يمكنكم التواصل مع الكاتب ومناقشته: [email protected] طابور طويل من السيارات توقف أمام كمين ثابت للمرور، بمدخل عاصمة إحدي المحافظات.. وكان جندي المرور يشير لسائق كل سيارة بالمرور، وعندما جاء الدور علي سيارتنا فوجئت به يوقف السائق، ويطلب منه الرخصة، وبصوت خافت لكنه مسموع قال في جهاز اللاسلكي: سيارة أخبار اليوم.. ساعتها انتابتني مشاعر دهشة عن سر ذلك، بددها تسليم الرخصة للسائق، مشيراً له بالمرور.. وكان من الطبيعي أن أسأل بعدها.. لماذا اختار سيارتنا فقط ليطلب منها الرخصة، وسط عشرات السيارات؟! وجاءتني الإجابة من أحد رجال المرور، الذي قال لي إن هناك تعليمات من المحافظ بأن نوقف أي سيارات مرسيدس سوداء، ونطلب الرخصة من سائقها، لنعرف من هو المسئول أو الشخص الذي بالسيارة.. المحافظ يريد أن يكون جاهزاً لاستقبال أي وزير، أو مسئول كبير قد يقوم بزيارة مفاجئة للمحافظة، وقال: من ساعة جولات وزير التعليم المفاجئة والكل مرعوب!! واقعة تستحق منا جميعاً التوقف أمامها ودراستها، لانها تكشف عن أحد مظاهر الخلل الرهيب في الجهاز الاداري، الذي أصبح قياس معدلات الأداء فيه مرهوناً بالمظهرية. لقد استفحلت أمراض الجهاز الاداري للدولة لأسباب كثيرة، لعل أهمها هو كبر حجم هذا الجهاز، الذي يضم اليوم مايقرب من 5.6 مليون موظف، هم ضحايا كل الحكومات السابقة، التي حولت هذا الجهاز الي جراج كبير يستوعب كل الخريجين، بل حتي كل الحاصلين علي شهادة لمحو الأمية دون أي حاجة جادة لهم. ومع كبر عدد العاملين، اختفت عملية الرقابة والمتابعة لقياس حجم الانتاجية والأداء. ليس هناك أدني شك في أن نزول المسئولين لمواقع العمل والانتاج، يجعلهم اكثر قدرة علي معرفة مواطن الداء، وإيجاد حلول عملية من ارض الواقع، بعيداً عن اسلوب التقارير او التعرف علي طبيعة العمل والمشاكل، من خلال فئة من المحظوظين، الذين يشكلون حلقة من الصعب تجاوزها تلتف حول الوزراء، وتتكون من بعض وكلاء الوزارة، وطاقم العاملين بمكاتب الوزراء. وفي معظم أو كل الاحوال، تعكس هذه التقارير رؤيتهم الخاصة بعيداً عن المصلحة العامة، وبعيداً عن الحقيقة. انتابتني علامات كثيرة للدهشة وأنا أتابع ماتنشره بعض الصحف، حول إسلوب وزير التعليم الجديد الدكتور أحمد زكي بدر، والذي يتابع جولاته التفقدية المفاجئة للمدارس، والتي قد يصاحبه فيها بعض الزملاء من محرري التعليم، لأن نشر أخبار هذه الجولات، ومايتم فيها ونتائجها، تمثل إحدي الايجابيات التي تهدف إلي معرفة كل العاملين بحقل التعليم في جميع مدارس الجمهورية، بان الوزير قد يكون بينهم في أي لحظة من اللحظات، واعتقد ان وزير التعليم يقصد ذلك، لأنه أول من يعرف استحالة مروره علي كل المدارس، ودعونا نعترف صراحة ان الجولات القليلة التي قام بها وزير التعليم، احدثت مردودا ايجابيا علي مستوي كل المديريات التعليمية، حيث بدأ وكلاء الوزارات بها بالاضافة للمحافظين سلسلة من الجولات علي المدارس، أدت لانتظام الدراسة وعودة الطلاب لمدارسهم. البعض قد يتناسي ان مدارس الجمهورية كلها في مثل هذا الوقت من العام الماضي كانت خاوية، حيث يفضل الطلاب الذهاب لمدرسيهم الخصوصيين، بدلا من تضييع الوقت بالمدارس. البعض للأسف الشديد هاجم الوزير الجديد في اطار هوجة الهجوم علي الحكومة.. بل ان البعض دافع عن مديري المدارس والمدرسين، الذين ثبت تقصيرهم في أداء عملهم، وذلك رغم شكوانا المتكررة والدائمة من عدم محاسبة هؤلاء، وشكوانا من سوء حالة المدارس. وبعيداً عن العقاب الإداري لقلة قليلة من المدرسين المهملين، فإن جولات الوزير كشفت عن حالة مزرية تعيشها مدارسنا، ونقص الامكانيات فيها، ويكفي أن زيارته لإحدي المدارس الفنية كشفت عن عدم وجود اي معامل او ادوات، بل إن بعضها يعود الي 05 عاما مضت. وسوء حالة المدارس وتجهيزاتها تعني ان الكرة ستعود الي ملعب الوزير الجديد.. فهذه الجولات التفقدية تمثل بوصلة اختارها الوزير الجديد، وهو يقتحم اعشاش الدبابير في واحدة من اكثر الوزارات بيروقراطية، وتتعامل مع مايقرب من 52 مليونا من التلاميذ والعاملين بحقل التعليم. كان من الغريب حقاً أن يهاجم البعض الوزير، لأنه يمارس مهام عمله الأساسية كوزير للتعليم، وتمثل المدرسة محور اهتماماته وعمله. وزياراته لها أمر طبيعي ومطلوب، بعد أن ظلت زيارات وزراء التعليم السابقين للمدارس مقصورة علي اليوم الأول لبدء الدراسة، واليوم الأول للامتحانات، وذلك لالتقاط الصور التذكارية!! كنت أتمني أن يبادر الجميع بدعوة كل المسئولين والوزراء للاقتداء بوزير التعليم، وذلك بالنزول لمواقع العمل، والتعرف عن قرب علي المشاكل، بعيدا عن التقارير واحاديث شلل المنتفعين، التي تتواجد في مكاتب العديد من الوزراء والمحافظين. جولات الدكتور احمد زكي بدر ونتائجها، هي ترمومتر وأشعة، سوف يستخدمها وهو يبتر مواطن الداء في التعليم بمصر.. إنها تدشين لمرحلة جديدة من بناء جديد لمنظومة التربية والتعليم، بعيداً عن الروتين والأساليب البالية، التي كانت تستخدم طوال السنوات الماضية. وإذا كان بعض الكتاب يربطون دائماً بين طريقة وأسلوب الوزير الحاسم والصارم في ممارسته لوظيفته، والراحل الكبير والده اللواء زكي بدر وزير الداخلية الأسبق. فهي مقارنة في صالح الدكتور أحمد زكي بدر، الذي كان والده واحداً من أفضل وزراء الداخلية بمصر. ولا أبالغ عندما أقول إن إحدي مشاكل مصر الآن، هي حالة الاسترخاء والوهن والضعف التي يمارس بها بعض المسئولين مهام منصبهم، والتي تنتقل عدواها الشديدة لمرءوسيهم، فتكون النتيجة الاسترخاء واللامبالاة، التي اصبحت سمة أساسية في معظم وحدات الجهاز الاداري للدولة. بل إن هناك بعض المسئولين الكبار يخشون من الاعتصامات، التي قد يقوم بها بعض العاملين التابعين لهم، والتي يطلبون فيها حقوقا ليست لهم، أو يطلبون زيادات في الحوافز والمكافآت دون ان يقابلها أي مردود في الانتاج والعمل. هؤلاء المسئولون يخشون حتي من مجرد توقيع العقوبات، التي ينص عليها القانون تجاه المهملين أو المقصرين خوفاً من ردة فعلهم، فتكون النتيجة مزيداً من الاهمال واللامبالاة. إن مفهوم الحرية لا يمكن أن يكون حماية وستارا وثوبا فضفاضا، تتخفي وراءه البلطجة والاهمال وعدم الانتاجية. واذا كان الدكتور احمد نظيف رئيس مجلس الوزراء، قد طبق اسلوباً جديداً في عقد اجتماعات لمجلس الوزراء في محافظات مصر بالتناوب، فإنني اتمني أن يبدأ من اليوم سلسلة من الجولات التفقدية المفاجئة لكل محافظات مصر.. ساعتها فقط سوف نكتشف حقائق كثيرة تختفي وراء اللافتات وشعارات الترحيب، ورش الشوارع وكنسها قبل أي زيارة مسبقة يعلن عنها. فبعض المحافظين يعتقدون أن مظهر المحافظة، وحسن الاستقبال والضيافة، تمثل مسوغات النجاح في العمل. أما المحافظ »بصاص الحكومة« الذي أعطي تعليماته بمعرفة ركاب أي سيارات مرسيدس سوداء، تقترب من عرينه ومملكته، فاعتقد أن مكانه الحقيقي هو الاقالة من منصبه، لانه نموذج سييء للمسئول الذي يعتقد ان المظهر هو اساس الحكم علي ادائه وعمله، مطبقا المثل الذي يقول: »من بره هاالله هاالله ومن جوه يعلم الله«. غوغائية السياسة جمعتني الصدفة بإعلامي ممن يطلقون علي أنفسهم لقب »ناشط سياسي«، وتناول حديثنا ما تشهده الساحة السياسية الآن من حراك واضرابات واعتصامات. ومن بين ثنايا حديثه عرفت ان الاضراب، الذي شهده ميدان التحرير يوم 6 ابريل، كان نواة لاضراب أكبر أعدت له مجموعات من المعارضين السياسيين، الذين شكلوا فيما بينهم جمعية المطالبة بتغيير الدستور. وقال إن التخطيط كان يقوم علي أساس عملية »جس النبض« لأجهزة الأمن، فقد كانت هناك مجموعات أخري ستشارك في الاضراب، وفي أحياء متفرقة من القاهرة، خاصة القريبة من ميدان التحرير، لولا تدخل رجال الأمن في الوقت المناسب، وهو ما مثل اجهاضاً لمخططهم الذي كان يستهدف غلق المنطقة المزدحمة بالكامل. وتناول الحديث مايثار الآن حول تحديد منطقة خاصة للاضرابات، بعيدة عن مناطق الازدحام وقلب العاصمة، فقال إننا سنرفض ذلك.. فليس هدفنا الاضراب أو الاعتصام، وإنما إثارة الناس، وجذب فئات عديدة منهم للمشاركة في الاضراب، وهذا لا يتحقق إلا في الميادين الرئيسية، ومنطقة وسط البلد، ومنطقة البرلمان، ومجلس الوزراء. من هنا يتضح إلي أي مدي تفكر تلك القلة الحاقدة، التي تهدف إلي مجرد الاثارة والتهييج، وهو ما يتطلب وقفة جادة، وضوابط محددة ومعلنة للاعتصامات والاضرابات. إن الحكومة مطالبة بسرعة التحرك، واحتواء بعض أسباب الاضرابات العمالية أو الاعتصامات، التي يقوم بها البعض من أجل المطالبة بحقوقهم، أو ايجاد حلول لمشاكلهم، التي قد تستغلها غوغائية السياسة، وخيول المآتة الذين يرتدون أثواب البطولة من فوق صهوة جواد يقفز في السراب، ويعيش في خيالاتهم المريضة.