د. عمرو شرىف في نهاية المقال السابق، وعدنا بأن نفند الحجج الفلسفية والعلمية التي يستند إليها الملاحدة في إنكارهم للألوهية. وسنمهد لهذا الطرح بتعريف بالمنهج الفلسفي وبالمنهج العلمي، حتي تعتمد استدلالاتنا علي أرضية عقلية راسخة. ونخصص هذا المقال للحديث عن الفلسفة. يمكن تعريف الفلسفة لغويا بأنها حب الحكمة. ومنذ البداية كانت الفلسفة والعلم علما واحدا، يهدف إلي البحث عن الحقيقة وخدمة الانسانية ثم استقل »العلم الطبيعي« بدراسة ظواهر الكون ومكوناته، ونظمه وقوانينه. فالعالم الفيزيائي يهتم بدراسة المظاهر الطبيعية للمادة، والعالم البيولوجي يهتم بدراسة الكائنات الحية، من غير أن يفكر كلاهما في أصل المادة والحياة وعلة وجودهما. والرياضي يبحث في الهندسة والحساب »غير مبال بالتفكير في معني المكان والزمان«. وهم جميعا يبحثون بواسطة »العقل« الذي يتمتعون به، من غير أن يفكروا في كنه هذا العقل، ومدي قدرته علي إدراك الحقيقة. كذلك استقلت »العلوم الانسانية« بدراسة النشاطات الأقرب صلة بالانسان. فصرنا نسمع عن علوم الاجتماع، واللغة، والقانون، وغيرها. وبالرغم من ذلك، ظلت جذور كل علم تتصل بأصلها الأول »الفلسفة«، لذلك يدرس العلماء فلسفة العلوم وفلسفة الطب وفلسفة اللغة وفلسفة التربية وغيرها. أما »الفيلسوف«، فظل يصبو إلي أن يفهم أصل الكون وعلته وحقيقته، وحقيقة المادة وأصلها وعلة وجودها، ومعني المكان والزمان، وكذلك حقيقة العقل وقدرته علي ادراك الحقيقة. أي أن الفيلسوف يتناول في درسه وبحثه، المعقول والعقل، في آن واحد. ولا تكتفي الفلسفة بهذا العالم المحسوس، بل تريد أن تعرف »الخالق« لهذا العالم، وما كنه ذاته، وما حقيقة صفاته وما هو الانسان وما حقيقته وما هو الخير. وما هو الجمال، ولم كان الخير خيرا، والجميل جميلا، إلي غير ذلك من مثل هذه الأسئلة التي لا تنتهي. لذلك قالوا: إن الفلسفة تشتمل علي ثلاثة مباحث أساسية، فلسفة الوجود وفلسفة المعرفة وفلسفة القيم. وبتأمل هذه المباحث الثلاثة، نجد أن الفلسفة في جوهرها هي »البحث عن الله«. وقد عبر الفيلسوف الفرنسي العظيم رينيه ديكارت »6951 - 0561م« عن ذلك بقوله: الفلسفة شجرة، جذورها الميتافيزيقا »الغيبيات« وثمرتها معرفة الله«. لذلك عرفوا الفلسفة بأنها »محاولة العقل ادراك حقيقة كل شيء وأصله وغايته«. والمحرك الأول للإنسان ليبحث عن الحكمة والغاية، هو شعوره »بالدهشة« وبطوفان التساؤلات عندما يمر بتجربة ما، أو عندما يمر بعقله خاطر ما. لذلك قال أرسطو: »بالدهشة تبدأ الفلسفة«. ولا شك أن أطفالنا جميعا فلاسفة!. فالدهشة هي موقفهم من كل ما يرصدونه حولهم، ولا يزالون يتساءلون دائما »ليه؟...ليه؟«. ويبدو أننا بأسلوب تربيتنا لأطفالنا نقتل فيهم هذا الموقف المتسائل، وندفعهم لقبول أمور كثيرة علي علاتها دون تفهم لها. وإذا كانت الفلسفة تهتم بما وراء الطبيعة »الالهيات والغيبيات« فإن لها انعكاساتها علي حياتنا اليومية، لذلك نشأت »الفلسفة العملية«، التي تهتم بالعديد من القضايا التطبيقية، مثل: كيف يكون مسلكنا في الحياة، كيف نربي النشء تربية حسنة، ماذا يجب علي قيادة الدولة حتي تسير علي النهج السليم. وقد انعكس الفكر الالحادي المعاصر، الذي سيطر علي العقل الغربي الحديث، علي ميدان الفلسفة. فسادت مجموعتان من المذاهب الفلسفية: المجموعة الأولي: فلسفات عبرت عن »النظرة المادية« إلي الوجود »الكون والانسان«، وتنطلق هذه النظرة من انكار الغيبيات وتفسير كل الظواهر الكونية والانسانية تفسيرا ماديا يعتمد علي قوانين الطبيعة، لا دور فيه لإله. وقد بلغت هذه النظرة المادية أقصاها علي يد الفيلسوف العدمي ديفيد هيوم، الذي لم ينكر فقط الغاية من الوجود »الغائية« بل وأنكر أيضا الآلية، فكان ينكر وجود قوانين الطبيعة، ويفسر الأمر كله بالعشوائية المطلقة، وتمادي به الأمر حتي أنكر نفسه!. والمجموعة الثانية: فلسفات عبرت عن »النظرة الدينية« إلي العالم. ومن أهم أنصارها الفيلسوف الألماني العظيم »إيمانويل كانط«، الذي قال بوجود عالمين: عالم الزمان والمكان، وهو عالم الظواهر الطبيعية التي يدرسها العلم ويكشف قوانينها، ثم عالم اللازمان، الذي لا يستطيع العلم والعقل أن يصلا إليه، وإنما تدركه الروح عن طريق الحدس والشعور. ويري كانط أنه ليس هناك تناقض في أن يعيش الانسان في كلا العالمين في وقت واحد، وهذا ما ينبغي أن يتبناه إنسان العصر الحديث، ونحن نشاركه الرأي.