المثقف الشامل المهموم بوطنه الذي أقصده هو "يحيي حقي". ولمن لا يعرف يحيي حقي هو أديب، وكاتب ومفكر. أحد قامات مصر الفكرية الكبيرة. تعكس كتاباته تنوع اهتماماته وكتاباته وتعدد مستويات ومساحات الكتابة لديه. شأنه شأن كثير من أبناء جيله مثل: حسين فوزي، ولويس عوض...إلخ. شغفه بالدراسات الفكرية والتاريخية والأدبية وبالإبداع الأدبي وبالترجمة وعشق الموسيقي والسينما والمسرح والاطلاع علي التراث الانساني الابداعي في المجمل العربي والعالمي،...إلخ. كانت ابداعاتهم شاملة عينها علي بناء الإنسان وترقيته ترقية شاملة وعلي والوطن في المقام الأول. يحيي حقي هو للقارئ العام صاحب قصة "قنديل أم هاشم"، التي تحولت إلي أحد اهم افلام السينما المصرية (أخرجها أحد مخرجينا الكبار قليلي شهرة هو كمال عطية أول من جمع بين رشدي أباظة و فريد شوقي في فيلم وغير ذلك). وهي القصة التي تعالج قضية العلاقة بين الإيمان والعلم والتخلف والتقدم...الخ، بشكل عبقري وبسيط في آن واحد. وهو دائما كذلك ويمكن وصفه إذا ما استعرنا أحد عناوين أعماله "أنشودة للبساطة". هكذا كانت أعماله:"عميقة دون تعقيد وبسيطة دون إخلال"...، وهو أيضا صاحب "البوسطجي" (المجموعة القصصية دماء وطين) التي تناولت موضوعا من أهم القضايا التي لم تزل تؤرق الثقافة المصرية في صعيدنا المصري المركب. قضية لم تزل عصية علي التجاوز... كان يحيي حقي عبقريا في نحت اللغة. مفرداته محكمة لا يرهق القارئ بأن يحمله مرادفات أو تكرارات. وإذا ما أراد أحد أن يتأكد من ذلك فليحاول أن يجري تمرينا / اختبارا بأن يستبدل أي كلمة مما ذكرها حقي في كتاباته بكلمة أخري سيؤكد التمرين / الاختبار أن هناك صعوبة في عمل ذلك. يعني ذلك أن كل كلمة لدي حقي في مكانها تماما. وان النص لديه رشيق ومكتمل وبديع. وأذكر له مقالا عن "اللغة والدستور". أشرت مرة أثناء محاولات الاجتهادات الدستورية الشعبية في 2011، ليت كل الضالعين في هذه العملية يقرأون يحيي حقي في العموم وهذا المقال بشكل خاص. كما تكمن عبقرية يحيي حقي علي قدرته في التقاط أمور تبدو صغيرة ولكنه ما أن يقترب منها نجده يعطيها أبعادا وأعماقا ومعاني غاية في الذكاء ترقي للملاحظات السوسيولوجية (العلم - اجتماعية) لكبار علماء الاجتماع مثل بورديو...لقد كتب عن "شكوكو" و فرقة "الخنافس"، وعن فنيات الكتابة، وعن السينما والموسيقي وشرح أسرارها، وعن الفن التشكيلي، وعن مكنونات النفس الانسانية أدبا وعلما...وعن القاهرةالمدينة والتخطيط العمراني وعن الأندلسيات والطرز المعمارية... والبيروقراطية...وعن الريف والمدينة...الخ. حقي يعد نموذجا للمثقف الموسوعي الشامل المعجون بالناس (الشعب الكادح بحسبه) والمهموم بالوطن...كان نموذجا للمثقف المستقبلي ينطلق من الواقع بكل "طينه" و "كناسة دكانه" و"عطر أحبابه" وناسه...من الدمعة والفكرة إلي الابتسامة إلي بكرة الافضل...