بعد سنوات طويلة من التعايش مع القمع والإستبداد .. ومداهنة السلطة لإتقاء شرها.. والإنحناء أمام الرياح حتي تمر .. وكتم المشاعر من أجل النجاة .. ورسم الإبتسامة المصطنعة علي الشفاة من أجل الحياة .. وتحمل المهانة في صمت وإذعان ..و كبت الآراء وحرية التعبير وتكميم الأفواه بحثا عن الستر .. بعد سنوات طويلة من العواصف الهوجاء والمظالم السلطوية التي لايتحملها بشر .. والفقر والجوع والعوز الذي اجتاحنا .. والإعتياد علي الرضا بأقل القليل ليصبح نمط وإيقاع حياة .. فقد كان الرعب يدخل في قلوبنا لمجرد العبور ليلا أمام لجنة مرور يقف في مقدمتها ضابط صغير يفحصنا بعينيه .. خوفا ألا نروق له فيكون المصير البطش والإفتراء والوقوع في سين وجيم وقضاء الليل وربما ليال في الإستجوابات في الأقسام .. كان يتملكنا الخوف لمجرد تقديم أوراقنا للعمل في ديوان أو مصلحة حكومية .. ليطالعنا الموظف الكبير الذي نبجله ونخاطبه بألفاظ التفخيم والتعظيم والنفاق وربما الإنحناء أمامه حتي نلقي قبوله .. كان يداهمنا القلق لحظة عبورنا بوابة الفحص في المطار قبل السفر ونشد خلجاتنا في إبتسامة مطاطية إتقاء لشررجل الأمن الذي يعايننا من فوق لتحت ثم يعود ليحملق في وجوهنا حتي يجيز عبورنا .. لقد علمنا الإستبداد الخوف من كل شئ .. حتي لوكنا مواطنين أبرياء صالحين .. لقد علمنا البطش اللامبلاة والعزوف عن المشاركة في أي شئ .. تجرعنا دواء الصمت علي مدي عقود حتي بات كالحقنة تحت الجلد غير عابئين بأبسط حقوقنا .. علي طريقة ياعم وأنا مالي .. خلينا في حالنا .. إحنا عايزين ناكل عيش .. لحسن نروح ورا الشمس .. وغيرها من التعبيرات والجمل التي تدل علي السلبية والعزلة بعيدا عن المجتمع تجنبا للمجهول الذي لانعرفه .. بعد كل هذه السنوات الطويلة المديدة .. لثقافة رسخت وجثمت علي قلوبنا .. لماذا تخلي المصريون عن تراثهم القديم وقرروا إعلان ما في بطونهم وضمائرهم علي الملأ بثورة طاهرة عظيمة ؟! .. لماذا ثار المصريون ؟! .. سؤال يلح علي .. لقد تصور البعض أنه لامكان لثورة أو محل لإحتجاج في عقول المصريين .. خلاص هذا المجتمع رقد في القاع وارتضي بالذل والهوان واعتاد الإنصياع للأوامر والتعليمات .. غير أن شعبنا أسقط كل الظنون وانتفض من غفوته ليقول .. بأعلي صوت .. لا .. لا لمن يريدوننا عبيدا .. أو قطيعا يسوقوننا كما يريدون .. لا للظلم والهوان والإستعباد .. ثار المصريون ولم تكن ثورتهم مفاجأة .. بل هي نتاج طبيعي لمعاناة إستمرت سنوات وكان من المستحيل دوامها إلي الأبد .. ثار المصريون علي العيشة الضنك والخبز الحاف .. بينما يستمتع الفاسدون وينعمون برغد العيش .. ثار المصريون لغياب العدالة الإجتماعية .. و لعدم تلبية أدني حقوقهم المشروعة .. ولتقطير أرزاقهم بمشروعات لايجني ثمارها وينهبها سوي" كريمة " المجتمع الذين استوحشوا واستحلوا لأنفسهم ما ليس لهم .. ثار المصريون دفاعا عن كرامتهم وكبريائهم .. ثار المصريون ليصنعوا مجدهم .. ويقررون مقاديرهم .. ليصبح قدرهم بأيديهم .. لا بوصايا أو فروض من أحد .. ثار المصريون .. بأيد شبابنا الطاهر ثورة مباركة علي طريق الديمقراطية الحقيقية .. فبعد كل تجاربنا الأليمة .. إن الديمقراطية هي البداية الصحيحة لمستقبل مشرق .. لأول مرة منذ عقود طويلة تعود لمصر عزتها وكرامتها ومكانتها .. دولة كبري صاحبة حضارة إستثنائية !