خسائر متلاحقة ستصيب صناعة السينما المصرية مثلما أصابت قطاعات عديدة من اقتصادنا تحتاج سنوات طويلة لاعادة بنائها.. فقد توقفت حركة الاستديوهات تماما.. وأغلقت دور العرض أبوابها.. وأغلقت معها بيوت آلاف العاملين في هذه الصناعة المهمة.. وسادت حالة غضب بين الفنانين علي هذه الخسائر التي أصابت اقتصادنا في الصميم.. مخاوف عديدة سادت بين السينمائيين وتصورات كثيرة حول مستقبل السينما وشكل الخطاب الجديد في مرحلتها القادمة.. هل تفتح أبوابا جديدة لقضايا الشباب.. هل تعيد النظر في سينما العشوائيات أم تتبني خطابا فنيا معتدلا تتصدي فيه لقضايا المجتمع بعقلانية؟ مؤلم، مؤسف، مبكي.. ثلاث كلمات بدأ بها رئيس جهاز السينما ممدوح الليثي حديثه معنا حول الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، فهو لم يكن يتوقع ان تسود هذه الحالة المظلمة علي الشارع المصري بعد خطاب الرئيس مبارك والذي كان من المفترض ان ينهي تلك الحالة من الفوضي، وقال ممدوح الليثي ان تأثير هذه الأحداث سيكون كبيرا جدا علي كل المجالات والقطاعات المختلفة في مصر ومنها قطاع السينما حيث أغلقت جميع دور العرض والاستوديوهات منذ أكثر من أسبوع وهو ما تسبب في خسارة تقدر بملايين الجنيهات، حيث توقفت صناعة السينما بشكل عام، وأضاف أن حظر التجول الذي فرض في الشوارع المصرية جعل الموظفين يهربون والخوف لحماية أسرهم مثل باقي الأسر المصرية وهو ما أوقف كل أشكال العمل داخل الاستوديوهات . وأشار الليثي إلي ان هذه الأزمة وخوفه علي هذه الصناعة دفعه ليقوم بنفسه بمتابعة الحالة الأمنية بالاستديوهات والتي لاتقدر قيمتها بأموال، خاصة وان معظمها في منطقة الهرم والتي شهدت اكبر قدر من هجوم الخارجين علي القانون خلال الأسبوع الماضي وهو ما جعله يراقبها ويحاول حمايتها خوفا من تعرضها لأية أضرار خاصة وأنه لم يتمكن من السيطرة علي خوف باقي الموظفين لديه لحين استقرار حالة البلد والعودة مرة أخري للتصدير والعمل السينمائي، أملا في تعويض هذه الخسارة الضخمة. لا وقت للسينما ويؤكد الفنان محمود يس أن السينما كصناعة تأثرت منذ اللحظة الأولي للمظاهرات والاضطرابات وسوف تتراجع افلامنا أكثر كما وكيفا باعتبارها مرآة للمجتمع لكن ليس هذا الوقت وقت السينما أبدا.. إنه وقت مصر كلها فاذا كان الضرر أصاب مصر فهل ستنجو منه السينما؟ الآن نحن نخشي علي بلدنا مثل كل المصريين الشرفاء. في مفترق الطرق وتقول الفنانة آثار الحكيم: يجب ألا تشغلنا السينما ومستقبلها الآن فنحن في مفترق الطرق.. ومصر تواجه خطرا كبيرا ينبغي أن نتكاتف جميعا لمواجهته، السينما مثل أي صناعة سوف نتأثر سلبيا بما يحدث.. وسوف تؤثر علي بيوت العاملين فيها وخاصة العاملين المؤقتين بها وهم بالآلاف فهذه الصناعة تفتح بيوتا عديدة.. مشيرة إلي أن الموضوعات التي ستطرحها السينما سوف تختلف وربما تتجه إلي الأفلام الخفيفة بعد انتهاء هذه الأحداث كنوع من الترويح عن الجمهور بعد الاحباطات العديدة التي عاشتها.. وتضيف آثار: رغم كل ذلك فإننا كفنانين مواطنين أولا وأخيرا يهمنا استقرار مصر كأهم دولة عربية في الشرق الأوسط.. وكدولة صاحبة تاريخ وحضارة عريضة لابد أن تستعيد قوتها وتعود كما كانت بأسرع وقت. دموع طلعت زكريا أما بالنسبة للفنان طلعت زكريا، فالبكاء كان اكثر أداة لجأ إليها ليفرج عما يشعر به من خوف وحزن، كما وصفها مؤكدا حزنه الشديد علي ما تتعرض له مصر خاصة وأنه تعامل مع الرئيس مبارك عن قرب ولمس الجانب الإنساني فيه ولهذا قاد مظاهرة تأييدا له، وأشار إلي أن السينما من اكثر القطاعات التي ستتأثر خلال الفترة المقبلة وأن خط الانتاج سوف يتوقف لفترة بسبب خوف الجهات المنتجة علي أموالها حيث لايظهر معالم للفترة المقبلة سواء في القطاع السينمائي أو غيره من القطاعات، وأضاف أنه علي الصعيد الشخصي يري أنه محظوظ بتأجيل عرض فيلمه »الفيل في المنديل« حيث كان مقررا عرضه في أجازة نصف العام.. مؤكدا أنه يشعر بتعاطف كبير مع أصحاب الأفلام التي بدأ عرضها قبل الأزمة بيومين أو اكثر مثل فيلم »فاصل ونعود« للفنان كريم عبدالعزيز وفيلم »563 يوم سعادة« للفنان أحمد عز، مؤكدا أنهم لحقتهم خسائر كبيرة لاتقدر. خسائر علي كل المستويات أما بالنسبة للسيناريست »بشير الديك« فقد اكد ان السينما ليست فقط التي ستتأثر بهذه الأزمة بل ان المسرح والتليفزيون سيلحق بها نفس الخسائر، وهو ما سيحدد مستقبل الدراما بعد الانتهاء من الأزمة في المقام الأول. وأضاف بشير الديك أنه قبل أي شيء يتمني أن يستيقظ من هذا الكابوس الصعب كما وصفه علي خير وكفانا خسائر علي كل المستويات في الاقتصاد والسياحة وهذه من الممكن تعويضها بينما البشر الذين راحوا ضحايا لايمكن تعويهضم بأي حال.. ميدان التحرير.. فيلم سينمائي أكد مسعد فودة نقيب السينمائيين أنه لايمكن لأي مصري في ظل الظروف الراهنة أن يركز تفكيره في أعماله أو يخصص مجهوداته ويقصرها علي عمله المكلف به فقط، انما فالأهم الآن هو مصر واستقرارها، وهذا هو كل الهدف الأول لدينا جميعا خلال الفترة الحالية، وأضاف أنه عاش بنفسه بين الشباب أحداث ميدان التحرير ووصفها بأنها أقوي من ان تكون فيلما سينمائيا. فهي مليئة بالمشاهد المؤثرة والتي لايمكن حصرها في فيلم واحد، وأشار نقيب السينمائيين إلي ان حال السينما متوقف تماما بسبب هذه الأحداث، كما ان الفنانين الذين يعيشون علي دخلهم منها والذين لايحصلون علي رواتب ثابتة سوف يتأثرون أكثر من غيرهم، ويشير فودة إلي أن الفترة المقبلة والتي ستعقب هذه الأزمة ستغير من القضايا التي ستطرحها السينما بشكل كبير خاصة في شكل الأعمال التي ستقدم والتي ستكون اكثر جرأة وأكثر حرية ولن تقتصر علي رصد هذه الفترة فقط. كوميديا سياسية يري الناقد السينمائي د. رفيق الصبان أن السينما المصرية سوف تتغير جذريا.. وسوف تواجه واقعنا بصراحة وبشكل مختلف وسوف تكشف عيوبنا وتظهر »الدمامل« المختفية تحت جلودنا.. بعد أن علمنا الشباب أنه لابد من الصراخ بصوت عال.. ويضيف الصبان: أتصور أنه لن يكون هناك مكان للأفلام التافهة وأنها ستتراجع كثيرا.. وربما نكون أكثر احتياجا لأفلام الكوميديا السياسية مثل تجربة فيلم »الارهاب والكباب« الذي ظهر في ظل حوادث ارهابية ووضع يده علي مواجع حقيقية وأضحكنا في نفس الوقت.. وحول مدي تأثر السينما بالأحداث الجارية يقول الصبان: لاشك أنها ستتأثر اقتصاديا فقبل الأزمة تراجع حجم الانتاج وبعدها سيتراجع أكثر لكن السينما المصرية ظلت دوما قادرة علي تخطي أحزانها وأزماتها.