كلما ذهبت الي جنوب العاصمة السودانيةالمثلثة »الخرطوم« عند سد جبل الاولياء، وألقيت نظرة إلي المياه التي تمر تحت السد، بجوار مقر بعثة الري المصرية، ألمح في الافق الصيادين تحت الجسر يجمعون الأسماك ولا يصطادونها، وكأني اري صيادي رأس البر ورشيد في نهاية مصب النيل يجمعون ايضا اسماك السردين في مواسم الفيضان..ومنذ اول زيارة لي للسودان إبان انتفاضة المشير سوار الذهب اول راهب عربي يزهد السلطة، وحتي آخر زيارة كان أول وجه سوداني يستقبلني ويكون في وداعي صديقي محمد جبارة، وهو من أخلص واكفأ رجال الاعلام الخارجي في السودان والذي اصبح منذ ايام بيننا في السفارة السودانية بالقاهرة مستشارا اعلاميا، والذي اضاف للكيمياء المشتركة في دمي ليزيد حبي وعشقي للسودان واهلنا هناك. واتذكر ان هذا الارتباط لم يكن وليد الصدفة بل تغلغل داخلي منذ الطفولة، وارتباطي بجيراننا في بورسعيد وكانت أصولهم سودانية.وأضاف الي ذلك العشق التحاقي بالقوات المسلحة في السبعينات كضابط احتياط، ولقائي بالعقيد السوداني محمد عبد الحميد فرج الله -يرحمه الله- والذي كان رئيسا لاركان اللواء 30 الذي خدمت فيه فتعمق حبي للشريان السوداني من معرفتي لهذا الرجل الطيب، وقد وجدت اهلنا في السودان علي نفس هذه الطيبة .ولمست فيهم عشق مصر بلا حدود .ورأيت الحزن في عيونهم جميعا كلما ضاقت بهم السبل للوصول الي مصر ومعاناة الحصول علي تأشيرة الدخول، سواء للعلاج او زيارة الاهل او التعليم او السياحة او التجارة، وجاءت اتفاقية الحريات الاربع من خلال الطرح السوداني، ففتحت الأبواب لنا نحن المصريين بالدخول الي السودان والحصول علي التأشيرة من المطار، ولكن ظل العذاب للاشقاء السودانيين في الحصول علي التأشيرة من سفارة مصر في الخرطوم، بناء علي طلب الامن المصري. وهذا جانب من التداعيات التي تمر بخاطري خلال الايام الماضية، مع زيارة الرئيس محمد مرسي الي الخرطوم من اكمال التواصل الذي بدأ به الرئيس السوداني عمر البشير كأول رئيس عربي يزور مصر عقب قيام ثورة يناير. .وهنا لابد ان اشير الي ان رفع مستوي اللجنة المنظمة للعلاقات بين البلدين الي مستوي الرؤساء مهم وضروري، خاصة اننا في مفترق طرق مهم من أجل دفع العلاقات المصرية السودانية الي مربع متقدم جدا، وتنظيم العلاقات بإتزان بين مصر وكل من دولتي السودان في الشمال والجنوب، وتحصين هذه العلاقة من الفيروس الصهيوني الذي لعب ونخر في عظام السودان فقسمها، وكنا نتفرج وكأن شيئا لم يكن .وهذه الكتلة الثلاثية واجب عليها في هذه المرحلة جذب ليبيا الي المربع وليس المثلث الجديد في المنطقة، بجانب ان العلاقة الثلاثية بين مصر والسودانيين عليها عبء ليس ضخما ولكن يحتاج قليلا من الدبلوماسية الرسمية والشعبية، والفهم للتعامل مع دول حوض النيل، من أجل حل المشاكل العالقة في التقسيم.. وهنا يجب ان يبرز الدور المصري وينجح.مع ضرورة حصول دولة الجنوب علي حصة مناسبة من المياه تضمن لها الحياة بدلا من ان نترك اسرائيل تعربد وتنخر في هذا الجسد القابل لنشر الالام، وإذا نجحنا في فتح الابواب المغلقة، فليس أمامنا سوي طرق الابواب المفتوحة لنا في السودان، وألا نترك قيادة الملف لغير السياسيين لتحريك هذه العلاقة، وأن نري بوضوح المصلحة العليا لشعب الوادي.وان نرفع شعار »أبناء النيل« ليكون هدفا حقيقيا نسعي الي تحقيقه، وأن تعلو بصدق المصالح التي تغرقها السياسات الخاطئة.والاهواء الشخصية، وألا نترك السودان يضيع من مصر وتضيع منه. إن وحدة ابناء النيل يجب ان تكون الهدف والمبتغي.