قبل أيام قليلة اعترف حمد بن جاسم رئيس وزراء ووزير خارجية قطر الأسبق باستضافة بلاده مقار لمنظمات إرهابية عديدة في مقدمتها حركة طالبان الأفغانية بدعوي أن ذلك كان بطلب ومباركة من الولاياتالمتحدة نفسها. هذا الاعتراف لرجل قطر القوي علي مدي عشرين عاما مضت لا يمثل أكثر من دليل إضافي علي الخطر الذي باتت تمثله قطر علي السلام والأمن الدوليين باعتبارها دولة راعية للإرهاب ومستضيفة للمنظمات الإرهابية. أشارت دراسة للباحث الأمريكي »دينيس ماك إوين» كبير الباحثين في معهد »جيت ستون» للدراسات السياسية في الولاياتالمتحدة، إلي أن قطر أصبحت أكبر مصدر للتبرعات الخاصة لتنظيم داعش الإرهابي وفروع تنظيم القاعدة العديدة في مختلف أنحاء العالم كم انها داعم رئيسي بالمال والعتاد لفصائل المعارضة في سوريا وللجماعات المسلحة في ليبيا، وهو ما يعني ان تلك الدويلة الصغيرة مسئولة بشكل كبير عن بحور الدم التي تسيل في عدد من البلدان العربية، وعن تشريد ملايين السوريين، وكذلك عن استمرار الحروب الأهلية التي تفتك بمنطقتنا العربية. قطر وليبيا يقول الخبير البريطاني في شئون الشرق الأوسط، »كريستيان كوتس أورليخسن»، في كتابه الذي صدر حديثاً بعنوان »قطر والربيع العربي»، ان نجاح التدخلات القطرية في الدول لتأجيج الثورات العربية، شجعها علي ممارسة المزيد من التدخل الذي كشف عن مدي هشاشة وضعف الأدوات التي تقوم عليها السياسة الخارجية القطرية عند تحركها خارج حدودها. ولا يوجد ما يظهر هذا الضعف أكثر من حالة ليبيا: تلك الدولة التي حقق فيها التدخل القطري نجاحاً علي المدي القصير، تجلي في الإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي وتغيير نظامه في طرابلس، حتي إن بعض المصادر الخليجية المقربة من العائلة المالكة القطرية، قالت بعد سقوط ومصرع »القذافي»، إن الأمير السابق »حمد» هو الذي خطط بنفسه للتدخل القطري المباشر والصريح في ليبيا، وسياسة ولده تميم هي التي تسببت في تحويل ليبيا إلي بؤرة لتصدير الفوضي والإرهاب. وقد كانت قطر من أولي الدول التي لعبت دورا في ليبيا،وذلك عندما لعبت دوراً كبيراً في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي مهَّد لقرار من مجلس الأمن بفرض حظر جوي علي ليبيا.ثم شاركت القوات القطرية في العمليات العسكرية التي قادها حلف الناتو في ليبيا، وذلك بالتوازي مع تركيز إعلامي لم يسبق له مثيل علي الأحداث الليبية بأسلوب تجاوز كثيراً مبادئ العمل الصحفي المستقل والمحايد.. وفي أكتوبر 2011،سقط النظام في ليبيا، وقتل العقيد معمر القذافي، ويعود الفضل في ذلك إلي أسلحة قطر، بحسب تقرير للكاتبة إليزابيث ديكنسون، في مجلة »فورين بوليسي» الأمريكية. وبطرق غير شرعية، استخدمت الدوحة طائرتين بوينج لنقل الدعم والسلاح إلي ليبيا، حيث شكلت شبكة من رجال دين، وجهاديين سابقين، ورجال أعمال، وآخرين معتدلين، لتغذية »الثورة الليبية »بالمال والسلاح.وأضافت المجلة أنه بحلول عام 2013 كانت ليبيا قد انهارت، وكانت قطر وشبكتها أحد أسباب هذا الانهيار. وأظهرت احدي الوثائق تورط مسئولين قطريين في نشر قوات عسكرية قطرية علي الأراضي الليبية، ومحاولة السيطرة علي عدة مناطق، أبرزها معتيقة ومصراتة، إضافة إلي إغراق البلاد بمليارات الدولارات لإفساد المجتمع الليبي عبر استغلال الظروف الاقتصادية لبعض الليبيين، ودعم السجناء السابقين في ليبيا حتي أصبحوا قيادات. ومن بين المسؤولين القطريين المتورطين في ذلك، محمد حمد الهاجري الذي كان القائم بالأعمال بالإنابة في السفارة القطرية بليبيا، والعميد بالاستخبارات القطرية سالم علي الجربوعي، الذي شغل الملحق العسكري لقطر في دول شمال إفريقيا، قام هذا الأخير بدعم القاعدة وداعش والإخوان ماديا، حيث عمد إلي تحويل مبلغ قدره 8 مليارات دولار من البنك القطريالتونسي إلي بنك الإسكان بمحافظة تطاوين جنوبي تونس، ليتم فيما بعد إرساله إلي ليبيا لدعم الجماعات الارهابية. كما أظهرت فيديوهات دعم قطر لعدد من المتشددين حتي باتوا يتولون مناصب قيادية، من بينهم المهدي الحاراتي وهو حاليا عميد بلدية طرابلس، بعد أن كان يقود جماعة متشددة في سوريا. كذلك ساهمت قطر في إرسال 8000 مقاتل من ليبيا إلي سوريا قبل العودة بهم إلي ليبيا، وتم نقلهم بطائرات قطرية، كما قامت بجلب عدة إرهابيين من الخارج. ويقول كريستيان في كتابه ان نجاح قطر »الوجيز» في تغيير النظام في ليبيا، كان سبباً في فتح شهيتها علي مزيد من تغيير الأنظمة وفي سوريا علي وجه التحديد، ما ظهر واضحاً في بعض تعليقات الأمير السابق، ثم رئيس وزرائه بعدها. ففي أوائل في أوائل عام 2012 عقد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ورجب طيب أردوغان اتفاقا سريا بشأن ما سمي ب»خط الجرذان». وينص الاتفاق علي نقل أسلحة خاصة من ترسانة النظام الليبي السابق، بواسطة قطر، إلي سوريا، لتسليح المعارضة »المعتدلة» هناك، في ظل غياب أطر قانونية ورفض الكونجرس الأمريكي منح خط أخضر لذلك. الخطة التي دعمتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية الخارجية، فتحت الباب لقطر لتتحكم في المشهد كله، بل وتنحرف بالخطة المشتركة عن أهدافها. فبدأت بنقل الأسلحة، ليس للمعارضة، بل لجماعات من المتمردين، ذات التوجهات الدينية المتطرفة. وقامت الدوحة بتسليح جماعات، خاصة أحرار الشام التي تعد قريبة من تنظيم القاعدة، وأغلب مقاتليها مع جبهة النصرة الارهابية. قال إن المال القطري هو السبب في قتل واصابة اكثر من مليوني سوري وتشريد اكثر من 13 مليونا، وهو السبب في استمرار تدفق الدماء العربية حتي الآن. فيما كشفت وثيقة صادرة عن سفارة قطر في العاصمة الليبية طرابلس عن قيام الدوحة مؤخرا بتجهيز وإرسال نحو 1800 إرهابي من شتي دول المغرب العربي وشمال إفريقيا للالتحاق بصفوف التنظيمات الإرهابية في سوريا.