رئيس تحرير جريدة مستقلة هو - بلا جدال - منصب شائك. غالباً ما يتلقي الضربات أكثر مما يتلقي التهاني. يتم استدعاؤه إلي النيابة أكثر مما يتم دعوته إلي الاحتفالات. قليلاً ما يدخل البرلمان وكثيراً ما يزور قاعات المحاكم. مثل غيره من رؤساء التحرير، هو مسئول قانوناً عن أي حرف يكتب في جريدته، ولو حدث أي خطأ يتحمل وحده تبعاته. في تاريخ الصحافة، سمعنا عن رؤساء تحرير ماتوا من الجوع وتشرد أبناؤهم في الشوارع. مرت أيام كان مالكو العمارات يرفضون أن يؤجروا شقة لصحفي لأن الصحفيين عادة لا يستطيعون دفع الإيجار. وعندما تزوج الشيخ علي يوسف صاحب جريدة المؤيد من ابنة أحد الأسر الكريمة، حكمت المحكمة الشرعية وقتئذ بالتفريق بين الزوجين، لأن الصحفي لا يصح أن يتزوج من ابنة الأكابر. لكن الدنيا تغيرت، بعد أن عرفنا مذاق حرية الصحافة وأطلق عليها لقب السلطة الرابعة، فكشفت عن الكثير من الأخطاء ودافعت عن عدد كبير من الأبرياء. نحن نرفض أن تصبح حرية الرأي سكيناً لذبح الناس أو إهانتهم أو التشهير بهم. الصحفي الحر عليه الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه. لكن مسألة عقاب الصحفي بالسجن وتعليق المشانق له، تعتبر ردة في مكتسباتنا الديمقراطية. المخطئ يحاسب. يدفع غرامة أو تعويضا باهظا للمتضرر.. ويعاقب عقاباً رادعاً من قبل نقابته. العودة إلي حبس الصحفيين في القرن الواحد والعشرين.. شيء لا يمكن أن يقبله عقل!