ثورة 25 يناير هي بالفعل صحوة لضمير الأمة وهي انتفاضة غضب وصرخة ألم من جميع المصريين الذين عانوا لسنوات عديدة من الظلم والقهر والاضطهاد واغتصاب الحقوق والفقر والمرض وكأن الشعب المصري أصبح مستعمرا من العدو.. فهي صحوة لقوي الحق لمواجهة الفساد الاقتصادي والسياسي والتعليمي والاجتماعي والذي حل ببلدنا الحبيبة لمدة ثلاثين عاما أصبح خلالها المواطن المصري علي هامش الحياة في الداخل والخارج يستطيع بالكاد أن يدبر قوته وقوت أولاده وأصبح الحلم في الحصول علي حياة كريمة من المستحيلات.. جاءت هذه الكلمات استهلالا لكتاب »نساء من الميدان«. صدر الكتاب عن كتاب اليوم للدكتورة إيمان بيبرس وجاءت فكرة الكتاب كما ذكرت: لإيماني الشديد بأهداف الثورة وهي الوصول إلي الديمقراطية الحقيقية في مصر وتحقيق العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لكل مصري وأيضا لإيماني بضرورة التمسك بروح الثورة ومبادئها التي تميزت بها وهي التسامح والمساواة وعدم التمييز.. أعلم جيدا أن الكثيرين سوف يتبادر لذهنهم الآن هذا السؤال وهو لماذا يركز الكتاب علي النساء والفتيات فقط؟ لسرد حكاياتهن سواء ممن شاركن أثناء أحداث الثورة أو استشهدن قد يري البعض أن هناك قضايا أهم من التركيز علي النساء لأن هذا ليس هو الوقت المناسب لإثارة قضايا فئوية ويري فريق آخر أن المرأة لا تختلف عن الرجل وأن الثورة أثبتت وصولنا إلي المساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين فلماذا اختلاق قضية وهمية والتركيز علي المرأة في حين يري الفريق الثالث أن التركيز علي النساء يدل علي التمييز ضدهن وحصرهن في دائرة صغيرة مما يؤدي إلي إقصائهن عن الأحداث والرابع يري أهمية التركيز علي المرأة وليس علي الشعب بأكمله في الوقت الحالي يعتبر تفتيتا للجهود وتشتيت التركيز علي القضايا الهامة مثل القصاص إضافة إلي أن بعضا من شباب وشابات الثورة لديهم شك في نوايا الجمعيات النسائية.. وأود أن أجيب علي جميع هذه التساؤلات بأن كل هذا غير صحيح لأن الثورة شارك بها جميع فئات الشعب المصري من شباب وشابات ونساء ورجال من مسلم ومسيحي وهذا هو أساس ثورتنا الجميلة التي نادت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.. وفي رأيي أننا نريد أن نترك لأبنائنا وبناتنا وأحفادنا أمثلة لبطلات مصريات لعبن دورا بارزا في بلدنا ولم يترددن للحظة في التضحية بأرواحهن من أجل هذا البلد حتي لا يتم إغفال دورها الذي لعبته جنبا إلي جنب بجوار الرجل فقد كانت هناك مصريات رائدات لعبن دورا بارزا في مصر مثل صفية زغلول وهدي شعراوي وسميرة موسي وغيرهن ممن أثرن بالفعل في مجتمعاتهن وأريد أن أظهر للمصريين والعالم أن مصر ولادة كما أفرزت بطلات الماضي مازالت تفعل. شاركت الدكتورة إيمان بيبرس في فريق بحثي مكون من ثمانية عشر شابا وشابة وتؤكد: أن أهم أسباب اهتمامي في هذا الكتاب بالمرأة وبالدور الذي لعبته أثناء أحداث الثورة هو الهجوم الشديد الذي تعرضت له العديد من السيدات والفتيات وأنا واحدة منهن يوم 8 مارس عندما نزلنا أنا وغيري من الناشطات في مجال حقوق المرأة والإنسان والجمعيات النسائية إلي ميدان التحرير لمسيرة مليونية من أجل الحفاظ علي أهم حقوقها ومكتسباتها التي حصلت عليها منذ عشرات السنوات ويسعي البعض الآن لتجريدها منها بحجة أنها من عهد النظام السابق وحدث في هذا اليوم مالم أكن أتوقعه علي الإطلاق وكان صدمة لي ولغيري ممن شاركن في هذه المسيرة عندما وجدنا أنفسنا نتعرض للهجوم والتحرش من قبل الرجال المتواجدين آنذاك وكأن الرجال نسوا فجأة كل ماقامت به المرأة أثناء الثورة ووقوفها بجانب الرجال ليلا ونهارا ودفاعها عن حقنا جميعا في الحصول علي حياة كريمة وحرة مثلها مثل الرجل وكأنهم يريدون أن يقتصر دورها علي أيام الثورة فقط وأن يسلب منها الحقوق التي اكتسبتها عبر سنوات عديدة وأنها ليس لديها الحق في الاعتراض علي إلغاء القوانين التي كانت في صالحها وصالح المجتمع ككل والتي تريد بعض التيارات الرجعية والسلفية إلغاءها.. لذا رأيت من واجبي للحاضر والمستقبل أن نذكر أنفسنا ونقوم بتعريف العالم بأكمله بما قامت به المرأة المصرية فتاة وسيدة متعلمة أو غير متعلمة وحضرية كانت أو ريفية أثناء الثورة ليكون مثالا يحتذي به الآخرون سواء في مصر أو في العالم أجمع ولكي نستطيع التصدي لمن يرغب في جعل المرأة كائنا ناقصا ليس له الحق في الحصول علي حياة كريمة وحرة. بطلات من ميدان التحرير آيات فتحي نمر عمرها 23 عاما خريجة كلية التجارة قررت أن يكون لها دور في مواجهة هذا الظلام الذي تمر به مصر فأنشأت مع 7 من أصدقائها جروب علي الفيس بوك بعنوان ضد النظام قبل أحداث الثورة بتسعة شهور وكان دافعهم مايجدونه من قرارات مجلس الشعب والشوري التي كانت ضد الشعب وحقوقه وذكرت مثالا بالدائرة التي يعيشون فيها وهي الجيزة حيث كان عضو مجلس الشعب بها محمد أبو العينين قائلة: كل اللي كان بيعمله أنه بيوزع العيش والبطاطس وشنط رمضان علي الناس لكن ماكنش مهتم بمشاكل الناس الحقيقية يعني عمره ماوفر فرص شغل لحد ولا حتي فكر يعلم الناس أو يديهم قروض أو يفتح لهم مشاريع تفيدهم.. وتضيف : مش بس كده أنا شفت مهازل حصلت في الانتخابات الأخيرة وعشت تجربة فساد الانتخابات لما واحد صاحبي كان كل أهل دائرته يقولوا سننتخبه وفجأة نجح وكيل وزارة الداخلية وقتها حسيت أنا وأصدقائي وكل أهالي الدائرة بإحباط وقهر وظلم شديد كل الحاجات دي خلتني مصممة أقول لا بأي طريقة وكان الحل هو الإنترنت. ريحانة عبدالخالق صوابي 24 سنة تعمل مذيعة بالإذاعات الموجهة لأسبانيا وأمريكا اللاتينية تقول: عن أسباب مشاركتها في أحداث الثورة لم تكن السياسة في نطاق اهتماماتي ولكن شعرت أثناء متابعتي لأحداث ثورة تونس أنه من الممكن حدوث ذلك بمصر وبشكل أقوي لأن الشعب لديه الرغبة في النزول للتظاهر وللتعبير عن غضبهم لما آلت إليه الأوضاع بمصر وتتذكر ريحانة بعض قصص الميدان التي تقول : عنها لن أنساها قابلت الشاب اللي وقع الراجل اللي كان داخل الجمل يوم الموقعة وكانت رجله ملفوفة بشاش وقلت له سلامتك يا بطل وكمان شفت الناس اللي أول ما الدبابات فكرت تتقدم إزاي ناموا أمامها علشان متتحركش خطوة للأمام وتؤكد أنها تغيرت كثيرا بعد مشاركتها في ثورة الحرية حيث أصبحت أكثر جرأة ولاتخاف من قول الحق وصارت لاتسكت عن حق وتنهي حديثها بأن بكره أحسن أكيد بس هناخد وقت ولازم الناس تتكاتف وتستحمل عشان مصر تبقي أحسن. ماجدة سليمان هاشم تعمل مديرة برامج عنف وفرض عليها عملها الاهتمام بقضايا وحقوق المرأة والفساد خرجت للتحرير يوم 28 وظلت به حتي يوم 11 فشعرت بآدميتها وهي تهتف عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية وكانت تفخر كلما هتفت باسم مصر وشاركت بتوزيع الطعام علي المتظاهرين وبتنظيف الميدان واللجان الشعبية وعندما رفض زوجها في البداية مشاركتها في الثورة أخبرته أنها لن تشارك بصفتها زوجته بل بصفتها مواطنة مصرية كاملة الأهلية ومسئولة عما يحدث لها فوافق ونزل معها مصطحبا طفلهما وتتذكر ماجدة من هذه التجربة مشاركة كبار السن وترديدهم الهتافات وأن راجل كبير أخبرها بقدومه لأن ابنه تخرج من الجامعة ومش لاقي شغل وأصعب ماشاهدته عربات الأمن المركزي وهي تصدم المواطنين وتنهي ماجده حديثها بقولها: الفساد كان في كل المجالات سواء الصحة أو التعليم وغيره والبلد ماشية بالواسطة بس أنا كان دائما عندي أمل ودلوقتي حاسة أن مصر اتولدت من جديد وأن البلد هتكون أحسن كتير في المستقبل. شهيدات ثورة 25 يناير رحمة 22 عاما في سنتها النهائية بمعهد الخدمة الاجتماعية وتعمل بجانب الدراسة كي تساند أسرتها وخاصة والدتها بعد أن تركهم أبوها بعد أن ألقي القبض عليه استيقظت يوم الجمعة ونزلت لتؤدي صلاة الجمعة في مسجد قريب وسمعت صوت مظاهرة تتحرك في اتجاه التحرير تحركت معهم ومعها أخوها الذي يصغرها حتي الساعة الثانية والنصف الذي فوجيء ومعه الجميع بقنبلة مسيلة للدموع موجهة لرأس رحمة وسيطر الفزع علي الجميع من هول ما شاهدوه فالقنبلة فتكت رأسها وهشمتها وشاهد أخوها حذاءها فأخذ ينادي عليها حتي استطاع أن يصل إلي جسد الشهيدة وحملها ومعه الشباب لسيارة الإسعاف واضطروا للكذب حتي يتمكنوا من الوصول لمستشفي المنيرة ومنها للقصر العيني الذي أجريت به عملية لرحمة لم يتحمل جسدها ماحدث بها من غدر وخيانة أبناء بلدها وتوفيت رحمة صممت أمها علي أن تأخذ تقريرا من المستشفي به السبب الحقيقي للوفاة وتقول: أم رحمة أن مصر بقت أحسن بنسبة 50٪ وها تبقي أحسن وأحسن لما يتحاكم كل الفاسدين وعلي رأسهم حبيب العادلي والضباط اللي عذبونا وقتلوا أولادنا وعيشونا مذلولين.. يوثق الكتاب قصة وتجربة رحمة التي أرادت أن تقول لأول مرة في حياتها لا للطغيان والفساد وهي محبوبة من الجميع ومعروفة بشجاعتها وجرأتها في الحق فهي إحدي بطلات ثورتنا. لأول مرة الأم هي الشهيدة فالثورة ثورة مصر وليس الشباب فقط زكية الأم التي توفي زوجها وترك لها 5 أبناء ظلت تكافح حتي كبروا تزوج ابنها الكبير لكن أصيب بشلل أثناء عمله ولم يتمكن من العودة له مرة أخري ويعيشون جميعا معها وهي تواصل عملها مع أن عمرها 62 عاما قالت : لأولادها أنزلوا لازم تشاركوا وأنا كمان نازله معاكم حاول أولادها ألا يحعلوها تتحرك من البيت أصرت قائلة: أنا مش أحسن من أي حد في البلد ولازم كلنا ندفاع عن البلد وقفت مع حفيدها عمر وفجأة ظهرت عربتان للأمن المركزي فاتحتان النور العالي كل الناس جريت ولقينا عربية منهم بتشيل واحدة رفعتها لفوق ثم ارتطمت بالأرض جرينا نشوف مين كانت أمنا نقلوها لمستشفي الزهراء الجامعي وكان تقرير الوفاة صدمتها سيارة مجهولة قلنا إزاي دي أمنا ودخنا حتي كتبوا الحقيقية وبعد كده دفناها وقال: ابنها شريف مصر هاتتغير إن شاء الله بعدما نخلص من اللي كانوا خاربين البلد والبلد دي شعبها طيب وبيحب بعض وإن شاء الله ربنا هايحمينا من أي حاجة. مريم عروس السماء ابنة 61 عاما كانت تستعد لخطبتها مع عيد شم النسيم طلعت فوق السطوح وكانت بتصور المظاهرة في الزواية الحمراء بالموبايل وفوجئت بنار كثيف من قسم البوليس علي المتظاهرين طلبت منها أمها أن تنزل للشقة قالت: خايفة علي أيه يا أمي خلينا نموت شهداء هو انتي مش شايفة اللي بيقتلونا هما دول مش ولاد ناس وتكمل أمها: ماتت مريم بطلق ناري بالرأس أدي إلي قطع الشرايين وكسر بالفك وجرح باللسان.. وكانت مريم دائما تقول بلدنا مش فقيرة دي فيها خير وربنا هايرحمنا من كل الفساد. سهير خليل زكي أم لأربعة أولاد يحكي زوجها كيف صعدوا للسطوح لأن الشقة كانت خانقة من القنابل المسيلة للدموع كنا شايفين ضرب النار من شبابيك القسم ورمي القنابل وأثناء مشاهدتنا رأينا شابا بموتوسيكل جاءت له طلقة في عينيه صرخت سهير من المنظر لما سمع الضابط صرختها وجه لها رصاصة في ذراعها اخترقتها ودخلت في جنبها واستقرت بالرئة بجوار القلب وبقيت بمستشفي بولاق الدكرور يومين وقبل أن يتمكن الأطباء من إجراء جراحة لها ماتت رحم الله شهيدات الثورة.