دور الثقافة والمثقفين في التنمية الثقافية، يظل هو خط الدفاع الأول في مواجهة الأفكار المتطرفة، بعد ما أصبح أمرا حتميا مواجهة خطر الإرهاب وهذه التيارات الفكرية التي أصبحت تهدد الثقافة نفسها، كلما زادت حدة التحدي والمواجهة نعود إلي تجاربنا وتراثنا الفكري والثقافي لعلنا نجد فيه دروسا يمكن الاستفادة من عقول وأفكار أصحابها في مواجهة هذا الخطر، فكان هناك ثلاثة كتب أثارت جدلا حول قضايا الثقافة منها كتاب » مستقبل الثقافة في مصر» للدكتور طه حسين، كتاب » الثقافة ليست بخير» للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي ،كتاب »أهمية أن نتثقف يا ناس للدكتور يوسف إدريس الثقافة هي ثروتنا القومية الأولي أو هي علي حد قول الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في كتابه »الثقافة ليست بخير»- الذي صنف ضمن كتب حقوق الانسان- ،هي الأكسير الذي نمزج به بين مختلف العناصر والموارد ونحي به الأرضا بعد موتها، فمصر ليست هبة النيل كما قال هيرودوت لأنها ليست أرض فقط وإنما هي أرض وبشر أي أرض وثقافة وقد تحولت هاتان الكلمتان إلي كلمة واحدة هي مصر، فإذا تراجع الإنتاج الثقافي في مصر أو ضعفت طاقة المصريين علي الخلق والإبداع كما هو حالنا اليوم فليست الثقافة وحدها في خطر وإنما الوطن كله في خطر. يحتوي هذا الكتاب علي عدة مقالات تدور حول هموم الثقافة وحالة الجمود التي أصابت المثقفين وغياب النقد الذي ان دل علي شيء فهو يدل علي اللامبالاة، التي قد نفهمها من المثقف الفرد ولكننا لا نفهمها من المؤسسة الثقافية التي يفترض أن تكون أقرب إلي الالتزام والموضوعية وأكثر إحساسا بالمسئولية. يدعو المؤلف في كتابه إلي حركة ثقافية وأدبية ترتكز علي أسس تشدها إلي الواقع وتعتمد علي منطلقات ودوافع فنية وحيوية تحدد وظائفها وأهدافها. ولا يتوقف عند دور المثقف الفرد وإنما الثقافة كمؤسسات فاعلة ومنتجة، ومراجعة حياتنا الثقافية في العقود الأخيرة باعتبار أن المراجعة نهضة شاملة. رغم أن هذا الكتاب قد صدر منذ عدة أعوام إلا أنه مازالت القضايا الثقافية التي تعرض لها موجودة في حياتنا، نظرة سريعة لأحوال الثقافة دون الوقوف عند تفاصيل المؤسسات الثقافية ما تعاني من الجمود ونقص الموارد والتكدس البشري، والثبات عند ما قدمته النهضة الثقافية في الستينيات من إقامة صرح ثقافي ضخم مازلنا نتغني به دون تطويره او إيجاد حلول لمشاكله، إننا في مأزق ثقافي ندور حوله كدراويش ولا نقوي علي الاقتراب منه، رغم ان النهضة الثقافية التي نادي بها د. طه حسين في كتابه الاثير » مستقبل الثقافة في مصر» والتي ناقش فيه العديد من القضايا الفكرية والثقافية، والتي ركز فيه علي الاهتمام بالتعليم وسبل إصلاح منظومة التعليم بالكامل بدءا من الاستراتيجيات العامة مرورا بإعداد المعلمين حتي يصل بنا لتفاصيل دقيقة مثل الامتحانات وتنويع المواد الدراسية، الكتاب يعرض ايضا رؤية الدكتور طه حسين لمجانية التعليم وحدودها ودور الدولة في دعمها وكيفية التوفيق بين اتاحة المجانية وقدرة الدولة علي استيعاب المتطلبات المادية للتعليم المجاني بما لا يهدر جودته. وهي قضايا مازالت مطروحة حتي يومنا الحالي رغم صدور هذا الكتاب منذ عام1938! هل يعني أننا غير قادرين علي حل مشاكلنا؟! أم أن هناك قدرا من اللامبالاة وعدم القدرة علي تجاوز المشاكل وإيجاد الحلول الجذرية.أم أسباب أخري لم نصل إليها رغم مرور كل هذه العقود؟! عندما صاح د. يوسف إدريس في كتابه »أهمية أن نتثقف يا ناس » كان يريد أن يضعنا أمام الحقيقة وهي ان حل مشاكلنا من تنمية وثقافة لن تحل بدون الوعي الثقافي وإدراك أن الثقافة لا تعني الاهتمام بالأدب والفنون فقط وإنما الثقافة تعني في المقام الأول أسلوب حياة وقدرة علي تحقيق التنمية الثقافية والقدرة علي التفاهم والتعامل مع الأخر لان العدو اليوم كما جاء في سطور كتاب يوسف إدريس »لم يعد يحمل اساطيل وجيوش وانما أسلحته اصبحت السنته وكتبه ودعاته إلي مجتمعاتنا حتي أصبح يتحكم فيها بما يمكن ان نسميه الريموت كونترول»، وعندما كتب د. يوسف إدريس هذا الكتاب لم تكن وسائل السوشيال ميديا قد وصلت إلي هذا المستوي من مساحة الانتشار والاتساع والاحتلال الفكري المنظم، فالمسألة الثقافية لم تعد شأنا خاصا بوزارة الثقافة وحدها وإنما هي شأن الوطن بأكمله. وعلي القائمين عليها ادراك هذا الشأن بدلا من الانشغال بالمظاهر وترك الجوهر، إن الثقافة هي وعي الواقع، والإنسان هو الأداة الأساسية للثقافة، يعمل علي تطويع الواقع وتطويره، بناء عليه يمكنُ القول أنّ المثقف هو صانع الوعي وأداته، صحيح أنّ المثقف ليس هو صانع الثقافة، فالثقافة المتوارثة في المجتمع من عادات وقيم وموروثات دينية ومعتقدات هي التي تحدد نمط الثقافة السائدة في المجتمع، لكن المثقف هو الفاعل الأساسي الإيجابي في تطوير وتجديد هذه الثقافة والارتقاء بها، من أجل تحقيق آمال مجتمعه وطموحاته وتطلعاته، فالمثقف هو الإنسان المنخرط بطريقة أو بأخري في عملية إنتاج الوعي، ولكنه للأسف المثقف مثقل بهمومه الخاصة ومعاناة لقمة العيش التي تجعله متهاونا في حقه وحق مجتمعه وهذا ما أشار إليه عبد المعطي حجازي في كتابه » الثقافة ليست بخير» وهو عدم الاعتماد علي المثقف الفرد، وأن المسئولية علي المؤسسات الثقافية المنوط بها تفعيل الواقع الثقافي وإنتاج ثقافة بدلا من اللامبالاة التي عششت في قاعات مؤسساتها التي اكتفت بأداء الواجب المهني وكأنهم يعملون موظفين ولا شأن لهم بالواقع الثقافي وما يهدد الثقافة نفسها من أخطار.