هىرناندو دى سوتو أكد خبير التنمية العالمي هيرناندو دي سوتو رئيس معهد الحرية والديمقراطية ببيرو أن الأبحاث التي أجراها المعهد عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا توصلت إلي أدلة كافية علي أن ثورات الربيع العربي قامت لتحقيق ما اصطلح علي تسميته عالميا ب"التوجه نحو اقتصاد السوق" رغم أن هذا المصطلح قد لا يستخدمه العرب كثيرًا، إلا أن هذا لا ينفي رغبتهم في تحقيق درجة من الأمن الاقتصادي، وما يصاحب ذلك من ضمان حقوق الملكية، والتمتع بالحريات العامة، التي تجعل من تقييدها والحد منها أمرًا صعب المنال. وأضاف دي سوتو أن التحدي الحقيقي يتمثل في ترسيخ تلك الحريات العامة والاقتصادية من أجل توفير الغطاء القانوني والحماية لشعوب المنطقة، وهو ما يعد حجر الزاوية في نجاح أي اقتصاد، مضيفا أن الحدث الذي كان بمثابة الحافز الرئيسي لما عرف فيما بعد بالربيع العربي يتمثل فيما قام به محمد البوعزيزي المواطن التونسي الذي حرق نفسه في يناير 2011، احتجاجًا علي مصادرة بضاعته التي كان يقتات من بيعها. . وبالعودة لتقديراتنا نجد أن عددًا يفوق المائتي مليون مواطن -في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- يعتمدون في دخلهم علي إدارة مشروعات صغيرة لا تتمتع بأي غطاء قانوني لأنهم يعملون في إطار الاقتصاد غير الرسمي. وهذا يعني أن هؤلاء الذين يعدون من رواد الأعمال بالمنطقة، المتطلعين إلي التمتع بنظام قانوني يحفظ حقوق ملكياتهم -كما في الغرب- يفوق عددهم أعضاء تنظيم القاعدة، الذي يقدّر ب4 آلاف عضو ناشط فقط، بما يعني أنه مقابل كل عضو واحد من أعضاء القاعدة هناك 50 ألف رائد أعمال ممن يسعون إلي التمتع بغطاء قانوني يحفظ حقوق ملكياتهم. وأضاف خبير التنمية العالمي ان التونسي محمد البوعزيزي - المحتج البائس- لم يكن حالة فريدة، فهناك 63 شخصًا- علي الأقل- في تونس، و مصر والجزائر والمغرب والسعودية وسوريا واليمن اتبعوا خطاه خلال 60 يومًا فقط من وفاته، وحاولوا إضرام النار في أجسادهم احتجاجًا، وكانت تلك هي الفترة الحرجة التي ارتبكت خلالها معظم الحكومات العربية واهتزت بشكل درامي، وقد ساهم الناجون من محاولات الانتحار في إتمام هذه الدراسة التي اهتمت بشكل أساسي بالصعوبات التي تواجه تلك المجتمعات فيما يخص حقوق الملكية والحريات الاقتصادية الأخري، كما تبيّن أن ال63 مواطنًا الذين أقدموا علي إضرام النار بأنفسهم، كانوا جميعًا يمارسون أنشطة اقتصادية خارج إطار القانون، كما تبيّن أن دافعهم الأساسي للإقدام علي هذا الفعل كان اقتصاديا بحتًا، ولم يكن وراءه دافع سياسي أو أي دوافع أخري. فعلي سبيل المثال، أفادت مالكة عقار مغربية تدعي فدوي لاروي - في لقطات مصوّرة جاءت خلال لقاء تليفزيوني حي أنها تحتج بشدة ضد الإقصاء الاقتصادي، وكان ذلك قبل دقائق من إشعال النار في نفسها أمام مبني البلدية في الثالث والعشرين من فبراير عام 2011. كما صرّح شقيق البوعزيزي بأن شقيقه أحرق نفسه لإيمانه بأن "الفقراء أيضًا لهم الحق في البيع والشراء" كما أوضح معظم من أقدموا علي الانتحار أن السبب الرئيسي وراء إقدامهم علي ذلك الفعل كان احتجاجًا علي مصادرة بضائعهم أو ممتلكاتهم. وبرغم أن هناك اعتقادًا شائعًا بأن البوعزيزي أحرق نفسه نتيجة صفع إحدي الضابطات له وإهدارها لكرامته، إلا أن صفعة علي الوجه لا يمكن منطقيًّا- أن تؤدي إلي إقدام 60 شخصًا علي إحراق أنفسهم، وقد أكّد جميع الناجين من تلك المحاولات بلا استثناء- أن إقدامهم علي الانتحار جاء نتيجة احتجاج يتعلق بملكياتهم الخاصة، ويأسهم من استعادتها، فقيمة ممتلكات تجارة البوعزيزي التي تمت مصادرتها بلغت 225 دولارا فقط.. لكنه لم يكن يتمتع بأية حقوق للملكية نهائيا، ومن هنا نري أن التأثيرات السلبية لهذه القضية لم تكن مالية فقط، فالبوعزيزي لم يكن محميا بموجب القانون، ومن ثم لم يكن يتمتع بأية حقوق أو حماية قانونية، بل كان يعتمد - فقط- علي أهواء السلطات، ونواياها الحسنة في تجاهلها لنشاطه، وحينما سحبت السلطات تلك النوايا المزعومة وصادرت تجارته البسيطة شعر بالتدمير الكامل، حيث لم يكن هناك أي نظام قانوني يعطيه الأمل في النجاة من الوقوع في براثن الإفلاس. وقال دي سوتو انه قام بموجب عقد مبرم مع الحكومة المصرية -والمموّل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية- تعهّد "معهد الحرية والديمقراطية" بدراسة الاقتصاد المصري لمدة خمس سنوات، وشارك في هذه الدراسة113 مصريا يتمتعون بالمهنية والاحترافية، للتأكد من مدي اتساع الهوّة بين الممتلكات المسجلة، والحجم الحقيقي للممتلكات في القطاعات التي تشمل المصانع والسيارات والأراضي، وتوصلت الدراسة إلي أن 82٪ من حجم التجارة و92٪ من حيازات الأراضي غير مسجلة، وبالتالي غير محمية بموجب سيادة القانون، ومن المؤكد أن المساحة الضخمة من الأنشطة الإنسانية "التي تعمل خارج إطار القانون" فيما يتعلق بالأصول والمعاملات تعني أن جميع الأشخاص داخل هذا الإطار لا يتمتعون بغطاء قانوني يوفر الثقة والحماية لحقوق الملاك، أو يوفر القواعد الثابتة للتسجيل والمحاسبة والتسعير ومن ثمّ التسويات، من أجل حماية التعاقدات وخلق ضمانات ومعلومات دقيقة تمكِّن من توفير الائتمان ورءوس الأموال، كما أن الصدمة أن مثل تلك الأنشطة تمثل جزءًا كبيرًا من اقتصادات المنطقة، وقال: تقديراتنا تشير بوضوح إلي أن قيمة الاقتصاد المصري الذي يعمل خارج الإطار القانوني تبلغ نحو 350 مليار دولار، وهو ما يوازي ستة أضعاف قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر منذ رحيل قوات نابليون بونابرت عن مصر عام 1801.. وهذا يمثل قرينة مذهلة تثبت أن الاستثمارات الأجنبية التي من الممكن أن تضخ في مصر -مهما بلغت قيمتها- لن تقترب من الإمكانات الاقتصادية الحبيسة في أنشطة تعمل خارج إطار القانون داخل الدولة، اما في تونس فنجد أن 85٪ من المشروعات - التي تقدّر قيمة استثماراتها بنحو 22 مليار دولار- تمثل مشروعات تعمل خارج إطار القانون، كما أن قيمة العقارات التي لا تتمتع بأية حقوق لحماية الملكية تقدر بنحو 93 مليار دولار،مما يعني أن هناك ما قيمته 115 مليار دولار من الاستثمارات تعمل خارج إطار القانون، وهذه الاستثمارات تقدّر بما يوازي 11 ضعفًا من مجموع رأس مال سوق الأوراق المالية في تونس عام 2010، و4 أضعاف حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس منذ عام 1976، فإذا افترضنا أن حجم الاقتصاد التونسي الذي يعمل خارج إطار القانون في ولاية أمريكية فإن الناتج المحلي الإجمالي فيها سيفوق نظيره في 17 ولاية أخري، لكل علي حدة. واكد دي سوتو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاءها يخاطرون بفقدان فرصتهم بترميم الأنظمة التي خلقت الفقر والغضب، والتي نمت وازدهرت من خلالها القاعدة وشبيهاتها، أما لو ركز الغرب مساعداته واستشاراته علي الجهود الموجهة من أجل إنشاء حماية قانونية للملكيات وحقوقها في مجال العمل الخاص والاقتصاد غير الرسمي وستجد جمهورا عربيا متجاوبًا ومعجبين جددًا بالملايين.