جمع في أعماله بين نظرة الصحفي والأديب والمفكر، وكان علي معرفة عميقة بواقع المجتمع المصري الذي تناوله بالنقد بالسخرية الأدبية اللاذعة والجريئة،لكن إبداع الطبيب لم يتوقف عند حدود القصة القصيرة التي تكاد تعرف به وترتبط باسمه، ليمتد تألقه الإبداعي إلي عالمي الرواية والمسرح. وقد ترك إدريس أعمالا شهيرة لا تزال تتمتع بنسبة قراءة عالية منها قصص "أرخص ليال" و"قاع المدينة" و"بيت من لحم" و"جمهورية فرحات" و"حادثة شرف"، وروايات "العسكري الأسود" و"العيب" و"الحرام" و"رجال وثيران" و"البيضاء" و"السيدة فيينا" و"نيويورك 80" إلي جانب مسرحيات منها البهلوان"ملك القطن" و"المخططين" و"اللحظة الحرجة" و"الفرافير" بعد مرور عشرين عاما علي رحيله مازالت أعمالة قائمة بين أكثر الكتب رواجا وقراءة حيث قامت دار نهضة مصر للنشر بإعادة طبع جميع أعمالة في طبعات فاخرة اخترنا منها كتابا من أكثر الكتب التي مازالت تحتفظ بفكر الكاتب الذي لم يشخ ولم يتوقف مع رحيله وهو كتاب " أهمية أن نتثقف يا ناس" . الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات الفكرية المتنوعة التي كان قد نشرها الكاتب من خلال مقالاته الرائعة تحت عنوان " من مفكرة يوسف إدريس "يقول في مقدمة كتابه : حين نتكلم عن الثقافة وأهميتها لا نتحدث كما يعتقد البعض عن الثقافة الرفيعة وعن المسرح الرفيع والكتاب الرفيع والتليفزيون والسينما الرفيعة وإنما في حقيقة الأمر وواقعه نتحدث عن الوعي المثقف المزود بالقدرة علي التمييز والإدراك نتحدث عن إنقاذ الوعي المصري والعربي عن إزاحة الضباب عن عيون القراء والكتاب والصحفيين نتحدث عن التصدي للمغيبات المكتوبة والمقالة المصورة نتحدث ونريد أن نقاوم تلك الغزوة الرامية لشل عقولنا وإبادة حضارتنا وتشجيع التسيب في سلوكنا وإشاعة الفوضي في وجودنا، في بيوتنا، في شوارعنا، في تجمعاتنا، في جيوشنا، في مصانعنا، في ريفنا وحضرنا . في مقالة " أهمية أن نتثقف يا ناس " وقف المفكر يوسف إدريس أمام قضية في منتهي الخطورة وهي قضية الثقافة والمثقفين ويؤكد في سطور مقالته علي أن التمسك بتراث الأمة الروحي والثقافي هو جزء لا يتجزأ من مهمة أية ثورة وطنية، لأنه بدون هذا التراث قد تنتعش المصالح الاقتصادية للعمال والفلاحين والطبقات الشعبية الثائرة ولكن العمود الفقري الثقافي الذي يحمل تراث الأمة الروحي إذا لم يحافظ عليه يتحلل وتنشأ طبقات عريضة جديدة بدون محتوي روحي أو ثقافي أو حضاري مثلما حدث عندنا. ويتساءل إدريس في سطور مقالته: هل حكومتنا ليست لديها إمكانيات ثقافية متاحة لترفع بها المستوي الثقافي لشعبنا؟ ويجيب : إن لدينا إمكانيات بالتأكيد ولكنها مهدرة تماما ويعدد كاتبنا الكبير كثيرا من إمكانياتنا المهدرة ويقول : شكوانا المستمرة من السلبية والفوضي وانعدام الضمير والقيم وتفشي الفساد والمحسوبية، شكوانا من الازدحام الحيواني والهرجلة والارتجال في المشروعات والحلول، شكوانا من الضعف القيمي الذي ساد أفرادنا ومؤسساتنا، تقريبا كل شكوانا الخاصة بالإنسان سببها أننا تحولنا إلي مجتمع جاهل حتي وان كان بعضه متعلما، مجتمع غير واع أو مدرك أي غير مثقف مجتمع همه علي بطنه وأقصي متعة للمليونير فيه أن يأكل كبابا ويشرب ويسكي. مجتمع ليس له صفوة قائدة مثقفة محترمة تتمسك بالقيم وتدافع عنها وتدعو إليها، مجتمع نجومه ونجماته أشد ظلاما وخمولا من السماء الملبدة بالغيوم لدينا إمكانيات النهضة ولكن المشكلة هل لدينا الهمة؟ أعرفنا لماذا نطالب ونلح بالتغيير؟! من أجل أن يتولي أمورنا أناس ذوو همة ويستطرد إدريس قائلا : إننا ننحدر ثقافيا وبالتالي سلوكيا بدرجة خطيرة والغوغائية نتيجة لانعدام الثقافة. فالثقافة أخطر من أن تكون من كماليات الحياة. فالحياة نفسها هي الوجود المثقف للكائنات. هذه واحدة من مقالات عديدة ثورية مناهضة لكل عيوب مجتمعنا تضمنها كتاب الدكتور يوسف إدريس في حينه ولكن هناك الكثير من تلك العيوب التي مازالت جاثمة علي بعض العقول التي ترفض التغيير ولا تريد أن تطل البلاد برأسها إلي عالم الفكر الرحب الذي يسمح للعقول بأن تتحرر وتقود البلاد فلكل ثورة مفكروها من أصحاب الفكر والرؤي التي تضيء بها الطريق وترسم بها خارطة المستقبل .