الجزيرة السودانية بوابة الغزوالعثماني للقارة الافريقية من جديد احتلها العثمانيون لثلاثة قرون وتسببوا في دمارها وسفك دماء أهلها في القرن ال 19 ضمتها مصر بعد تنازل السلطان العثماني عنها مقابل 15 ألف جنيه في صفقة غامضة، لم يتم الإفصاح عن تفاصيلها بعد أن اقتنص الرئيس التركي رجب طيب اردوغان فتحاً عثمانياً جديداً في القارة الافريقية بحصوله علي حق ترميم وإدارة الجزيرة السودانية »سواكن» لفترة غير معلومة وبقواعد غير معلنة، وذلك بعد اقل من شهرين علي افتتاحه اكبر قاعدة عسكرية تركية في الصومال. خطورة الصفقة، التي جاءت في إطار زيارة اردوغانية للسودان تضّمنت توقيع 21 اتفاقية بقيمة 650 مليون دولار،انها تعطي لتركيا موطئ قدم في البحر الأحمر وهو أمراً يبدو حيوياً لأنقرة التي أقر وزير خارجيتها مولود تشاوش اوغلوباهتمام بلاده بأمن السودان وإفريقيا وأمن البحر الاحمر. والأخطر انها تضع تركيا في موضع تهديد استراتيجي لغريميها اللدودين في المنطقة مصر والسعودية. فالجزيرة التي تقع علي الساحل الغربي للبحر الأحمر شرق السودان لا تبعد سوي 355 كيلومترا من حلايب وشلاتين المصريتين، و334 كم عن جدة، وقد سبق واستخدمتها السلطنة العثمانية كقاعدة لحملة عسكرية علي اليمن عام 1629م. هذا الأمر حدا بالبعض بأن يفسر السعي التركي وراء الجزيرة التي كانت في يوم من الايام مركزاً للأسطول العثماني في البحر الأحمر، برغبة أنقرة في تضييق الخناق علي غريمتيها، بهذه الغنيمة الجديدة بالاضافة الي القاعدة التركية الاخري التي أقامها اردوغان في قلب الخليج العربي داخل قطر. ويبدو ان الاصطياد في الماء العكر بات السياسة المفضلة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، فكما سبق واستغل الحرب الاهلية والارهاب والمجاعة التي دفعت الصومال لحافة الكارثة ليقتنص اكبر قاعدة عسكرية له ودخول الموانئ البحرية الهامة علي الساحل الصومالي، استغل الخلاف القطري العربي ليطأ بقدمه الأراضي القطرية، ثم ها هويعيد الكّرة مع السودان مستغلاً المشاحنات الاخيرة بينها وبين مصر. رغم ان الغرض المعلن لاستغلال الجزيرة تجاري حيث أعلن أردوغان عن نية بلاده اعادة ترميم الجزيرة وجعلها منطقة اقتصادية وسياحية. مضيفاً أن »الأتراك الذين يريدون الذهاب للعمرة سيأتون إلي سواكن، ومنها يذهبون إلي العمرة في سياحة مبرمجة». رغم ذلك ظّل الشق الأمني والعسكري للزيارة ككل، ظاهراً للعيان ايضاً. فقد أعلن وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور ان السودان وتركيا وقعتا اتفاقات للتعاون العسكري والامني، من بينها »انشاء مرسي لصيانة السفن المدنية والعسكرية». مؤكداً ان »وزارة الدفاع السودانية منفتحة علي التعاون العسكري مع اي جهة ولدينا تعاون عسكري مع الاشقاء والاصدقاء ومستعدون للتعاون العسكري مع تركيا». واضاف »وقعنا اتفاقية يمكن ان ينجم عنها اي نوع من انواع التعاون العسكري». فيما قال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو أنه »تم توقيع اتفاقيات بخصوص أمن البحر الاحمر»، مؤكدا ان تركيا »ستواصل تقديم كل الدعم للسودان بخصوص أمن البحر الاحمر». وأضاف »لدينا قاعدة عسكرية في الصومال ولدينا توجيهات رئاسية لتقديم الدعم للأمن والشرطة والجانب العسكري للسودان »...» ونواصل تطوير العلاقات في مجال الصناعات الدفاعية». أضف الي ذلك ما صاحب الزيارة من لقاء ثلاثي مثير للريبة بين رؤساء اركان الدولتين التركية والسودانية ومعهما الدولة القطرية ايضاً. اللافت، ان الحكومة السودانية ستقوم باخلاء الجزيرة من سكانها لتسليمها لتركيا. فقد أكدت مصادر سودانية ان الرئيس السوداني البشير قام بتشكيل لجنة برئاسة قاضي محكمة عليا بولاية البحر الأحمر، أبوالفتح محمد عثمان، لمناقشة أمر جزيرة سواكن مع ورثة منازلها وأصحاب المنازل وقطع الأراضي، ليتم شراؤها منهم بواسطة الحكومة الاتحادية»، قبل ان يتم منحها إلي تركيا. روابط مصرية اللافت ان جزيرة سواكن التي تبعد عن أنقرة ب2358كم، أقرب الي مصر ليس فقط جغرافياً ولكن تاريخياً ايضاً، حتي ان الكاتب المصري الشاطر البصيلي قال ان اسم الجزيرة اصله مصري وهومشتق من كلمة »شواخن» التي كانت تعني قديما محطة - شوا، وهواسم لملكة إسلامية بالحبشة تعود لعام 1285 م، وتم تحوير كلمة »شواخن» إلي شواكن أوسواكن، نظراً لخلولغات البجا السودانية من لفظ الخاء والذي غالباً ما يقلب إلي كاف أوهاء في بعض اللهجات. ووفقاً لموقع »وايت مونكي ترافلر»، يقوم ارتباط الجزيرة بمصر لعهد الفرعون المصري رمسيس الثالث الذي قام في القرن العاشر قبل الميلاد بتطوير الجزيرة لاستغلالها كمنفذ للتجارة في البحر الأحمر. وكانت تمر بها الرحلات قديماً بعد عبور الموانئ المصرية مثل ميناء القصير وسفاجا. ورغم غزوالعثمانيين للجزيرة في القرن السادس عشر، إلاّ انه بوصول اسرة محمد علي باشا إلي سدة الحكم في مصر بعد بضع سنوات قليلة من بداية القرن التاسع عشر الميلادي وما تبع ذلك من عمليات توسعية شملت ضم السودان عام 1821 م، دخلت سواكن لمنطقة النفوذ المصري. وقام محمد علي بدفع مبلغ مالي بشكل سنوي للإمبراطورية العثمانية لضم سواكن إلي ملكه. وفي عهد الخديوي إسماعيل ضمت سواكن للسودان المصري بعد أن تعهد الخديوي إسماعيل بدفع مبلغ 7.500 جنيه مصري لوالي جدة مقابل تنازل السلطان العثماني عن سواكن. وصدر فرمان عثماني بذلك. وفي مايو1865 م تنازلت السلطة العثمانية رسمياً عن سواكن ضمن مناطق أخري علي ساحل البحر الأحمر وخليج عدن مقابل جزية سنوية قدرها 15 ألف جنيه مصري. وقد عمل الخديوي إسماعيل علي تطوير مدينة سواكن التي كانت تضم الجزيرة والمدينة التي بجوارها، فبني فيها منازل جديدة ومصانع ومساجد ومستشفيات وحتي كنيسة لأقباط المهجر. وتوجهت إليها السفن الأوربية وجرت عمليات تبادل السلع السودانية المختلفة كالتمور والجلود والقطن والصمغ العربي وسن الفيل وريش النعام وشمع العسل والسمن بمنتجات الشرق والغرب ومن بينها التوابل والزجاج والورق والمنسوجات، وازداد عدد سكان المدينة من البجا والعرب وغيرهم من التجار القادمين من مختلف أنحاء الدولة العثمانية ومصر واليونان واليمن وأرمينيا والهند. وعملت فيها شركات بحرية دولية مثل »شركة الهندالشرقية الإنجليزية»، و»الشركةالخديوية» و»وشركة ملاحة رباتينو» الإيطالية. كما حاول المصريون ربط المدينة ببقية مناطق الإنتاج في السودان بخطوط السكك الحديدية، إلا أن الحرب الإثيوبية المصرية واندلاع الثورة المهدية ضد الحكم البريطاني أدت إلي شلّ حركة العمران في المدينة وإفشال محاولة تطويرها. تاريخ العثمانيين الأسود في الجزيرة الغريب ان تاريخ الغزو العثماني لجزيرة »سواكن» تاريخ أسود عاني خلاله أهلها الأمريّن. ففي القرن السادس عشر الميلادي، وبالتحديد عام 1517 غزا السلطان العثماني سليم الأول مدينة سواكن وأصبحت المدينة مقراً لحاكم مديرية الحبشة العثمانية، والتي شملت مدن حرقيقو ومصوع في إريتريا الحالية. كما اتخذ منها مركزا للأسطول العثماني في البحر الأحمر. وفي وقت لاحق ضم السلطان العثماني المدينة إلي ولاية »الحجاز»، خاصة أن الطريق البحري إلي جدة، كان هو طريق الحج الرئيس لمعظم القارة الأفريقية، إلّا أن المدينة تدهورت تدهوراً كبيراً تحت ظل الحكم العثماني بسبب سياسة التضييق التي مارسها العثمانيون علي التجار الأوروبيين للحد من نشاطهم التجاري عبر طريق البحر الأحمر في محاولة لمحاربة الأطماع الأوربية في المنطقة.وتقول كتب التاريخ ان فترة الوجود العثماني في سواكن والسودان تختلط عموماً بمجازر أوأعمال قتل جماعي ارتكبت بحق السودانيين حينها، حتي تخلت عنها اخيراً لمصر في القرن التاسع عشر. من قطر الي تركيا الموقع الاستراتيجي لجزيرة سواكن في البحر الأحمر جعل منه مطمعاً للكثير من الدول علي مر التاريخ. وقبل ان تحيي تركيا اهتمامها بالجزيرة مرة اخري في محاولة لاستعادة مجدها القديم، كانت هناك محاولات قطرية للاستيلاء علي الجزيرة. فقد كشفت تقارير صحفية في نوفمبر 2017، أن قطر سبق وتقدمت بطلب إلي الحكومة السودانية لإدارة »سواكن». ووعدت الدوحة بإنشاء ميناء جديد بها، تجعله منافساً لبورت سودان، وكافة الموانئ علي البحر الأحمر.لكن الحكومة السودانية لم توافق علي الطلب القطري، لأسباب لم يتم الإفصاح عنها، رغم ان السودان تجمعها علاقات قوية بقطر.