الناقد الكبير جابر عصفور جلس علي كرسي الاعتراف أمام مرآة نفسه وحكي في كتابه الجديد "زمن جميل مضي" حكايته مع الزمان. كتاب "زمن جميل مضي" صدر عن الدار المصرية اللبنانية يروي فيه الناقد الكبير تفاصيل حياة ناقد عاش في الزمن الجميل ويهدي كتابه إلي ابنه أحمد يقول فيه : إلي ابني احمد .. ليعرف الزمن الذي عاشه أبوه. الكتاب يروي من خلال سيرة حياة المؤلف، كيف أنه عشق بعصامية طريقه وسط الصخور والأمواج العاصفة، تزامن معارك جساما خاضها الوطن شهد فيها انتصارات وانكسارات. الكتاب كما يقول الناشر علي ظهر الغلاف : الكتاب مشحون بالذكريات الدافئة يستشعرها القارئ " في ذكريات عائلية " " يوم من عمري " حبيب الملايين " زمن عبد الحليم حافظ "..! والإحباط الأول أيضا الناقد جابر عصفور بدأ كتابه بافتتاحية جاء فيها: أعترف أن تذكري لمشاهد هذا الزمن الجميل الذي مضي لا يخلو من معني الإدانة للحاضر، والرفض للأسباب التي انقلبت بالجمال إلي قبح، وبالمعرفة إلي جهل، وبالاستنارة إلي الإظلام. ولكن المقصود بالتأسي، في هذا السياق، ليس الهرب، أو رغبة العودة إلي الرحم، أو تصور أن الماضي أجمل مطلقا من الحاضر، وإنما تذكر الأوجه الإيجابية لزيادتها بالإضافة إليه، والأوجه السلبية برفض العودة إليها، وذلك في سياق هذا الزمن الذي نعيشه، ولا نواجه تحدياته بالقدر الذي يسهم في جذرية تغييره . والحق أن هناك نوعين من العودة إلي الماضي، نوعا سلبيا لا يري أي وجه إيجابي إلا في الماضي الذي يغدو الأصل الذهبي المتخيل الذي ينبغي أن يقاس كل جديد عليه . ونوعا مناقضا يعيش الحاضر، ويحلم بالمستقبل، ويقيس كل جديد علي ما يمكن أن يحققه من إيجابيات في المستقبل الذي لابد أن يكون أفضل من الحاضر والماضي علي السواء. و يتناول الكاتب في صفحاته الأولي تحت عنوان النشأة : ذكريات عائلية من مدينته المحلة الكبري والمكتبة في بلده والمدرسة والمعلم الأول والحب الأول والذي أحب أن نتوقف عند الحب الأول لدي الناقد الكبير حيث يقول عنه : لا أزال اذكر الحب الأول الذي مررت به . كان حلما وهميا عذبا، أكثر رومانسية من وسادة عبد الحليم حافظ، ربما لان عبد الحليم كان في المرحلة الثانوية، وأنا في المرحلة نفسها. إن لم تخني الذاكرة ولكني اذكر أني قرأت بين الأطلال واني راحلة ليوسف السباعي وروايات احمد عبد الحليم عبد الله فضلا عن الترجمات المتاحة لرواية غادة الكاميليا. هكذا صار الحب عندي معاناة لا يعرفها المحبوب وتضحية بالنفس في صمت، وكان لواحد من أصدقاء صباي البعيد أخت صغيرة صبوحة الوجه، عذبة الملامح لم تفارق الطفولة رغم دخولها في سنوات المراهقة الأولي وكنت أراها كثيرا بسبب علاقتي بأخيها، ولم أكن أجرؤ أن أقول لأخيها شيئا واكتفيت بكتابة الأشعار فيها والخطابات التي لم أرسلها لها قط، وظل الأمر علي هذا الحال أراقبها في صمت إلي أن دخلت المدرسة الثانوية وانتقلت من قراءة العشاق الحالمين في الروايات الرومانسية إلي روايات نجيب محفوظ التي وضعتني علي ارض صلبة ويسرد ناقدنا الكبير قصة انتقاله من الرومانسية إلي الواقعية في أسلوب بسيط، مدهش يحفزك علي الكتابة والقراءة والحب ! ثم ينتقل بنا الكاتب إلي نقطة هامة في تكوينه الفكري وهي مرحلة القراءة وبدايات الكتابة وكيف كان يحصل علي الكتب لقراءتها في فصل من فصول كتابه الذي اطلق عليه " سحر القص " ثم خصص جزءا من ذكرياته عن فتنته بالقاهرة وعندما تطرق الناقد الكبير جابر عصفور في صفحات كتابه إلي زمن عبد الحليم والزمن الناصري أدركت معه انه كان زمنا جميلا ومضي بالفعل !! الكتاب ملئ بالطرائف المبهجة والمفاجآت المذهلة