مها عبدالفتاح ما الذي تستهدفه الولاياتالمتحدة من العالم العربي هذه الآونة.. إن كان من دلائل علي وجود عالم عربي لم يزل! يقال فيما يقال ان أمريكا تريد احكام قبضتها اكثر فأكثر علي الثروة البترولية، وعلي الاسواق، وأن تحافظ علي شبكة قواعدها العسكرية وتسهيلاتها العسكرية في أنحاء المنطقة و... من قائل بل تستهدف التفتيت وتفجير الدول وتماسكها من الداخل ليسهل اعادة ترسيمها علي مقاس اسرائيل و طموحاتها الاقليمية.. بل لن تعدم من يقول ولم سوء الظن؟ انما تريد اقرار الديموقراطية وحقوق الانسان بديلا عن أنظمة الاستبداد والقهر وافتقاد الحريات... بالذمة كده وبالامانة؟ يالله كيف ترد علي مثل هذا القول بدون الخروج عن حدود الأدب! ألا يقدرون إننا شعوب علي قدر من الذكاء يتيح لها التفكير بالمنطق والعقل.. ألهذا الحد يستخفون بقدراتنا علي الاطلاع والفهم والادراك! من يتأمل المشهد السياسي الحالي علي متسع المنطقة، لن تفوته أصابع أمريكا وبصماتها الواضحة علي المشهد بكامله بدون حاجة لخبير بصمات! مصر. تونس. ليبيا. سوريا، للمغرب العربي وشمال إفريقيا، والعراق من قبل، ثم الأردن غدا من بعد، تجدون الاسلام السياسي بدرجات التفاوت ما بين التطرف الأشد والأقل، انما يدفع دفعا إلي التساؤل: أتكون كلها احداثا تلقائية داخلية وبمحض مصادفات بدون دوافع خارجية؟! تعالوا ننظر فيما لا يكذب ولا يفتري. الماض المسجل من نحو خمس سنوات للوراء، لنضاهي بما حدث... ولنبدأ بتقرير منشور في هيئة مقال بصحيفة وول ستريت جورنال يعود لعام 2007 بالعنوان الآتي: ((لكبح جماح سوريا، الولاياتالمتحدة تستطلع ارتباطا مع الاخوان المسلمين)) بهذا النص To check Syria U.S. explores bond with Moslem Brothers .. ربما يكون الاشارة الاولي من نوعها التي تشير الي ما جري في سوريا بعد مرور نحو خمس سنوات، بل أول اشارة علنية عن علاقة بين الإسلام السياسي مع الولاياتالمتحدة... أغلب الامر أن ما جاء في هذا التقرير لم يؤخذ بجدية، رغم عبارة مهمة تجيء عابرة يرجح فيه الكاتب ج. سولومون احتمال ان يؤدي هذا التوجه الي ((تغيير لأنظمة الحكم في مصر والاردن وكلاهما حليف لأمريكا))! ننتقل الي تحقيق صحفي آخر نشر بمجلة نيويوركر عام 2009 لكاتب التحقيقات الاستقصائية الأشهر سايمون هيرش بعنوان Redirection اهميته أنه يكشف الحلقة المفقودة: من الذي قام بهمزة الوصل وكيف. ومتي؟! مجمل هذين التحقيقين، بعد مرور هذا الزمن، يدل علي صحة معلوماتهما تماما.. تحقيق هيرش عام 2009 توقع لسياسة إدارة أوباما الديموقراطي لن تختلف عن توجهات سلفه بوش، بل ستؤدي لمزيد من العنف و حمامات الدم في الشرق الاوسط.. وهو ما تحقق تماما وما يزال! أهمية تحقيق هيرش أنه كشف كيف حدث (بعث) جماعة الاخوان في سوريا وأعيدت إليها الحياة لتقوم بالدور الأكبر والاهم في الصراع الذي اندلع بعد ذلك بنحو عامين في سوريا. ذكر هيرش أن شخصيات لبنانية (حددها بالاسم) قامت بدور الوسيط بين الامريكيين والجماعة في سوريا.. توجهت تلك الشخصيات إلي واشنطون في أواخر عهد إدارة بوش، واستقبلهم ريتشارد تشيني حيث طرحوا أهمية التعامل مع جماعة الاخوان اذا ما استهدف تحرك ضد حكم بشار الأسد. يذكر هيرش أن السياسي اللبناني وليد جنبلاط صرح له شخصيا بأنه تقابل مع زملائه بريتشارد تشيني في ذلك الخريف من عام 2007 ونصحوا بأن تحركا ضد سوريا لن يجدي بدون استعانة بجماعة الاخوان وليس بغير "التحادث معهم" و.. قد كان. يمضي هيرش في تفسير كيفية بعث الجماعة في سوريا الي الحياة مرة أخري، ويذكر في هذا الشأن ما أخبره به ضابط كبير سابق في سي آي ايه باقرار تقديم الدعم السياسي من واشنطون، والدعم المالي من قنوات عربية حرصا علي المصداقية امام شعوب المنطقة بينما التدريب يكون اقليميا علي الاراضي التركية... جبهة الانقاذ الوطني السورية يقول عنها هيرش انها تكونت من ائتلاف جماعات معارضة علي رأسها جماعة الاخوان المسلمين في سوريا، مع فصيل سياسي يقوده من الخارج عبدالحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السابق المنشق منذ عام 2005 و يعيش في باريس... يقول ان وفدا من ائتلاف جبهة الانقاذ السورية هذه زار واشنطون بجوازات سفر صادرة من دولة عربية و قابل اعضاء في مجلس الامن القومي الامريكي. لم يخل الامر ممن حذر يومها من عواقب بعث جماعة الاخوان في سوريا لاحتمال أن تستفيد منه الجماعة ككل فيؤثر ذلك علي الرأي العام العربي بالخصوص في مصر و الاردن .. الاردن المسلسل لم يتوقف بعد : ملك الاردن عبد الله الثاني أدلي بحديث الي الصحفي الامريكي المتميز فريد زكريا منذ نحو شهر علي شاشة سي ان ان، كاد ينعي فيه، نبأ تواجد مقاتلي ((القاعدة)) في سوريا ، و هو اعلان رسمي علي هذا المستوي قائلا : ها هم مقاتلو طالبان الجدد قد أرسوا لهم مقاما في سوريا منذ عام ، و يتلقون الدعم من السلاح و الاموال! واضح من تحقيق هيرش هذا الذي نشر قبل اندلاع الصراع في سوريا بنحو عامين أن الخطة قد طبقت و التدبير اتخذ طريق التنفيذ، فاندلعت الحرب الاهلية في سوريا وان لم تصل الي حسم الموقف عسكريا كما كان يتوقع لعوامل عديدة، لا يبدو ان النهاية ستأتي بحسم عسكري... ليس المهم بقاء حكم الاسد أو زواله، انما الاهم والضروري هو الابقاء علي سوريا دولة متماسكة وموحدة بمؤسساتها و تراثها التاريخي المتفرد، بأقلياتها العرقية و الدينية، و بكيانها ودورها العربي والاقليمي، فلا يكون مصيرها مثل ليبيا التي تكاد تتمزع الآن، وما حدث لها كان تحت غطاء الديموقراطية و تحريرها من الاستبداد! أتمني لو ان لدي جون كيري وزير الخارجية الامريكية الجديد اجابات مقنعة لهذه التساؤلات التي تجوب المنطقة حول مدلول ظاهرة التحول 180 درجة هذه، التي طرأت علي علاقة واشنطون مع أحزاب وحركات الاسلام السياسي دولة بعد أخري علي هذا النحو المشهود!