعيم جمال عبدالناصر في 1952 نقرأ في الأولي وهي بعنوان (اسأليهم ليه؟) لوحة شعرية تجسد معظم آلام الواقع: احنا لو فكرنا لحظة ولا فتشنا في ماضيهم كنا نعرف م البداية إنهم شبكة مصالح والبلد لعبة في إيديهم واسأليهم: مين يهمه النيل وزرعه؟ واللي جاري في المنابع مين يهمه حد عيان والا جايع؟ إن بكره يبقي حر أو يبقي تابع؟ ويقول في الثانية وهي بعنوان: (ناصر الزمن المعاصر): يا عندليب.. الحية باضت والخلل صاب الميزان حتي الزهور والنبتة صابها الاحتقان والفوضي عمت وانفقد جو الأمان والسخرة رجعت من جديد سادة وعبيد الجوع مع القيد الحديد والوالي بيلم الخراج وعساكر السلطان.. بتمنع حتي موج البحر.. لو نادي الهياج كي يستتب الأمن في بلد الأمان الطاعة له والأمر له والنهي له والأرض ملعب للحيتان إن الشاعر الحقيقي من أمثال شاعرنا علي شيحة هو الذي تعيش واقعه معايشة كاملة يتعرف علي ما يعانيه شعبه وما يجب أن يحدث لتنتهي معاناته وتتحقق أمنياته هو في هذا النص يستدعي روح الزعيم الذي صنع مصر الحرة الجمهورية الناهضة الاشتراكية العادلة.. يستدعي روحا ليسهم في إنقاذ الوطن وقد أعاده من جاءوا بعده إلي الوراء بما مارسوه من تجريف قاس لكل ما صنعته ثورته من أمجاد. وهو بهذا الاستدعاء قد أسهم في بعث القيم التي زرعها الزعيم (العندليب) من جديد في نفوس شباب الوطن بل شيوخ الوطن وأطفاله وربما أجنته التي مازالت في البطون، وبهذه الروح الشعبية قامت الثورة ومازالت مستمرة في قيامتها حتي يتحقق كل ما قامت لتنجزه. ومع هذا الإعجاب بالنص إلا أن توظيف (العندليب) كرمز فني لم يكن موفقاً وهل يكون مثل هذا البطل الشعبي الفاعل إلا (صقراً)؟! 4 ولأن حب الشاعر بل انتماءه لوطنه ولثورته حقيقي فإنه يري في كل ما يعطل الثورة أو يوقف انطلاقها للأمام محققة أهدافها خيانة للثورة وللوطن معا،ً من هنا كان عنوان الديوان (مولد سيدي الميدان) تعبيراً شعبياً صادقاً عن رؤية عاشقة للتغيير وهي رؤية حيّة حارّة حادّة تريد المضي قدماً إلي الأمام.. وترفض التوقف أو التعطل أو التراجع.. إنها رؤية العاشق التي تريد الحبيب- دائماً- جميلاً وهو ما أري أنه كذلك وسيقي جميلاً رغم أنف الحاسدين والحاقدين والمهزومين والموتورين والمضارين من إنجازنا المجيد الذي بدأ في 25 يناير 2011 وسينتصر بمشيئة الله وبإرادة الشعب العظيم الذي أنجزه. رؤية شعرية تحتوي كل دائرة الانتماء يملؤها أمل يغطي الدائرة كلها.. أمل طالما انتظره الشاعر انتظار العاشق المتيّم المحارب من أجل استرداد حقه الضائع من محبوبته والذي يتكالب عليه الكثيرون ممن لا يعرفون معني الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية محاولين استنزاف مما تبقي من مائدة النظام اللص الذي باع الكثير ونهب الكثير كأنهم يصفون معه حساباً من ضحاياه يخرصهم علي شيحة من (الميدان) لأنهم حق الثوار الحقيقيين لا حق فيه للبلطجية أياً كان انتماؤهم.. يرفع الشاعر من جديد كلمة الميدان ليعيد ميزان العدالة المائل إلي الاستواء: فجر الضمير من هنا.. انتوا اللي غيّرتوه حتي الجمال اللي فينا انتوا اللي قبّحتوه الصبر جوّه البشر بالظلم فجرتوه النيل شكا لربنا وانتوا اللي زعلتوه أنا الميدان الرحيم والبلطجية هانوه هنا تقع رؤية الشاعر في منطقة الكشف عن الحقيقة حقيقة ما حدث في وطننا العظيم بعد ثورته المجيدة يضع أصابع الرؤية ليكشف عن ما حاولوا تضييعه من الذاكرة الواعية لشعبنا في طرحهم لأكذوبة الطرف الثالث.. اللهو الخفي.. الذي يجتهد لإعاقة المسيرة المنتصرة: يا راكب الموجة ارحل مهما تكون سبّاح البحر هايج قوي وانا شايفه مش مرتاح رُح هز ديلك بعيد بلا هنكرة وصياح أنا الميدان اللي شايفك أنا مشرط الجراح كتب الشاعر هذه القصيدة (للميدان كلمة) في فبراير 2011 أي بعد إسقاطنا لقمة الهرم الفاسد بأيام قليلة.. رأي الشاعر مبكراً ما لا يراه البعض حتي الآن وما يراه البعض بعد فبراير بمدة ليست بالقصيرة في (مولد سيدي الميدان) توسيع للرؤية لتحتوي أبعاداً سياسية لمؤامرة يحكمها أطراف خارجية تلعب بهذه البلطجة لتحركها كما تريد يميناً أو يساراً يقف الشاعر في القصيدة الآتية محركاً جماهير الثورة لتأخذ مسارها الصحيح الذي قامت من أجله فيقول: الثورة تشفي العليل وتأمّن المرتاح الثورة ثورة عمل لو حسّها الفلاح الثورة كلمة أمل للعامل الكداح الثورة عايزة هدووء مش منظرة وصياح أنا فتله جوه شراع محتاجة للملاح وإذا كانت الرؤية قد حددت صورة الشاعر المنتمي بأنه مجرد (فتلة جوه شراع) فإنها في نهاية النص تصرح أكثر بالحقيقة: أصل الميدان يا وطن ريشة في قلب جناح وبهذا يكتمل البناء الشعري لأيقونة الكشف ولم يعد النص في حاجة إلي قوله: والمعني جوه الكلام وابن البلد لمّاح لأن المعني لم يبق بعيداً.. فابن البلد ومن نسيجه المتين الشاعر علي شيحة قد أخرجه من عتمة الخفاء إلي نور الحق الساطع وهو ما تحقق في باقي نصوص هذا الديوان الجديد. ولعل هذه الوحدة التي يسجلها قلمي حالاً توقعني في ذات الحلقة التي وقع فيها علي شيحة.. فهيا بنا جميعاً ننفض وهم اليأس عن نفوسنا لننتصر بالأمل- والأمل وحده هو سبيلنا إلي القوة.