سافرت الي لبنان في السنة الاخيرة من الحرب الاهلية اللبنانية ونشأت بيني وبين الفنانة الجميلة سفيرة القمر الي لبنان فيروز صداقة حلوة. وكانت فيروز تعيش في بيتني، بيت علي الروشة في بيروتالغربية حيث المسلمون، وبيت في الرابية في بيروتالشرقية حيث المسيحيون. كانت فيروز تتمزق كل يوم واللبنانيون يتبادلون القصف والرصاص والقنابل كل يوم، في حرب غبية استمرت 51 سنة! وعندما كانت مدافع المسيحيين تنهال كالمطر علي بيروتالغربية، كانت فيروز تسرع بالذهاب الي بيتها هناك، فتتوقف قنابل المسيحيين خشية ان تسقط احداها علي بيت فيروز، وعندما كانت بيروتالغربية تبدأ في قصف بيروتالشرقية كانت فيروز تهرع الي بيتها هناك، فتتوقف مدافع المسلمين خوفا من ان تصيب قذيفة بيت فيروز! تحولت فيروز الي حمامة سلام بين اهلها المتحاربين، وقالت لي انها تحلم بعودة السلام الي لبنان، وتحلم بلبنان واحد وليس اثنين منقسمين، وغنت فيروز من اجل هذا الحلم، عند معبر الفرانسيسكان علي الخط الذي كان يفصل بيروت الي نصفين! ومع ذلك وذات ليلة دعتني فيروز الي العشاء في بيتها ببيروتالغربية وكان معي صديقي المصور الصحفي الموهوب الراحل فاروق ابراهيم وطلبت فيروز الا يقوم فاروق ابراهيم بتصويرها، فاحترمت رغبتها. وكان عشاء جميلا. لم يقم فاروق ابراهيم في تلك بتصوير فيروز احتراما لها، لكنه عاد في صباح اليوم التالي والتقط صورة رائعة لبيت فيروز من الخارج وقد احاطت بالشرفات والنوافذ ثقوب القذائف التي ألقيت بالخطأ علي بيت حمامة سلام لبنان! ونشر استاذي ابراهيم سعدة هذه الصورة في »أخبار اليوم« علي خمسة اعمدة وكانت ابلغ تعبير عن الحال المؤسف الذي آل اليه لبنان الجميل، ان الفتنة شر، والكراهية جنون، والحرب موت، والحياة بدون الحب ليست حياة! ما اشد حاجتنا اليوم في مصر الي صوت فيروز يشدو في ميدان التحرير وحوله، في محافظات مصر الغاضبة، في بورسعيد ومدن القناة، تغني لنا، للجميع، عن حب الوطن، وحب المصري لاخيه المصري. وما اشبهني اليوم بصديقتي الجميلة فيروز... لقد غنيت- ليس مثلها طبعا- لكل شيء علي اوراقي، غنيت للانسان، وغنيت لبلدي وناس بلدي. لكني حتي اليوم.. لم أقل كل الذي في قلبي!