المستشار عاصم الجوهرى نعم، نحن في حاجة شديدة وماسة لإعادة الانضباط. وإذا كان الشعب المصري كله قد التف حول ثورة شبابه وردد عبارة نريد إسقاط النظام، فإننا مطالبون اليوم بأن يكون شعارنا هو: نريد النظام والانضباط وتحقيق كل مطالب الثورة. نعم، نحن في حاجة ماسة إلي وقفة أمينة مع النفس، لكي نسترجع جميعاً المعاني العميقة لثورة 52 يناير، والتي كانت مقدمة لثورة شاملة في العديد من بلدان العالم العربي. وأعتقد جازماً أنها ستصبح القدوة لكل الشعوب المظلومة والمقهورة في كل بلدان العالم. نحن في حاجة ماسة لإعادة الانضباط إلي كل مجريات حياتنا، لكي نتمكن من أن نجني ثمار الثورة، والتي حققت العديد من مطالبها رغم قصر الوقت وتزاحم الأحداث. الانضباط سوف يمكننا في المقام الأول من إعادة قراءة كل ما تحقق، وما لم يتحقق وخاصة معاقبة الجناة الحقيقيين الذين حاولوا تلطيخ الثورة البيضاء بلون الدم، الذي يظل القصاص له ضمن أهم الأولويات خلال المرحلة القادمة. الانضباط سيمكننا من الرصد الدقيق لحقيقة التحولات الكبري التي شهدتها مصر طوال الأسابيع الأربعة الماضية، والتي تتم بوتيرة متسارعة لم تؤثر علي طبيعة ونوعية جودة الأداء. تحولات سوف يكتبها التاريخ بأحرف من نور في سجل العسكرية المصرية، وهي تضرب المثل والقدوة في حماية الشرعية التي يمثلها الشعب المصري بكل طوائفه وأحزابه وقواه السياسية، وفي مقدمتهم شباب الثورة الذين جعلونا اليوم أكثر ثقة في مستقبل مصر. إعادة الانضباط تجعلنا نرصد بعض النقاط المهمة والضرورية، والتي يجب أن تكون ماثلة أمام عيوننا ونحن نمضي علي الطريق لتحقيق الأهداف المنشودة من الثورة. يأتي في مقدمتها التصدي لهؤلاء الذين ينصبون أنفسهم أوصياء علي الثورة والمتحدثين باسمها، والذين بدأوا في حملات ممجوجة تتاجر باسم الوطنية والانتماء، وتعلي من ثقافة اليأس وقتل كل بارقة للأمل، وفي مقدمة هؤلاء حفنة قليلة من محدثي الإعلام، الذين انطلقت أبواقهم في متاجرة ومزايدة رخيصة واتهامات بالخيانة والعمالة، يوزعونها علي الناس بغير حساب أو وخزة من ضمير. ولا أبالغ عندما أقول إن الإعلام المصري الشريف بكل روافده وأشكاله، يتحمل اليوم مسئولية كبري في حماية الثورة من هؤلاء اللصوص، الذين يحاولون سرقتها وتفريغها من مضمونها، وتحويلها إلي أداة للتشفي. هؤلاء يحاولون دائما التقليل من حجم الإنجازات والمكاسب التي حققتها الثورة، والتي يقودها رجال هم المعدن الأصيل والثمين لشعب مصر كله. فوتيرة الإجراءات التي يقوم بها المجلس الأعلي للقوات المسلحة جاءت متزامنة وسريعة، واتجهت مباشرة لتحقيق جوهر المطالب التي أعلتها ثورة الشعب المصري، وفي مقدمتها الإصلاحات الدستورية التي سوف تحدد بوصلة سفينة الوطن، بالإضافة لتشكيل حكومة قادرة علي الإنجاز. وبعيداً عن كل مظاهر التشكيك في بعض رموزها، ضمن إطار ما يقال حول رجال النظام السابق ورجال النظام الجديد، وهي المقولة المقيتة التي تهدف لزيادة الهوة والتفريق والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد. إن حرية الرأي مكفولة للجميع دون مصادرة لرأي أو محاسبة عليه، ودون تبرئة أو إلتماس الاعذار للفاسدين الذين نهبوا ثروات مصر، شريطة أن يتم ذلك من خلال التمسك بالشرعية التي يقوم عليها قضاة أجلاء، نثق كل الثقة فيهم، وبعيداً عن إلصاق التهم بالشرفاء دون سند أو دليل سوي الحقد والتشفي. ولأن البعض - وهم قلة قليلة - اعتقدوا أن الحابل قد اختلط بالنابل، ووجدوها فرصة سانحة لتحقيق مآربهم الخاصة، من خلال إثارة البلبلة والتشكيك داخل كل الوزارات والمؤسسات والشركات، وإعلاء المطالب الفئوية وتعطيل العمل، ومحاولة إيهام الناس بأن الحقوق لا علاقة لها بالواجبات. والتي أدت لانتشار ثقافة جديدة - الآن - علي نطاق واسع، وهي أن أفضل وقت للحصول علي الحقوق أو تحقيق المطالب هو الآن. فوسط الضجيج وحالة التشكك وعدم الثقة، يخرج دائما هواة اقتسام الغنائم. غنائم ثورة كان وقودها دماء شبابنا الزكية، وكان هدفها إصلاح شامل ورؤية لمستقبل أفضل يخطها الشعب بنفسه. غنائم يسرع إليها كل الفاشلين والحاقدين، ظناً منهم بأن المناخ السائد في مصر الآن هو التفرقة بين المصريين، والادعاء الكاذب بأن هناك مؤيدين ومعارضين للثورة، وهو تقسيم يدل علي مدي الجهل والتخبط وسوء النية والقصد، لأن ثورة 52 يناير هي ثورة كل المصريين. الثورة التي كانت قواتنا المسلحة هي صمام الأمان لها، والمدافع الأول عن كل مطالبها. نأتي بعد ذلك إلي حالة الانفلات الأمني التي بدأت بالفعل تختفي، غير أن إطفاء نيرانها لم يمتد إلي عمق الأسباب المؤدية لها، والتي تؤدي لإعادة اشتعالها من جديد، وإن كانت في صورة فردية لا يجب تعميمها، مثلما لا يجب أبداً التقليل منها أو التهاون في التعامل معها. دعونا نتفق أولاً علي أن وجوداً لرجال الشرطة والأمن بلا هيبة أو قدرة علي تحقيق الانضباط، والتعامل المشروع مع أي خروج علي القانون والشرعية، يعني صفراً في النهاية. نعم، نريد شرطة تحمي أمن المواطن وتعلي من قيمته وتدافع عن حقوقه، وتضرب بيد من حديد علي يد من تسول له نفسه المساس بأمن المواطنين واستقرار الوطن. ولكي يتحقق ذلك علينا أولاً أن نزيل الصورة السلبية، التي انطبعت في أذهان وعقول الناس، والتي أصبحت محركاً في تعاملاتهم مع رجال الشرطة خلال أيام الثورة. إزالة تلك الصورة تتطلب الإعلان الفوري عن كل نتائج التحقيقات في حالة الانفلات الأمني، أو الموت الإكلينيكي لتواجد الشرطة. تعني سرعة الإعلان عن الجناة والقتلة، الذين روعوا أمن مصر بقلب ميت لم يعرف الرحمة، ونزع ثوب الانتماء لمصر وهو يصوب رصاصاته الغادرة، إلي صدور أبنائنا وأحفادنا طوال أحداث الثورة. تعني سرعة عودة السجناء الذين فروا من السجون بفعل فاعل حقير، أراد إحراق مصر كلها. وهذه العودة لا يمكن أن تتم من خلال عمليات الضبط فقط، ولكنها يمكن أن تتم بإجراءات تتضمن الإعفاء من جزء من العقوبة، كحافز يؤدي لتسليم السجناء لأنفسهم، وهو الأمر الذي يجب أن يمتد أيضا لإعادة تسليم الأسلحة المنهوبة، ليس من خلال الإعفاء من العقوبة لمن يقومون بتسليم الأسلحة، ولكن من خلال حافز مالي تتحدد قيمته وفقاً لنوعية السلاح، بالإضافة إلي الإعلان عن عقوبة صارمة وقاسية لكل من يضبط بعد ذلك حاملاً لسلاح من الأسلحة التي تمت سرقتها، وأنواعها بالطبع معروفة. تعني أيضا دوراً شعبيا في كل أقسام ومراكز الشرطة، يشارك فيه نخبة يتم اختيارها بالتطوع من بعض الحكماء وكبار السن، ومن نوعيات محددة كالقضاة ورجال القانون وأساتذة الجامعات، وبحيث تكون وسيطاً مقبولاً لدي المواطنين في تعاملاتهم داخل أقسام الشرطة، ولفترة محددة قد تمتد لمدة عام. تعني إيماننا جميعاً بأن الظلم لم يكن يفرق بين أحد. بين ضابط وجندي ومواطن. فكلنا أبناء وطن واحد، وذلك باستثناء قلة قليلة سوف يطولها سيف العدالة والقانون. تعني إعطاء الفرصة للحكومة المؤقتة، والتي لن يتعدي عمرها أشهراً قليلة. حكومة تتعامل بلغة جديدة، وتهدف بالفعل إلي احتواء كل التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد المصري، الذي تأثرت موارده بصورة مباشرة. حكومة أسرعت بالفعل باتخاذ خطوات ملموسة، لتحقيق العدالة الاجتماعية التي تظل هدفاً أساسياً وطموحاً متزايداً. نعم، كلنا نريد النظام. النظام الجديد الذي ننعم فيه جميعا بخيرات بلادنا، وبعيداً عن كل المشككين والمزايدين والمروجين لثقافة اليأس.