شهد الأسبوع الماضي تراكما لمشاهد صبت جميعا فيما يمكن تسميته "بالفتنة الطائفية"، وعلي تحفظنا علي هذا المفهوم إلا أن ما شاهدناه يعبر في حقيقة الأمر عن ملف طال إهماله وجري إغفاله، خصوصا أن هذه المشاهد تتفجر بين الحين والآخر، ذلك أن هذه التوترات الدينية صارت من أيسر الامور التي يمكن إشعالها وإذكاء نارها في إطار استغلال لغطاء الدين لتعبر بذلك بأحداث أخطر ما تكون تذكرنا بعقود مضت، كنا نتصور بعد ثورة 25 يناير أن هذه المشاهد سيتم احتواؤها بالسرعة الواجبة والحركة الدائبة والسياسات اللازمة، إلا أن الأمر كان علي غير ذلك، فتراكم هذه الأحداث وتفجرها دخل إلي بوابة جملة الانفلات التي برزت في مشاهد عدة تعبر عن حال من الفوضي أو الانفلات، وغالبا ما كانت هذه الأحداث تشكل مدخلا من مداخل العنف والتحارب. خطورة هذه الأحداث إنما تاتي من جوانب عدة؛ أولها حساسية التوتر الديني عن غيره من التوترات، والثاني اتساع دائرة الحدث الذي يرشح أطرافا للمواجهة بين مسلمين ومسيحيين، والثالث يتعلق بطبيعة المعالجة الأمنية التي لا تستطيع أن تتعامل مع الحدث بالوجه الملائم والمطلوب باعتبارها قضية مجتمعية، والرابع هو التدخل المظهري الذي يستدعي شيخا وقسيسا لنوضح من خلال التقائهما أن الأحداث في طريقها إلي الحل، والخامس وجود الإسلاميين في الحكم؛ حيث يتصور البعض أن وجود هؤلاء في الحكم إنما يشكل خطرا علي الملف القبطي بوجه عام، والسادس الوسط الإعلامي الذي لا يقدر ميزان الكلمة أو مسئولية الخطاب في أمر لا يحتمل زراعة الشك والارتياب بين قوي مجتمعية تجمعت في ميدان التحرير من دون إذن من أي مؤسسات دينية كانت أم غير دينية، لتعبر عن اختيار كنا نتصور أن هذا المشهد في الميادين سيحاكي ضمن عمل متواصل، وشكل من الائتلاف والتآلف، والسابع الثورة المضادة التي لها المصلحة المباشرة في إحداث حالة مستمرة من عدم الاستقرار بحيث يجد هذا الطرف في الملف الطائفي منجما يستغله بين الفينة والأخري في إثارة قضايا تتعلق بالتوترات الدينية. وللأسف الشديد صار هذا الملف بين مطرقة وسندان، بين خطاب غير مسئول من جانب بعض القوي الإسلامية وتوظيف غير مقبول من جانب المعارضة السياسية، وهي أمور من الخطورة بمكان، تستدعي التعامل بميزان حساس يراعي كل ما يتعلق بلحمة هذا الوطن والمحافظة علي كيانه، فإذا فتح هذا الباب لا قدر الله يضر بالوطن ضررا بليغا، وسده يشكل أصعب الصعوبات وأكبر العقبات التي تتعلق بوحدة الجماعة الوطنية ومشروعها؛ يا أبناء الوطن إن من علامات نجاح هذه الثورة ائتلافكم جميعا لمواجهة تحديات الفتنة التي لابد من أن نبحث لها عن حل رصين بما يستلزمه من عمل مكين.