قبل مائتي عام من الآن، وبالتحديد عام 1817 »م»، تم اكتشاف معبد أبوسمبل غارقا في الرمال بصحراء أسوان، وفي فترة الستينيات من القرن الماضي تم نقل المعبد من مكانه القديم إلي مكانه الحالي حتي لا تغرقه مياه النيل بعد بناء السد العالي. ومنذ لحظة اكتشافه وحتي الآن، مثل معبد أبوسمبل أحد أهم وأبرز معالم الحضارة المصرية القديمة، ويمتاز المعبد بخصال معمارية وفنية فريدة، وهو الأمر الذي يجذب اليه آلاف الزوار من كل بقاع العالم بشكل سنوي.. وبمناسبة مرور 200 عام علي اكتشاف معبد أبوسمبل تضافرت جهود مختلف الوزارات وبالاخص وزارتي السياحة والآثار مع محافظة أسوان لإقامة احتفالية كبري من المتوقع أن يحضرها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي. وتشهد منطقة أبوسمبل الآن حالة من الطوارئ لتطوير ورفع كفاءة المنطقة وتأمينها بالكامل تمهيدا لاقامة الاحتفالية الكبري والتي تحاول مختلف مؤسسات الدولة لاستغلالها في سبيل الترويج للسياحة في مصر، والعمل علي مضاعفة أعداد الزائرين لمعبد أبو سمبل. وفي الملف التالي ترصد »أخبار اليوم» مراحل بناء المعبد ورحلة اكتشافه ونقله واستعدادات أجهزة الدولة للاحتفال بمرور 200 عام علي اكتشافه. 200 عام مرت علي اكتشاف معبد أبو سمبل منذ عثر المستكشف السويسري »جي ال بورخاردت» عليه عام 1813، مغمورا في الرمال، ثم جاء من بعده الإيطالي »جيوفاني بيلونزي» ليعيد اكتشاف هذا الأثر الفريد عام 1817. ومنذ ذلك التاريخ شهد معبد »أبوسمبل» عدداً من الإنجازات الفريدة أهمها حملة إنقاذه من ارتفاع منسوب مياه النيل الذي كان من المتوقع حدوثه بعد بناء السد العالي، ونقله إلي مكانه الحالي، والذي شارك فيها عدد كبير من دول العالم تحت اشراف منظمة »اليونسكو»، وأيضا الظاهرة الفلكية الفريدة التي ارتبطت بالمعبد وهي تعامد الشمس علي وجه تمثال الملك »رمسيس الثاني» مرتين كل عام. 30 ألف زائر للمعبد سنوياً وتوقعات بزيادة العدد في السنوات المقبلة د. زاهي حواس: مكاسب هائلة لنقل الاحتفالية عبر شبكة تليفزيون عالمية مجاناً ومنذ بداية العام الحالي تضافرت جهود عدة جهات من بينها محافظة أسوان ووزارتا السياحة والآثار لتنظيم احتفالية كبيرة بمناسبة مرور 200 عام علي اكتشاف معبد أبو سمبل، خاصة بعد توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي في ختام المؤتمر الوطني للشباب في يناير الماضي بضرورة الاحتفاء بهذه المناسبة التي من شأنها ترويج السياحة في مصر كلها وأسوان بشكل خاص وجذب أنظار العالم لهذا الحدث المهم. واستعدت وزارة الآثار بتجهيز منطقة أبو سمبل بالكامل تمهيدا للاحتفالية حيث أشار عبدالمنعم سعيد مدير عام منطقة آثار أسوان والنوبة إلي أنه من المتوقع أن يساهم ذلك في زيادة نسبة السياحة بشكل كبير، بالاضافة إلي أنها مؤشر علي استقرار الأمور في البلاد ورسالة بأنها منطقة آمنه، مؤكدا أن وزارة الآثار وضعت خطة لاستغلال هذا الحدث بشكل جيد بحيث يتم فتح مناطق أثرية جديدة للزيارة مما يساهم في جذب مزيد من الزائرين. وأوضح سعيد أن نسبة السياحة في شهري أكتوبر ونوفمبر أفضل بكثير مقارنة بالعام الماضي، ومن المتوقع أن تزيد بشكل أكبر بعد الاحتفالية في جميع المناطق الأثرية مثل فيلة وكوم أمبو والأقصر وليس أبو سمبل فقط، مؤكدا أن هناك اجتماعات منتظمة لكل العاملين بأبوسمبل ومديري الإدارات مع محافظ أسوان وكل الجهات المعنية لوضع اللمسات الأخيرة قبل انطلاق الاحتفالية. تطوير المنطقة وتأمينها وأكد حسام الدين عبود مدير آثار منطقة أبوسمبل أنه تم تطوير ورفع كفاءة المنطقة الأثرية بالكامل حيث تم استحداث »لاند سكايب» جديد، وعمل إضاءات ديكورية وتجديد المداخل المؤدية للمعبد وتغيير البلاطات الحجرية، ورفع كفاءة البروجولات الخشبية في منطقة البازارات السياحية، بالإضافة إلي تطوير خدمات الزائرين بعمل مسار لذوي الاحتياجات الخاصة لتوفير سبل الراحة للوصول للمعبد، وإحلال وتجديد دورات المياه. وأضاف عبود أنه تم أيضا الانتهاء من أعمال ترميم ونظافة وإظهار للنقوش الموجودة علي جدران المعبد، كما تم تأمين المنطقة بمنظومة الكترونية حديثة تشمل تزويدها بأكثر من 60 كاميرا مراقبة، واستبدال أجهزة »الاكس راي» بأخري أحدث، بالإضافة إلي تطوير قاعة الزوار وتزويدها بنموذج مصغر »ماكيت» للمعبد الكبير، كما يضم المركز شاشات عرض تعرض باستمرار أفلاما عن عملية إنقاذ المعبد. وأوضح عبود أن مدينة أبوسمبل قائمة علي المعبد لذا تم تسخير كل إمكاناتها وتطويرها لتكون بمثابة عامل جذب لعدد أكبر من السائحين، حيث شملت عملية التطوير المدينة بأكملها من المطار حتي المعبد لأن السائح يعتمد علي الانطباع الأول للمكان الذي يقوم بزيارته، مشيرا إلي أن أعداد الزوار لمعبد »رمسيس الثاني» لا تقل في العام الواحد عن 30 ألف زائر تقريبا، وإذا تم الاحتفال بمرور 200 عام علي اكتشافه بحضور القيادة السياسية وسفراء الدول الأجنبية يعد رسالة عن مدي اهتمام مصر بالآثار. معرض صور ومن جانبه أكد د. هشام الليثي مدير عام مركز تسجيل الآثار والذي شارك في الإعداد لعدد من فعاليات الاحتفال خلال العام أن الاحتفاء بهذه المناسبة بدأ بإقامة معرض للصور النادرة بمركز الزوار بمنطقة أبوسمبل الأثرية يضم 46 صورة تتناول مراحل الكشف عن المعبد وعملية إنقاذه ونقله إلي مكانه الحالي، كما يضم أول صورة التقطت لتعامد الشمس علي وجه رمسيس الثاني في معبده بعد عملية الإنقاذ. وأشار د.الليثي إلي أن المعرض يضم أيضا مجموعة من اللوحات لفنانين معاصرين تناولوا في لوحاتهم عملية الانقاذ مثل: الفنان حسين بيكار، بالاضافة إلي الاعمال الفنية الموسيقية التي ارتبطت بالمعبد مثل: سيمفونية أبوسمبل للموسيقار عزيز الشوان، كما تم تجميع كل ما نشر عن المعبد وإصداره في كتاب تذكاري. واوضح د.الليثي أنه تم ايضا إصدار طابع بريد تذكاري يحمل صورة المعبد كما أن الوزارة بصدد طباعة منشور علمي عن جزء مهم من المعبد لم ينشر من قبل وهو المقاصير الشمالية »حجرات الكنوز» مضيفا أن الهدف من الاحتفالية هو تنشيط السياحة مرة أخري. نقل الحدث للعالم ويري د.زاهي حواس عالم ووزير الاثار الاسبق أن الرحالة القدماء لو كان لديهم القدرة علي الوصول إلي معبد أبوسمبل لاصبح هذا المكان من عجائب الدنيا السبع القديمة، حيث كان المعبد مخفيا تحت الرمال ولم يخطر في ذهن الرحالة الذهاب إلي جنوب مصر، مضيفا أنه يعتبر أهم واجمل معبد في مصر من حيث البناء، حيث انه بني بطريقة مختلفة حيث يضم اربعة تماثيل ضخمة ل»رمسيس الثاني» هدفها إثارة الرهبة في أعدائه وتكون بمثابة إضافة لقوة مصر في الجنوب، بالاضافة إلي انه يعتبر المعبد الوحيد الذي بناه ملك لنفسه وفي نفس الوقت يتوج نفسه كإله. واضاف د.حواس أن معبد ابوسمبل يعتبر المعبد الوحيد الذي يضم فيه قدس الاقداس ثلاثة آلهة وملك، كما أنه يرتبط ايضا بظاهرة فلكية فريدة تحدث مرتين كل عام وهي تعامد الشمس علي وجه تمثال الملك »رمسيس الثاني» مؤكدا أن هذه الظاهرة ليس لها علاقة بيوم تتويج الملك ولا مولده كما يشاع خطأ ولكنها ظاهرة فلكية فقط. واوضح د.حواس أن معبد »رمسيس الثاني» بأبوسمبل يجمع بين كل مظاهر إبداع المصري القديم في العمارة والفن والنحت والفلك والهندسة، وتضم جدرانه تفاصيل معارك الملك وانتصاراته وكل المظاهر العسكرية المتعلقة بمعركة »قادش»، كما نقش عليها تفاصيل توقيع أول معاهدة سلام مع الحيثيين، مضيفا أن المعبد الخاص بالملكة »نفرتاري» المجاور له والذي بني علي شكل الإلهة »حتحور» إلهة الجمال يعد عملا فنيا رائعا. وأشار د.زاهي إلي أن الاحتفال بمرور 200 عام علي اكتشاف المعبد سيكون له اثر كبير في الترويج للسياحة خاصة إذا حضر رئيس الجمهورية الاحتفالية. فسوف يحدث ذلك طفرة لهذا المكان الذي لا يعرف عنه العالم الكثير، مؤكدا أنه لابد من إذاعة هذا الحدث مباشرة علي الهواء حتي يري العالم جماله، ويعرف أن الآثار المصرية لا تقتصر علي الهرم و»توت عنخ آمون» فقط. واضاف د.حواس انه لابد أيضا من استغلال هذا الحدث بشكل جيد للترويج للسياحة والتعاقد في أقرب وقت مع شبكة تليفزيون عالمية كبيرة واعطائها الحق في نقل الحدث علي الهواء مجانا لان الدعاية التي سوف نحصل عليها من الحدث تفوق مكاسب بيع بثه بمراحل حيث يجب ان تكون هناك افكار مبتكرة للاستفادة من الحدث. فيلم تسجيلي بينما أشار د.بسام الشماع المرشد السياحي إلي أنه لابد من التعامل مع هذه الاحتفالية بأفكار من خارج الصندوق وتسويق الحدث سياحيا وحضاريا وثقافيا، حتي يعرف العالم التاريخ الحقيقي لهذا المعبد، حيث يمكن عمل شاشات عرض في الميادين أو محطات مترو الانفاق تعرض فيلما تسجيليا عن تاريخ المعبد وأهمية الاحتفال به باللغتين العربية والانجليزية، ويمكن ايضا تأجير هذا الفيلم للقنوات العالمية علي أن يكون هناك راع رسمي يتحمل التكلفة مضيفا أنه لابد أن يكون هناك ايضا مشاركة من الاثريين والمرشدين بإلقاء المحاضرات مجانا في الجامعات والمعاهد والمدارس. واضاف د.الشماع انه يجب ايضا استغلال اهتمام العالم بالمك »رمسيس الثاني» في عمل حلقات نقاشية ومؤتمرات علي هامش هذا الحدث، حيث أن معبده بأبوسمبل يمتلك الكثير من التفردات منها أنه الوحيد الذي يوجد فيه اشارة إلي الجواسيس في أحد المناظر المنحوته في البهو »الاوزيري» مضيفا ان محافظة اسوان يجب أن تراعي في هذه الاحتفالية ان تتناسب مع طابع المكان والحضارة الجنوبية وحضارة النوبة. وأشار د.الشماع إلي أن هناك ايضا عدة مقترحات يمكن ان تقوم بها وزارة الآثار من شأنها الاهتمام بسكان هذه المنطقة وربطهم بالمنطقة الأثرية وفي نفس الوقت تنشيط السياحة منها عمل اكشاك لبيع المستنسخات الاثرية التي تنتجها ادارة المستنسخات بالوزارة حيث يمكن كتابة نوع الحجر المصنوع منه المستنسخ والاثر الذي استخدام في بنائه من نفس الحجر.