تشهد تونس علي مدي شهر اضطرابات عنيفة أودت بحياة العشرات من الشباب واندلعت الاضطرابات والاحتجاجات بشكل لم تشهده البلاد من قبل الأمر الذي أثار قلقا عميقاً علي تونس بعد اندلاع أعمال التخريب والتدمير ونهب الممتلكات العامة والخاصة في طول البلاد وعرضها. ومما يؤكد خطورة الوضع في تونس الذي يزيد عدد الشباب فيها علي 60% قيام الرئيس زين العابدين بن علي بتوجيه ثلاثة خطابات إلي الشعب من أجل التهدئة بعد أن طفح الكيل بالمواطنين من القمع وتكميم الأفواه فضلاً عن تغلغل أجهزة الأمن في كل شيء وزيادة علي ذلك انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية والبطالة التي طالت أعداداً كبيرة من خريجي الجامعات. ونتوقف قليلاً أمام الخطاب الأخير للرئيس بن علي الذي يعتبر تحولا في المسار السياسي والاجتماعي للبلاد فقد اعترف الرئيس بأنه تم تضليله من قبل المحيطين به ولم يطلعوه علي حقائق الأمور وأن تونس ستشهد عصرا جديدا يتمثل في اصلاحات جديدة خاصة في المسار الديمقراطي وإرساء الحريات العامة مؤكداً أنه لن يترشح لفترة رئاسية جديدة بعد عام 2014 كما دعا إلي وقف اطلاق النار علي المتظاهرين في محاولة لوقف الاضطرابات التي سرت كالنار في الهشيم بسبب الفساد الكبير في أداء الحكومات المتعاقبة وتهميش مطالب الشباب الذين عبروا عن أنفسهم بتلك المظاهرات الدموية. إن تونس تدفع الآن ضريبة الحرية والديمقراطية فقد دفع عشرات الصحفيين والنقابيين والمحامين والمدونين ثمن المطالبة بالحرية والديمقراطية بإلقائهم في السجون والمعتقلات حتي صنفت تونس بأنها من أوائل الدول في كبت الحريات وانتهاك الديمقراطية. ويخطئ من يظن أن اندلاع تلك الانتفاضة كان وراءها المطالبة بتحسين الظروف الاجتماعية فقط فقد تراكمت الخطايا والكبت السياسي وانتهاك الحريات مع الظروف المعيشية السيئة لتحول تونس إلي فوضي ودمار. وكان من المفروض علي الرئيس بن علي أن يتخير مستشاريه وألا يركن إلي من ضللوه حيث أعلن في خطابه أنه تم تضليله وفهم مطالب المحتجين السياسيين والاجتماعيين وأصدر أوامره الفورية لعودة الحرية لجميع وسائل الإعلام ومواقع المدونين والإفراج عن معتقلي الرأي فأين كان الرئيس بن علي منذ ثلاثة وعشرين عاما منذ وصوله للسلطة وهل تم تضليله طوال تلك الفترة ولماذا وافق علي تكميم الأفواه وكسر الأقلام وكبت الحريات وإغلاق الصحف بينما الشباب يغلي من مظاهر التفرقة والرشوة والمحسوبية والاستئثار بالسلطة؟ من المسئول عن توحش وتغول أعوان قوي الأمن في تونس بدرجة أصبح الهروب منها الملجأ والملاذ؟ أن إحراق ونهب المتظاهرين للممتلكات العامة ومتاجر وشركات قوي الأمن والمحاكم والمرافق بتونس يؤكد أن الغضب العارم قد وصل إلي قمته. وحسنا أعلن الرئيس بن علي إقالة الحكومة والاستعداد لإجراء انتخابات تشريعية جديدة ووقف اطلاق النار علي المتظاهرين بعد أن سقط منهم خيرة الشباب بمن فيهم الأطباء وأساتذة الجامعات مما يدل علي أن اطلاق النار تميز بالعشوائية نتيجة هول المفاجأة التي لم تكن متوقعة. تونس في حاجة إلي فتح كل الأبواب وتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في قضايا الفساد والإفساد وسوف تطال رؤوساً كبيرة ولا يكفي إقالة وزير الداخلية وإحلال آخر والتضحية ببعض المستشارين في الرئاسة فالأزمة أعمق من ذلك بكثير. تونس في حاجة إلي الحرية.. كل الحرية.. والديمقراطية.. كل الديمقراطية وآن الأوان لإفساح المجال أمام كل التيارات السياسية للتعبير عن رأيها بدون كبت واعتقال.. وعلي الحكومة استيعاب ما جري ووضع خطة لانتشال الشباب من براثن البطالة وغول الأسعار، تونس بشعبها الأبي في حاجة إلي استقرار ووئام وما حدث بها سوف يؤثر بصورة مباشرة علي جيرانها وخاصة دول المغرب العربي كالجزائر والمغرب وموريتانيا. لقد اشتهر الشعب التونسي دوما بالإباء والكرامة وحب العلم والثقافة ولم يعد من المقبول في القرن الحادي والعشرين أن تكمم الأفواه وتكسر الأقلام وتغلق المواقع الإلكترونية ويزج بالآلاف في السجون. انتصرت الحرية والديمقراطية في تونس بفضل شجاعة أبنائها والمنتديات والمواقع الإلكترونية رغم الملاحقة فكانت مرآة للأحداث مما سارع بالتعاطف الدولي مع الشارع التونسي. خطاب الرئيس بن علي يعد مرحلة جديدة في تونس تتميز بالحرية والديمقراطية وتتطلب آليات لتنفيذها ولابد من تطهير الأجواء من أعداء الديمقراطية وكفي ما سقط من أبناء تونس دفاعا عن الحق في حياة كريمة وقلوبنا مع أبناء أبوالقاسم الشابي.