أكثر ما أخشاه أن يراهن البعض علي "الوقت" .. لامتصاص احتجاجات الناس ومطالبهم المشروعة .. أو أن تستمر أنظارهم أمام الجزء المملوء من كأس الاعتصامات والمظاهرات المليونية المتصاعدة التي نتابع حراكها في ميدان التحرير كل يوم جمعة وكذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي .. فيس بوك وتويتر ويوتيوب عبر الإنترنت .. علي اعتبار أنها تعكس الوجه الحضاري لبلدنا .. وتسمح للناس بالتعبير عن مواقفهم وعرض مطالبهم دون أي تضييق أو منع أو تدخل .. بينما لا يلتفتون بجدية إلي عناوين المشكلة الحقيقية .. أو إلي مضامين هذه الإحتجاجات والمطالب .. لا فهما ولا معالجة .. ومصدر الخشية هنا هو أننا نمارس الإحتفاء بالشكل ونتصور أننا ننظر في الاتجاه الغلط .. ونمنح المطالبين والمحتجين وقتا أطول لتصعيد مواقفهم وتنظيم حراكهم .. بل وإبداع صور جديدة من التظاهر .. هذا بالطبع ليس إفتراضا أو تصورا مسبقا لما يكون .. ولكنه جزء مما حدث ومما نصر للأسف علي أن يكون .. خذ مثلا الإضرابات التي يقوم بها المدرسون والمهندسون والأطباء والصحفيون وغيرهم أمام نقاباتهم وأمام مجلس الوزراء للمطالبة بحقوقهم الفئوية .. أليس السبب فيها هو تعاملنا مع الوقت لتسكين المشكلة وامتصاصها .. فماذا كانت النتيجة .. لقد أدرك المعتصمون أن الحكومة غير جادة في الاستجابة لمطالبهم .. وأنها تحاول شراء المزيد من الوقت لإفقادهم عنصر المبادرة .. فتحركوا علي الفور لإثبات حضورهم والمطالبة بحقوقهم وشاركوا في مظاهرة مليونية جديدة أمس .. لأنهم لم يجدوا إلا التظاهر وسيلة لإيصال صوتهم وتلبية رغباتهم .. لقد تغيرت مصر ولم يعد أحد يحتمل الانتظار أو التمهل السلحفائي للاستجابة لمطالبه التي ظلت مكبوتة علي مدي عقود طويلة .. فالإصلاح أصبح مطلبا شعبيا عاما .. ولنلحظ كيف بدأت حراكاته ومطالبه .. وكيف امتدت وتوسعت الجهات التي تطالب به .. وكيف ارتفعت سقوفه ثم نلحظ أيضا كيف تتعامل الحكومة مع هذا الواقع .. نعم يخرج الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء للحوار مع المتظاهرين ويعد بتلبية جميع المطالب .. ولكنه في النهاية يحيل مشاريع الإصلاح إلي اللجان .. فالمشكلة الحقيقية دائما هي الرهان علي الوقت ومحاولة استيعاب الحدث وامتصاصه .. أما التعامل معه بمنطق التقسيط والتجريب فلم يعد صالحا الآن .. مع عداد الوقت الذي يسير بسرعة جنونية .. نخسر كل يوم .. ونفتح الفرصة أمام بروفات الإحتجاج حتي تحولت من صورتها الرمزية العفوية إلي صور أخري .. بدت مقلقة .. وهل تتحمل مصر مزيدا من الإعتصامات ؟.. هل يتحمل إقتصادنا مزيدا من المظاهرات ؟ هل يمكن أن نقدر ثمن إستعصاء الإصلاح أو تأخره؟ هل يجوز أن نستمر في مسلسل الإشادة بالإحتجاجات والمطالب والاعتصامات .. والنظر إليها بعين التسامح وحرية التعبير والروح الجديدة التي بثتها الثورة.. دون أن نتفحص أسبابها وتداعياتها .. ودون أن نفكر بما تضمنه رسائلها من احتقانات وما تستدعيه من حلول سريعة ؟! أدرك تماما أن لدينا "موانع" تحول دون دخولنا إلي العناوين الصحيحة للتغيير .. وأدرك أيضا أن ثمة أعداء للإصلاح .. وآخرين يحاولون إرباكه وإختطافه أو العبث به .. وأن إستخدام سلاح الوقت وصفة تجد من يدافع عنها ويتبناها .. لكن ما لا أعرفه ولا افهمه هو ألا تصدق عيوننا التي تري هل تري حقا ما يجري حولنا من أحداث متسارعة .. وألا تسمع آذاننا هل تسمع حقا ما يصلنا من رسائل.. وأن نبقي نتطلع ونصغي فقط إلي النصائح المغشوشة .. هذه التي ما تزال تخيفنا وتحذرنا من الإصلاح ونتائجه الوخيمة!