وقفنا الأسبوع الماضي مع »الفلسفة« كإحدي دعامتين يستند اليهما العقل الإنساني في فهمه للوجود »الكون والنفس الإنسانية« واليوم نقف مع الدعامة الثانية »العلم« واذا كان اصطلاح »العلم« يشمل كلا من »العلوم الطبيعية« و»العلوم الانسانية« فإن الفهم يتجه عند الحديث عن »العلم« الي العلوم الطبيعية الثلاثة: الفيزياء ، والكيمياء والبيولوجيا (علم الحياة). ويهدف العلم الي التوصل الي القوانين التي تربط بين وقائع معينة، وتكون قادرة علي تفسير حدوث ظاهرة ما علي نحو محدد، وليس علي نحو آخر، بل والتنبؤ بتطور هذه الظاهرة مستقبلا. وتتميز المعرفة العلمية بأنها مبرهن عليها منطقيا، ولا يوجد في داخلها تناقض عقلي، وانها قابلة للاختبار من خلال الملاحظة والتجربة العلمية، وبذلك تختلف المعرفة العلمية اختلافا جذريا عن الاعتقاد الاعمي »الدوجماتي Dogmatic« الذي هو التسليم المطلق بصحة موضوع ما، بدون تأسيسه عقليا والتحقق منه تجريبيا. والطريق الي تحصيل المعرفة »اي معرفة« يمر من خلال الاجابة عن سؤالين الأول لماذا الغائية أو الحكمة why ولماذا خلق الكون؟ لماذا خلقت الحياة؟ لماذا الشقاء والتألم الذي تعانيه الانسانية؟ ادرك العلماء ان التعرض لهذه الاسئلة، التي تبحث في الغاية من الاشياء.. يقع خارج نطاق العلم، فانكر بعضهم الغائية، وقبلها البعض وتركوها لأهل السبق فيها، وهم الفلاسفة ورجال الدين. السؤال الثاني: كيف »الآلية أو الكيفية« HOW؟ هذا هو مجال العلم، ولاخراج المخادعين والادعياء من الميدان، وضع العلماء اربع قواعد، ينبغي لمن يريد المشاركة ان يلتزم بها. القاعدة الأولي: لدينا خمس حواس، هي اداة العلم عند دراسة اية قضية علمية، ولما كنا لا ندرك بالحواس الجسيمات تحت الذرية والثقوب السوداء وغيرها، فقد اضاف العلماء الرياضيات وحساباتها الادق من الحواس كمصدر للمعرفة. القاعدة الثانية: ينبغي استخدام منهج البحث العلمي، ويشتمل علي عدد من المراحل المتتالية، جمع المعلومات وملاحظة الظواهر التي لها علاقة بالمشكلة المراد بحثها وصياغة الفروض التي تربط بين هذه المعلومات واجراء التجارب التي تفحص هذه الفروض، وملاحظة النتائج، والخروج بالاستنتاجات والتواصل من الاستنتاجات الي القوانين التي تحكم ظاهرة ما. والخروج من القوانين بالنظرية العلمية المنسجمة منطقيا. والتي تفسر الوقائع المعروفة لنا من قبل، وتكون قادرة علي التنبؤ بوقائع جديدة. القاعدة الثالثة: استبعاد اي تفسير ميتافيزيقي »غيبي« لأية مشكلة علمية اذ يمكن ان تجهض هذه التفسيرات تقدم العلم تماما، فلو اكتفي العلم، مثلا بأن مسبب الامراض هو الله »أو الشيطان« لما اكتشفنا الجراثيم وغيرها من اسباب الامراض. القاعدة الرابعة: ينبغي ان تطرح المعارف العلمية بأدلتها التجريبية والعقلية، علي الاقران والنظراء لتقييمها، ثم قبولها أو رفضها، وذلك من خلال المجالات العلمية والمؤتمرات والكتب وغيرها. ونتيجة لهذا المنهج العلمي الحازم، نجد ان العلم يتخذ من قضاياه مواقف موضوعية، يستجيب فيها العالم لما تقوله الطبيعة، بينما تعبر الفلسفة عن مواقف ورؤي شخصية، كثيرا ما تحمل تضاربا بين اراء الفلاسفة. ومن المهم ان نلاحظ ان هناك فرقا بين الحقيقة أو النظرية العلمية وبين تأويلها فالحقيقة الواحدة قد تؤول في اتجاهين متضادين! واستشهد علي ذلك بما ثبت من ان التواصل بين مراكز اتخاذ القرار وبين المراكز الانفعالية في أمخاخ النساء اغزر من هذا التواصل في أمخاخ الرجال، هذه الحقيقة العلمية يستدل بها المتعصبون للانوثة »النسويون« علي ان النساء افضل من الذكور، اذ انهن يضعن المشاعر والاحاسيس في الاعتبار عند اتخاذ قراراتهن، أما الذكوريون فيستشهدون بذلك علي ان الرجال افضل، اذ لا تشوش علي قراراتهم الانفعالية! سبحان الله.. حقيقة واحدة وتأويلان متضادان!. الانسان يحتاج الي العلم الذي يعني بجوانبه المادية والجسدية، فإنه يحتاج الي الفلسفة التي تعني بجوانبه العقلية والنفسية، واذا كنا نعتبر ان العلم والفلسفة يلبيان حاجات الانسان المادية وغير المادية، فإين موضع الدين من هذه المنظومة؟ هذا ما سنجيب عنه في المقال القادم إن شاء الله.