مها عبدالفتاح صحافة الورق والحبر والطباعة علي مشارف النهاية. جرس الانذار انطلق والوقت قد حان للانشغال بمستقبل المهنة. التساؤل مطروح علي متسع الكون: هل لزاما أن تتغير الصحافة بنحوها الحالي، لتعيش وتبقي ؟ كيف تكون وعمرها الافتراضي أزف أو يكاد. أمامها سنوات تعد علي اصابع اليد، وفي قول متفائل بل أصابع اليدين وتنقرض! شباب اليوم لا يقرأ الصحف كما الآباء والأجداد.. يكون (يوم مش فايت) ولا طلع له نهار ان خلا من صحف اقترنت دوما بالافطار وبقهوة الصباح! الاصدارات الجديدة تقتسم القراء مع الصحف الاخري، ما من وافدين جدد! ظاهرة مهنية وعالمية أتابعها من مدة. مراكز أبحاث كل مهمتها استطلاعات واحصائيات وتحليلات لايجاد وسائل ربما تفلح في وقف انقراض الصحف الورقية ثم تلاشيها في وقت غير بعيد. السبب يكمن أولا في التطور المذهل لعلوم الاتصالات. من يبحث عن الأنباء المهمة ومتابعة الأحداث أمامه الشاشات. الاجيال الجديدة لم تتعود القراءة بقدر ما الفت الصورة والصوت والتعامل مع الأجهزة والالكترونيات.. تليفزيون كومبيوتر آي باد وسمارت فون، كلها أدوات علي اطراف الانامل. هذا ما يدفع الي التساؤل : هل ستبقي الصحف بنحوها الحالي وتتعايش مع الصورة ؟ يعني يصمد الحبر والورق والطباعة ومعهم تدبيج المقالات والخواطر والعواميد والزويا وباب الكتابة مفتوح عن آخره، كل يكتب مستغرقا في رأيه الخاص.. هل تصمدين يا صحافة بذات الشكل والنحو والروح أمام الصورة والفضائيات ونتوقع ألا تنقرض؟ قد يخطر لأحد أن تكون نسبة الأمية في بلادنا مصدر التهديد، لكن الامية ليست متفشية لدينا فقط و لترتاح قلوبكم لتعلم أن الولاياتالمتحدة بجلال قدرها التي تمسك بزمام عموم العالم، هذه الامريكا (بذاتها) لديها نحو أربعين مليون نفس ما بين أمي أو شبه ذلك.. فئة أربعين مليون لا تجيد القراءة ويادوب تفك الخط وترسم الامضاء! خمس صحف أمريكية كبري تمول دراسات تبحث عما يريده القاريء أو ينتظره من صحيفة الغد. ما استطعت تتبعه يتبين منه أن المحرك الأول لهذا القلق يعود الي الواقع الجديد.. جيل الشباب الحالي، من حاليا هم حول العشرين والثلاثين، الغالبية الأعظم منهم ليسوا بقراء صحف في المطلق الا ربما فيما ندر! واليكم عينة من استطلاعات الرأي عندهم ما أحسب أنها ستختلف في كثير عما لو أجريت عندنا الا ربما تكون أسخم وأدل! سؤال: هل تقرأ صحيفة ؟ كلا الصحف تثير الملل!.. لا وقت لدي! لو توفر الوقت أفضل مجلة بصور!.. فتاة تقول اشتريت مجلة الشهر الماضي بحثا عن صورة تصلح موديل فستان فلم أجد!.. شاب يؤكد أنه لا ينظر الا في صفحات الرياضة وبعدها يلقي بنظرة علي الصفحة الأولي وعند هذا الحد تنتهي لديه! الاستطلاع الامريكي انحصر في شباب من خريجي الجامعات والطلبة والموظفين ظاهرة عامة في الدنيا كلها! أعرف سياسيين وممثلين نجوما لا يقرءون من الصحف الا أنباءهم شخصيا، فاذا لم يجدوها طووا الصحيفة ان لم يكوروها ويقذفوها الي حيث تلقي مصيرها التعس! يبدو أن اناسا كثيرين أصبحوا يتعاملون مع الوقت المتاح كنوع من الاستثمار. عندما يديرون ظهورهم لصحيفة معناه أنها لا تحقق لهم عائدا يساوي اهدار الوقت.. يريدون فكرة في كبسولة، معلومة في مقال مضغوط أما الرأي فيفضلونه ضمنيا وباختصار! الصحافة الورقية بنحوها الحالي أمامها ما بين خمس الي عشر سنوات علي الاكثر، لو استطاعت أن تنحو جديا الي التطور، فقد تعيش وتبقي صناعة مهنية رائجة لمدة أطول. سمعت من خبير في النشر والاعلام ان المطبخ الصحفي المعهود اذا تحول الي ما يعرف " بغرفة الاخبار المدمجة " وهذه خدمة مضافة في عصر يذاع فيه النبأ بعد لحظات من حدوثه، هنا قد تتمكن الصحيفة الورقية ان تحقق بقاءها ولو الكترونيا باضافة تضيف تفاصيل وأبعادا وعمقا الي الحدث.. علي أن تساير ايقاع الوقت. في الخارج يتعاملون أكثر مع علوم المستقبليات، لديهم عثرت علي نموذج مما توصلوا اليه ولو أنه ما يزال هلاميا لم يتبلور بعد.. ليكن عام 2025 هو الغد يا من يعيش يجد قراء الصحيفة الاكترونية لابد أن يكونوا جميعا مشتركين. مانشيت الصحيفة "مجوز" يعني مانشتين، ولنفترض الخبر في المانشيت الاول كالآتي: قرر الرئيس فلان الفلاني ارسال قوات من الجيش الي ائتلاف المعارضة في البلد العلاني! أما المانشيت الآخر فيخاطب القاريء كل قاريء وبصفته الشخصية فيقول لهذا مثلا : رحلة الطائرة التي تستقلها الي سويسرا قد ألغيت بسبب كذا وكذا. اتصل بالشركة لتحجز لك موعدا آخر.. ويخاطب آخر قائلا : اتصلنا بالشركة المطلوبة وحددوا لك موعدا يوم الاثنين الساعة كذا... هذه صحيفة الكترونية تتضاءل فيها الانباء بجانب الخدمات الشخصية المباشرة! تستطيع ان تستفسر أو تطلب خدمة ويأتيك الرد في اليوم التالي، في هيئة مانشيت تفصيل خصوصي لحضرتك بجانب المانشيت العمومي! الفكرة تعرف بالجريدة المخصخصة وهذه من أهم معالم أحلام المشتغلين بعلوم المستقبل فما التقدم الا خيال علمي تجد من يحققه! اذن صحيفة الغد غير البعيد يتوقعون لها أن تكون عمومية - مخصخصة! في معمل أبحاث الاعلام لدي MIT بولاية ماساتشوستس، هذا المعهد العلمي الذي يعتبر أحد اهم صروح دراسات التقدم التكنولوجي في الولاياتالمتحدة والعالم.. يدرسون هناك هذه الفكرة لتحقيقها.. كيف يمكن المزج بين العام بالخاص في صحافة الغد ؟ هل يمكن تنفيذ مثل ذلك عمليا؟ وجدوه ممكنا وان كانت التكلفة غالية.. فهل بمقدور شخص عادي أن يدفع مثلا عشرة دولارات يوميا للاطلاع علي مثل هذه الصحيفة العامة - المخصوصة؟ يعني يدفع كل يوم نحو سبعين جنيها مصريا بأسعار هذه الايام ؟ طبعا نحن لا ندري ما سيكون عليه الدولار والجنيه بأسعار ذلك المستقبل، ربنا يحييكم وتعرفوا ومن يعيش سيري العجب! »بمناسبة الصحافة والصحفيين أتطلع لتهنئة النقيب الجديد، لعل من يفوز هو ذلك المثقف الصعيدي الدوغري الصريح الذي أستطيع ان أصدقه.. انه لا يحتاج لمزيد من تعريف«.