تحدثت، في مقالي قبل السابق، عن فترة التجنيد في القوات المسلحة، سواء في مصر، أوفي مختلف الجيوش العريقة حول العالم، كرد علي أحد الأفلام التي أنتجتها، وعرضتها قناة الجزيرة القطرية، لمهاجمة القوات المسلحة في مصر، في محاولة خبيثة من القائمين عليها للوقيعة بين الشباب المصري، وقواته المسلحة. وقد ركزت في ذلك المقال علي انقسام فترة التجنيد إلي قسمين، أولهما هوالتدريب الأساسي، والذي يهدف إلي تحويل الشاب المدني، إلي فرد عسكري داخل المنظومة العسكرية. أما القسم الثاني، فهوالتدريب التخصصي، وفيه يتم تدريب المجند علي استخدام السلاح، أوالمعدة، التي سيعمل عليها، أثناء فترة خدمته في القوات المسلحة. واليوم نستعرض، معاً، النوع الأخير من تدريبات القوات المسلحة حول العالم، ومن ضمنها مصر، بالطبع، وهو"التدريب المشترك"، والذي سُمي بهذا الاسم لاشتراك دولتين، أوأكثر، بمختلف أفرع قواتهم المسلحة، في ذلك النوع من التدريب. ولعل أشهر هذه التدريبات المشتركة، المعروفة لدي عموم المصريين، هي تدريبات "النجم الساطع"، أو“Bright Star” التي يجريها الجيش المصري مع نظيره الأمريكي، علي أرض الصحراء الغربية في مصر. يعد التدريب المشترك هوأعلي مستويات التدريب، بين دولة وأخري، حيث تكون القوات المسلحة في تلك الدول قد نفذت كافة مستويات التدريب، وحان الوقت لتطبيق ما تعلمته خلال العام التدريبي، وتبادل الخبرات بينها وبين غيرها من الدول، كل في مجال تفوقه وتميزه. فعلي سبيل المثال، فإن القوات الأمريكية، تتعرف، خلال تدريبات "النجم الساطع"، علي خبرات القوات المصرية في القتال في المناطق الصحراوية، باعتباره أحد مميزات قواتنا المسلحة، بينما تتعرف القوات المصرية علي أحدث فنون القتال في العقيدة الغربية، التابعة للمدرسة الأمريكية، باعتبارها تختلف تماماً عن العقيدة الشرقية، التي تتبعها مصر، بناءاً علي المدرسة الروسية. فتستفيد القوات المسلحة المصرية استفادة كبيرة من تلك الخبرات الأمريكية، خاصة وأن مصر تعلم، أن إسرائيل، تتبع العقيدة الغربية في تأسيس قوتها العسكرية. فضلاً عن ذلك، فإن التدريب المشترك مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، يتيح، للقوات المصرية، التعرف علي أحدث أنواع الأسلحة والمعدات الموجودة بالترسانة الأمريكية، والتعرف العملي علي خصائصها وإمكاناتها في ميادين القتال، بما يمكنها من تقرير وتحديد احتياجاتها من تلك الأسلحة والمعدات. ومن الناحية الأمريكية، فإن ذلك النوع من التدريبات، يتيح لها التعرف علي الأسلحة والمعدات الروسية، التي تعتمد القوات المسلحة المصرية علي العديد منها، بما يكسبها خبرة في استخداماتها، خاصة أن أية عمليات مستقبلية للقوات الأمريكية، قد تكون ضد روسيا، أوأي من حلفائها، باعتبارها العدوالتقليدي للولايات المتحدةالأمريكية. وباعتبار ما للقوات المسلحة المصرية من خبرة قتالية عالية، اكتسبتها خلال حرب أكتوبر 73، لم تتسن لأي دولة أخري، في العصر الحديث، عدا إسرائيل، فإن التدريبات المشتركة بين مصر وغيرها من دول العالم، يتيح، لقوات تلك الدول، التعرف علي الخبرات المصرية من خلال محاضرات مشتركة من كلا الجانبين، مع بدء تنفيذ التدريب المشترك. ويُستخلص الهدف الاستراتيجي للتدريب المشترك من اسم التدريب، بمعني كيفية عمل قوات طرفين، أوأطراف متعددة، معاً في عملية مشتركة، ضد هدف محدد، وفي أسلوب تبادل المعلومات بينهما، بما يحقق الاستفادة القصوي للطرفين. وقد ظهر ذلك، واضحاً، إبان حرب الخليج، عندما تعاونت القوات المسلحة المصرية، والقوات المسلحة الأمريكية لتحرير الكويت من الغزوالعراقي تحت قيادة صدام حسين، وبرزت أهمية التدريب المشترك بين القوتين، في قدرتهما علي التنسيق خلال تنفيذ العملية. وفي نهاية فترة التدريب المشترك، وتبادل الخبرات، تقوم كل دولة من الدول المشاركة فيه، بحصر وتجميع الدروس المستفادة منه، وتحديد نقاط التدريب في الأعوام اللاحقة، لكل المشاركين. ومنذ عدة سنوات، بدأ "التدريب المشترك" يشمل عدة دول، بعدما كان قاصراً في الماضي علي دولتين فقط، فأذكر أن تدريبات "النجم الساطع" في أحد السنوات كانت مكونة من أربعة عشر دولة عربية وأوروبية، مع مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية، مما أثري، بالطبع، حجم المعرفة والمعلومات المتبادلة، لما يتيحه كثرة المشاركين في التدريبات المشتركة، من مراقبة إمكانات ومهارات كل دولة علي حدة. وتعد أحد أهم نتائج التدريب المشترك، هوإظهار قوة الأفراد في استخدام السلاح أوالمعدة، فضلاً عن رفع الروح المعنوية لجنود وضباط القوات المشاركة. أذكر أحد مرات تنفيذ تدريبات "النجم الساطع" بين القوات المصرية والأمريكية، وكان المقرر، في ذلك اليوم، التدريب علي الرماية بالذخيرة الحية بالدبابات، باستخدام الدبابة M1A1 الأمريكية الصنع، وانتهت النتائج الرسمية للتدريب بتفوق الوحدات المصرية علي نظيرتها الأمريكية، علي ذات المعدة الأمريكية، مما كان له عظيم الأثر علي الحالة النفسية والمعنوية لعناصر قواتنا المسلحة، ليس فقط علي مستوي الوحدات المشاركة، وإنما علي المستوي الأعم والأشمل. وبهذا تعتبر التدريبات المشتركة أحد وسائل قياس مستوي كفاءة الوحدات القتالية للعمل في الميدان، فظهر من خلالها، علي سبيل المثال، تفوق الوحدات الخاصة المصرية، التي تنفذ عمليات خاصة في عمق القوات المعادية، مستغلة ارتفاع مستوي تدريب القوات المسلحة المصرية. وهنا أؤكد علي أهمية أن تكون القوات المشتركة في هذا النوع من التدريب، قد أتمت تدريباتها علي كافة المستويات، والتخصصات. إضافة إلي كل ما تقدم، فإن التدريب المشترك، أصبح، حالياً، أحد أهم عناصر التقييم الدولية، لقياس قوة القوات المسلحة في أي دولة، إذ تم إضافة بند أوخانة للتدريب المشترك، لكل دولة، يتم تحديثها دورياً، بعدد التدريبات المشتركة التي تنفذها تلك الدولة سنوياً، وعدد الدول المشاركة معها في ذلك التدريب ... فضلاً عما تنفذه الدولة من تدريبات مشتركة بين مختلف أفرع قواتها المسلحة، مثل التدريبات المشتركة للقوات الجوية مع القوات البحرية، أوتلك التي تنفذ بالمشاركة بين القوات الجوية، والقوات البرية، والقوات البحرية، فكل هذه التدريبات يخصص لها نقاط في التقييم، لتحسب بها القوة العسكرية للدولة ... تماماً، مثلها مثل بند التسليح، أوبند القوة البشرية، أوالخبرة القتالية. وتعتبر مصر، وقواتها المسلحة، من أقوي جيوش العالم، بعد الجيشين الأمريكي والروسي، من حيث عدد التدريبات المشتركة التي تنفذها، مما أضاف إليها نقاطاً إيجابية في التقييمات العالمية المعمول بها، فصار ترتيبها، في ميزان القوي العسكرية، العاشر عالمياً، والأولي أفريقياً، وعربياً. ولقد بادرت بشرح هذا النوع من أنواع التدريب، رداً علي بعض ما يثار من إشاعات وأقاويل مغرضة، بأن الاستفادة من تلك النوعية من التدريبات يكون في صالح القوات الأجنبية فقط، وهوما لا أساس له من الصحة، إذ تستفيد كل القوات المشاركة في هذه التدريبات، كل وفقاً لأولوياته ... وفي رأيي الشخصي، وبناء علي خبرتي، فإن استفادة القوات المسلحة المصرية في تدريبات "النجم الساطع" تكون أكبر من استفادة الجانب الأمريكي.