نقابة المعلمين تحذر من التعامل مع أشخاص غير مسؤولين بصندوق الزمالة    صور.. تفاصيل زيارة رئيس الأركان إلى تركيا لبحث التعاون العسكري    جامعة القاهرة تبدأ استعداداتها لاستقبال مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد    مدبولي: "البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات" ركيزة رئيسية لتوطين الصناعة في مصر    إيران: سلطنة عمان ستتولى تنسيق الجولة القادمة من المحادثات مع واشنطن    الدفاع الهندية: الضربات الباكستانية كانت عشوائية واستهدفت مراكز دينية ومدنيين    6 أهداف تنُهي الشوط الأول بين برشلونة وريال مدريد في الكلاسيكو (فيديو)    الرياضية: النصر يقترب من الموافقة على رحيل لابورت    الوجه الآخر.. مانشستر يونايتد وتوتنهام يواصلان السقوط في الدوري الإنجليزي    مصدر مقرب من اللاعب ل في الجول: عمر فايد يرغب باستمرار مشواره الاحترافي    "توصيات لجنة التخطيط".. تفاصيل زيارة بيوليس للزمالك ومنصبه المحتمل وحضور مباراة بيراميدز    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    إحالة متهم بقتل 3 من أبناء عمومته في سوهاج إلى المفتي    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني| التفاصيل والمواعيد    بدء ماراثون الامتحانات..موعد اختبارات الترم الثاني 2025 لصفوف النقل    الليلة.. انطلاق حفل افتتاح مهرجان المسرح العالمي    ترقية في العمل ومكافأة.. توقعات برج الثور في النصف الثاني من مايو 2025    حين رفض صنع الله إبراهيم جائزة ملتقى الرواية.. جدل لا ينتهى حول موقف المثقف من جوائز الدولة    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    تسوس وتصبغ الأسنان- ما الفرق بينهما؟    القاصد يشهد حفل ختام الأنشطة الطلابية بجامعة المنوفية الأهلية ويكرم المتميزين    "ليسيه الحرية" يشهد حفل افتتاح الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العالمي    نائبة التنسيقية: قانون تنظيم الفتوى يضع حدًا لفوضى الفتاوى    مياه البحر الأحمر: العمل على مدار الساعة لسرعة الانتهاء من إصلاح خط الكريمات    وزير الصحة يؤكد دعم الدولة المصرية لمهنة التمريض: ذراع أساسي للمنظومة الطبية    ضمن الموجة 26 بقنا.. إزالة 8 حالات تعدٍ على الأراضي الزراعية بمركز الوقف    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    خلف الزناتي: تنظيم دورات تدريبية للمعلمين العرب في مصر    التصريح بدفن شاب لقى مصرعه غرقا في مياه نهر النيل بأطفيح    هشام أصلان يرصد تجربة صنع الله إبراهيم ومحطات من مشروعه الأدبي    ضبط طالب تعدى على آخر بسلاح أبيض بسبب مشادة كلامية في الزاوية الحمراء    وزير الخارجية الإسرائيلي: حرب غزة مستمرة للأبد إذا بقيت المساعدات بأيدي الفصائل الفلسطينية    محافظ الأقصر يتفقد أعمال فتح أكبر شارع بمنطقة حوض 18 بحى جنوب    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    وفاة سيدة أثناء ولادة قيصرية بعيادة خاصة فى سوهاج    نجم نيوكاسل ينافس محمد صلاح بقائمة "ملوك الأسيست" في الدوري الإنجليزي    مدرب منتخب غانا قبل مباراة مصر: جاهزون لمواجهة التاريخ    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي في القليوبية 2025    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلى يواصل قصف الأحياء السكنية فى غزة    ارتفاع أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 14.2% على أساس سنوي خلال إبريل الماضي.. و4.1% على أساس شهري    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    مرشح حزب سلطة الشعب بكوريا الجنوبية يسجل ترشحه للانتخابات الرئاسية    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    استئناف المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في جنيف    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    1500 فلسطيني فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه جراء حرب غزة    ضبط 103 مخالفات تموينية في حملات مكثفة لضبط الأسواق بالفيوم    كندا وجرينلاند ضمن قائمة أهدافه.. سر ولع ترامب بتغيير خريطة العالم    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاء حمودة: مطبخ "المؤامرة"!
نشر في البديل يوم 10 - 01 - 2013

لا يمكن لمنصف إنكار الدور والأداء السياسي الأمريكي المشبوه في الأزمة السورية الأخيرة سواء أكان تحريضا أوتخطيطاً أوتجييراً أوتمويلاً، ورغم الفروق الظاهرية لهذا الآداء عما جرى في السيناريو العراقي، من اختلاف الظرف التاريخي لما يوصف بالربيع العربي عن مثيله في الواقع العراقي، إلا أن تغيير التكتيكات والأدوات الأمريكية في هذه الأزمة يبقى مرتكزاً على قاعدة الترويج للديمقراطية وحقوق الإنسان وفقا لفلسفة فك وتركيب منطقة الشرق الأوسط بأكملها من بوابة الفوضى الشاملة بما يصب في خانة المطامع الأمريكية وتمديد شروط البقاء للكيان الصهيوني، ولعل فيما تكشفه الأيام واحدة تلو الأخرى اشارات دالة على خطط مدروسة يجري تنفيذها بدقة وعبر وكلاء اقليميين لتهيئة سوريا للنموذجين العراقي والليبي بتكلفة أقل، وذلك عبر دعم ميليشيات المسلحين بالسلاح ووسائل الاتصال الحديثة وتوفير المال والغطاء السياسي والاعلامي، ونشر حلف شمال الأطلسي (الناتو) لصواريخ باتريوت على الحدود التركية السورية، وتجهيز كارت الأسلحة الكيميائية لاسقاط الدولة السورية وتحويل مجرى النهر في سياساتها الإقليمية بما يتماشى مع أجندة الولايات المتحدة والغرب واللاعبين الاقليميين في الأزمة.
ولأن لكل معركة كواليسها وأسرارها الخفية وعقولها المدبرة، فإن ما ينبغي الالتفات إليه كثيراً هو أن طابخي تلك السياسات الأمريكية لا يغمض لهم جفن عن صياغة أفكار وأهداف وسياسات مرحلية أو بعيدة للمدى وأحياناً تصحيح للمسار وتحديث الخطط وفقاً للمتغيرات والمستجدات على المشهد السوري وارتباطاته الإقليمية الدولية، ومعلوم أن مطابخ السياسات الأمريكية والعقول المدبرة لتلك الخطط هي مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية أو ما يطلق عليها (ThinkTanks)، تأسيساً على ما تتمتع به تلك المراكز بتأثير غير محدود سواء أكان مباشر وغير مباشر على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، وهو ما يبدو واضحا من خلال السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
وحسب دراسة نشرها مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية، فإن دور تلك المراكز في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية يرجع إلي عاملين:
الأول: هو طابع اللامركزية في النظام السياسي الأمريكي الذي يتيح الفرصة والقنوات الشرعية للمشاركة في صنع وتطبيق السياسة الخارجية بطرق مباشرة وغير مباشرة، بحيث لا تصبح السياسة الخارجية حكراً علي مؤسسة دون الأخرى.
أما العامل الثاني: فهو انخراط الولايات المتحدة كفاعل رئيسي في العلاقات الدولية منذ بداية القرن العشرين، وتطور هذا الدور عبر مراحل مختلفة، فقد صاحب هذا التطور منذ بداياته ظهور المراكز البحثية الأمريكية مثل مركز كارنيجي للسلام الدولي ومؤسسة هوفر للحرب والثورة والسلام ومجلس العلاقات الدولية.
ولمزيد من وضوح الفهم في تلك النقطة الجوهرية، فإن للمراكز البحثية خمسة أدوار أساسية تقوم بها، فهي مراكز صناعة الأفكار والأهداف والوسائل التي تخص السياسة الخارجية، وهو ما تستفيد به الإدارة الأمريكية بكافة أجهزتها. وحسب دراسة مركز الأهرام، فإن المراكز البحثية تقوم بكسر الحواجز بين العمل الأكاديمي النظري في الجامعات الأمريكية وبين العمل السياسي التطبيقي لصناع القرار، حيث تقوم المراكز البحثية بإمداد الإدارة بالموظفين اللائقين علمياً وعملياً لتطبيق السياسة الخارجية، ويعد هذا من التأثير المباشر لها، فأفرادها والعاملون بها يقومون بالعمل التطبيقي للسياسة الخارجية فى الإدارات المنتخبة. لذلك نجد أن كثيراً من موظفي الإدارة في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، هم بالأساس باحثون كأمثال ريتشارد بيرل مساعد وزير الدفاع السابق ودينس روس مبعوث الإدارة الأمريكية السابق فى الشرق الأوسط.
كما تجرى المراكز البحثية في الولايات المتحدة حلقات نقاش عن المبادرات والسياسات الأمريكية عن طريق عقد اجتماعات بين ممثلى الإدارة وأعضاء المراكز وأصحاب الشركات الكبرى وكبار الأكاديميين من أجل معرفة أثر السياسة الخارجية على المصالح الأمريكية ومدى فعاليتها، وفى حالة فعاليتها تقوم المراكز بحشد الدعم لتلك السياسة بين مختلف المؤسسات أو معارضة تلك السياسة فى حالة إضرارها بالمصالح الأميركية.
ووفقا لطبيعة الدور المحوري الذي تلعبه تلك المراكز في صناعة القرار الأميركي بشكل عام وهو ما ينسحب بطبيعة الحال على تفاعلات الأزمة السورية، فإن القراءة المعمقة لرؤية تلك المراكز قد يكون كفيلا بفهم احداثيات الأزمة السورية في العقل الأميركي، وبما يوفر صورة ذهنية أعمق لطبيعة الرؤي والتحليلات والترتيبات القائمة والمتوقعة، ولعل من أبرز تلك المراكز المؤثرة هو معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، حيث يجند ذلك المركز جهده لمتابعة ما يجرى في الشرق الأوسط والعالم العربي. ويقوم بدراسة المصالح الأميركية بالمنطقة وما يواجهها من عقبات وكيفية تطوير تلك السياسة. وينظم مؤتمرين سنويين يشارك فيهما كبار المسئولين والخبراء والأكاديميين لمناقشة المستجدات الإقليمية وتأثيرها على المصالح الأميركية. كما ينظم 40 حلقة نقاشية طوال العام لنفس الغرض.
حضور صهيوني
وبقدر حجم تأثير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في دهاليز السياسة الخارجية الاميركية، كان الحضور القوي للأصابع الصهيونية في تقييماته وخططه لدفع الازمة السورية نحو حافة الهاوية، حيث نشر مؤخرا دراسة تحت اسم (المنطقة المتغيرة: تقييم مرحلي ل"الربيع العربي" وتداعياته السياسية) لكاتبها مايكل هيرتسوج هو عميد احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي وزميل ميلتون فاين في معهد واشنطن مقره في إسرائيل، واللافت ان هذا الباحث قد شغل سابقاً منصب رئيس هيئة موظفي مكتب وزير الحرب الإسرائيلي، وهو ما يكشف بكل وضوح طبيعة التخطيط الصهيوني عالي المستوى والممنهج والذي يجري لتعقيد الوضع في سوريا والوصول به الى مرحلة اللاحل.
انطلق العسكري الاسرائيلي والذي يتدثر بأثواب الباحثين في دراسته تلك بدس السم في العسل وتكرار الاسطوانة المشروخة المحفوظة التي تغازل طموحات عربية مشروعة وصفها بأنها "كسرت حواجز الخوف وصنعت الفارق"، واسهب الكاتب في هذا الغزل بالحديث عن "اجتماع الشارع العربي بشكل عفوي وتلقائي للمطالبة بالكرامة والحقوق، وأنه من غير المحتمل أن يتنازل عن شعوره الجديد بالتمكين".
وعبر تلك المقدمة المشحونة بالكلمات المعسولة بدأ الكاتب في رسم خارطة كارثية ومغرضة للوضع السوري تركز على الاهداف الاستراتيجية من وراء ما يحدث وتجاهل بخبث المؤامرة المحبوكة في خدمة الكيان الصهيوني الذي ينتمي اليه، فتحدث عن الجماعات الجهادية المتشددة وأبرزها "جبهة النُصرة" والتي وصفها بأنها "لعبت دوراً كبيراً بشكل متزايد في الثورة" وبغض النظر من عدم انسجام مفهوم الثورة مع تقوم به تنظيمات مسلحة تابعة للقاعدة من جرائم بحق السوريين، فإنه فاتته الاشارة الى الطرف الذي سلح "النصرة" وهيأ لتلك الجماعة واخواتها من القاعدة بيئة مواتية لاختراق سوريا والعبث بأمنها واستقرارها.
ثم حاول عميد الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي في تحليلاته التي قدمها لصناع القرار الاميركيين دعم مرتكزات ذلك المشهد بحديث معمق حول ما وصفها بالتصدعات الطائفية والعرقية زاعما أن الأزمة في سوريا اتخذت منحى الحرب الأهلية بين الحكومة السورية بأغلبتها من العلويين والأغلبية السنية. بل وأضاف اليها إيقاظ الطموحات الكردية للحكم الذاتي، ليكتمل عبر مقاربته تفاصيل وتعقيدات ما جرى ترويجه قبل غزو العراق. وبالطبع كانت في تلك الاشارات الدالة مدخلا للترويج لإضعاف الحكومات المركزية واهتزاز البنى الهيكلية للدول، وفرصة لاختلاق الأكاذيب حول تمزق سوريا وفقدان الحكومة السيطرة على جزء كبير من أراضيها. ليرجح أماني أكثر منها سيناريوهات لدولة سورية متشرذمة وغير مركزية ومهيأة بشدة لاعادة انتاج النموذج العراقي.
ويكتشف القارئ المدقق بكل سهولة ويسر ذلك المخطط المنسق الذي يجري الدفع به لاعادة رسم خارطة المنطقة في مقابل تراجع أي حديث عن شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان التي كانت مدخلا للتآمر على سوريا، وفي ذلك يتحدث مايكل هيرتسوج عن احد اهم الثمار المرجوة مما يحدث بالقول "التصور التقليدي الذي يقسم الشرق الأوسط بين المعسكر العربي المعتدل الذي يشمل مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والسلطة الفلسطينية وغيرها والذي له توجهات مؤيدة للولايات المتحدة وداعمة للسلام، وبين المحور الممانع الذي يشمل إيران وسوريا و "حزب الله" و "حماس"، في حاجة إلى التعديل.. وقد اتضح هذا جلياً خاصة في ضوء الحرب الأهلية في سوريا وصعود الإسلاميين إلى الحكم في مصر". بل ويحاول ذلك الباحث طرح رؤية بعيدة المدى لتوسيع رقعة طوأفة الصراع من خلال التكهن بدعم الحكومات الاسلامية (السنية) للجماعات الإسلامية (السنية) في المعارضة السورية بشكل فعال. ليصل الى نتيجة مفادها "اختلال ميزان القوى الإقليمية. فسقوط الأسد سيكون بمثابة ضربة قوية لإيران وحزب الله".
وبديهي أن وضع اسرائيل على خارطة الأزمة لم يفت الكاتب باعتبارها الغانم الأكبر، حيث يرى أن هذه التغييرات الإقليمية تعني فرصاً أقل للدخول في حرب مع قوة عسكرية مجاورة مثل سوريا. لكنه يعترف أيضاً بمخاوف من سيناريوهات متنوعة قد تسبب حدوث صراع مع "حزب الله"، من بينها أي محاولة لنقل الأسلحة الكيماوية السورية إلى أيدي "حزب الله" أو شن أي هجوم عسكري على إيران.
وفي توصياته التي يضعها أمام صناع القرار في واشنطن، يحرض العسكري الصهيوني على لعب دور استباقي عسكري في سوريا وتوفير الأسلحة وغيرها من المساعدات لجماعات معارضة غير إسلامية مختارة، وتنظيم المعارضة والمساعدة الخارجية لها. بل ويستجمع أدوات الخبث والدهاء واللعب على وتر التطرف والارهاب للتحذير من استمرار التعامل بسلبية مع هذه المسألة، وربما يكون ذلك أحد أسباب وضع جبهة النصرة على قائمة الارهاب الاميركية.
ولم تغب تحليلات وتوصيات ضباط الاستخبارات المركزية الأمريكية عن الأزمة، حيث طرح معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني سؤالاً حول (هل اقتربت النهاية في دمشق؟)، وكان ممن بادروا بالاجابة على هذا السؤال جيفري وايت الضابط الكبير السابق لشئون الاستخبارات الدفاعية وزميل للشئون الدفاعية في المعهد والذي تحدث بشفافية سافرة عن أحلامه ورؤاه الي تستند لواقع حول تفكك المحافظات، أو انهيار فوضوي، بتفكك الجيش السوري داخلياً، أو التقوقع المنظم بتراجع الجيش إما إلى دمشق أو لاندفاع نحو الساحل، وفي إطار ما يتم طبخه وتجهيزه من خطط يعطي رجل الاستخبارات الأمريكية فرصاً ضئيلة لسيطرة الحكومة على زمام الأمور. لكنه لا يدع للفرضية الأخيرة أي احتمال، بل ويشهر الورقة الأخيرة الحاسمة وهي مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية، ناصحاً المجتمع الدولي بأن يكون مستعداً لهكذا السيناريو.
لا للحل السياسي!!
دراسة أخرى لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تقطع الطريق بوضوح أمام أي فرص للتوصل إلى حل سياسي للأزمة عبر إشاعة أجواء التشاؤم.. الدراسة التي أعدها بلال صعب وأندرو جيه. تابلر تحت عنوان (انعدام فرص التسوية في دمشق) تزعم أن هناك فرصة ضئيلة في أن يؤدي تضييق الفجوات والفوارق بين الفصائل إلى إنهاء الصراع، وبنى الباحثان تحليلهما على فرضية ما يتم الترويج له عن حرب أهلية في سوريا متجاهلان أن ما يجري صراع بين جيش منظم راسخ وبين ميليشيات مسلحة تفتقد الى الانسجام العقائدي والأيديولوجي، ولعل عوار هذا التحليل يبدو في قياس هذا الافتراض غير الواقعي على سوابق تاريخية في أوغندا ورواندا وأنجولا وسيراليون لا تمت لحقائق الواقع السوري بصلة.
وفي محاولة ساذجة لاجهاض الحل السياسي كان حديث الباحثين عن أن انتصار المسلحين هو الأمر الأكثر ديمومة من الحلول التي يتم التوصل إليها عن طريق التفاوض. ودعمت مونيكا دوفي توفت الأستاذة مشاركة في "كلية جون إف كينيدي للدراسات الحكومية في جامعة هارفارد بالقول المتهافت"عادة ما يعمل المعارضون على اكتساب دعم هائل من أبناء وطنهم من أجل تحقيق الانتصار. وما أن يصلوا إلى الحكم فمن المرجح بصورة أكثر أن يمنحوا المواطنين نفوذاً أكبر في السياسات من أجل تعزيز شرعيتهم"، وهو تحليل على سطحيته يؤشر الى طبيعة العقل الامريكي الذي يفكر للأزمة، حيث أنه وعلاوة على افتقاده للألمام بالحقائق على الأرض التي تشير الى تراجع المسلحين وتلقيهم ضربات موجعة، فإنه يتجاهل وبشكل فج التركيبة السياسية لمن يطلق عليهم الثوار في تحليل مستقبل وصولهم المزعوم للسلطة.
التقسيم
أما الباحثان سونر جاجايتاي وباراخ خانا فطرحا سؤال يفصح بصورة أكثر وضوحا عن مخططات التقسيم والتفتيت لسوريا حيث يتساءلان في دراستهما (لماذا يمثل تقسيم سوريا فرصة تاريخية بالنسبة لتركيا؟) حيث يقولان "الأهم بالنسبة لتركيا هو مصير المعاقل الكردية في سوريا. ويشكّل الأكراد بين 10 و20 في المائة من الشعب السوري، وهم يُعتبرون عامل ضغط يدفع باتجاه إنشاء منطقة كبرى يسيطر عليها الأكراد ويتمتعون فيها باستقلالية تامة في النهاية إلى جانب حلفائهم في العراق، وذلك نظراً لتمركز أكبر عدد من أكراد سوريا في شمال البلاد، على طول المناطق الحدودية التركية، مع امتداد نقاط التمركز شرقاً نحو العراق. ويقول الباحثان "تتعدد الأسباب الفورية التي تبرر الدعم التركي للكيان الكردي المستقل في سوريا. ويمثل القصف على الحدود التركية السورية سبباً هاماً يمكن أن يجعل تركيا أفضل حالاً إذا نشأت مناطق عازلة مثل كردستان بدلاُ من التمسك بالحقائق الجغرافية المبهمة السائدة اليوم".
الملاحظ، أن أمريكا والغرب والحلفاء الاقليميين يعيشون أزمة بالغة التعقيد أمام حقيقة غياب البديل القادر على ملء الفراغ أو الفوضى التي قد تحدث حال التدخل العسكري في سوريا، وذلك في ضوء الضعف الشديد الذي تعانيه معارضة الخارج وغياب تأثيرها في الشارع السوري، ووفق هذا التقدير يطرح الباحث يزيد صايغ في دراسته التي نشرها مركز كارنيجي للشرق الأوسط وعنونها بالسؤال (هل يستطيع الائتلاف الوطني قيادة سوريا؟) وعبر هذا السؤال كتب يقول "كانت مجموعة أصدقاء سوريا تأمل، من خلال اختيارها الائتلاف الوطني ربط غالبية نشطاء المعارضة والمجالس العسكرية والمدنية والمتمرّدين المسلّحين داخل سوريا بالهيئة الجديدة .. كانت الفكرة تنطوي على أن قوى المعارضة ستندمج عبر منح الائتلاف الوطني هذا المستوى من الاعتراف، وعبر التعهّد بزيادة الدعم المالي لأغراض الإغاثة الإنسانية، وإطلاق الوعود بجعله القناة الرئيسة للأموال الخارجية".
ويقول الباحث" في الوقت الراهن، على الأقل، يمثّل الائتلاف الوطني المعارضة السورية أمام المجتمع الدولي. لكن رغم الضجّة الإعلامية الكبيرة ، فإنه يختلف قليلاً في تركيبته وبرنامجه السياسي عن المجلس الوطني السوري . وتبقى مسألة ما إذا كان الائتلاف أكثر تمثيلاً للمعارضة ككل من المجلس الوطني، خصوصاً داخل سوريا، موضع جدل. فهو يعتمد عملياً وتنظيمياً على المجلس الوطني، الذي هو الآن جزء من الائتلاف الوطني، كما كان المجلس الوطني، ولايزال، يعتمد على مكوّنه الأساسي جماعة الإخوان المسلمين".
ويضيف الباحث" لايمثّل التعاطي مع الفرص أو التهديدات الدبلوماسية بأي حال التحدّي السياسي الأكبر الذي يواجهه الائتلاف الوطني." ويوضح" السوابق لاتبعث على الاطمئنان، خاصة إذا كانت الجماعات المحلية المتمرّدة على الدوام هي التي تتّخذ قرار نقل المعركة إلى المدن الكبرى. فقد نقل لواء التوحيد الإسلامي، على سبيل المثال، المعركة إلى حلب رغم عدم تفضيل قائد ما يسمى (الجيش السوري الحر) ومن يسمى رئيس المجلس العسكري العقيد عبدالجبار العكيدي ذلك. وكانت جبهة النصرة ، التي أدرجتها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية أجنبية في 11 ديسمبر، جنباً إلى جنب مع الجماعة الجهادية غرباء الشام وكتائب الفاروق، وسّعت العمليات العسكرية لتشمل محافظة الرقة. ودخلت هذه المجموعات أيضاً، إضافة إلى لواء عاصفة الشمال، المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية، ما تسبّب في وقوع اشتباكات". ويردف يزيد صباغ" كما بدأ المتمردون المحليون أيضاً معركة دمشق المتواصلة، وعلى رأسهم كتائب أحرار الشام، التي وصفها أحد الخبراء بأنها (أكبر شبكة سورية من الجهاديين المحليين) ويتولّى عدد هائل من المجموعات الأخرى المنضوية بشكل فضفاض تحت لواء ما يسمى الجيش السوري الحر( يقال إن معظمها سلفيّة أو تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين) إدارة المعركة في معظم المناطق المحيطة. ولكن لجان التنسيق المحلية الشعبية، لا الائتلاف الوطني، هي التي دعت مقاتلي المعارضة في 13 ديسمبر لضمان تجنيب العاصمة مصير "جميع المدن السورية الأخرى" على أيدي الحكم.
(هشاشة) الائتلاف
ويواصل الباحث توصيفه لملامح الهشاشة في ذلك الكيان بالقول "يفاخر الائتلاف الوطني بأنه يحظى بدعم من أشخاص مثل رئيس الوزراء السابق رياض حجاب والعميد مناف طلاس اللذين هربا في الصيف الماضي." لكنه يطرح تحديا جوهريا ب" وجود حوالي 1.2 1.5 مليون من الموظفين المدنيين في القطاع العام في سوريا بالإضافة إلى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي لاتخضع إلى إشراف وزارة الداخلية والعدد الكبير من كوادر حزب البعث في جميع المستويات البيروقراطية للدولة". ويرصد الباحث ملامح الفشل المتوقع بالقول "تبدو الخطوات التي يقوم بها الائتلاف الوطني للمنافسة على ضمان ولاء الاجهزة البيروقراطية غير كافية على الإطلاق. ففي 14 ديسمبر، أعلن حجاب عن إنشاء التجمع الوطني للعاملين في مؤسّسات الدولة، والذي سيتولّى رئاسته من مكاتب في العاصمة القطرية الدوحة. ولم يحضر الاجتماع الافتتاحي للتجمع الذي عقد في عمّان سوى 26 من الهاربين، معظمهم من السفراء والقضاة وأعضاء البرلمان الذين كان قد تم الإعلان عن انشقاقهم خلال السنة الفائتة. وتشي حقيقة أنه تم تخصيص مقعد واحد فقط من أصل 70 في الجمعية العامة للائتلاف، وهي الهيئة التي تتولّى وضع السياسات، لتمثيل المنشقّين المدنيين، بالكثير عن وضعهم داخل التجمع."
(انتهازية) الإخوان
أما الفرع السوري لجماعة الإخوان المسلمين ودوره المرسوم في الأزمة السورية، فقد حظي باهتمام وتحليل معمقين من مراكز الابحاث السياسية والاستراتيجية الأميركية، وكان تسليط الضوء الحاد على هذا الدور قد بدأ بأنباء تم تداولها في مطلع أغسطس 2012، تشير إلى أن تنظيم الاخوان الذي أمضى السنوات ال30 الماضية في الخارج، بدأ تشكيل ميليشيات خاصة به على الأرض في سوريا، مما أثار القلق في أوساط المعارضة. إذ سرعان ماعادت الذكريات القديمة للتمرد الدموي الذي خاضه التنظيم ضد الحكم. ففي أواخر سبعينيات القرن الماضي، تبنّت جماعة الإخوان أسلوب العنف المسلّح ضد الحكم، وتعاونت مع تنظيم جهادي يطلق عليه "الطليعة المقاتلة"، والذي تم دحره وتفكيكه بصورة حاسمة في مواجهات حماة في فبراير 1982.
رافائيل لوفيفر الباحث في مركز كارنيجي طرح في دراسته (الكفاح المسلح لجماعة الإخوان السورية) مقدمة تأريخية مطولة حول علاقة الفرع السوري للاخوان بالحكم منذ ستينات القرن المنصرم، ومن واقع هذا الصراع الدموي بتحالفاته مع المتشددين، يرى الباحث أن جماعة الإخوان المسلمين نفسها، أثّرت الدروس المستفادة من التحالف قصير الأجل مع الطليعة المقاتلة في المناقشات الداخلية بشأن نوعية السياسات التي يجب أن يتّبعها التنظيم. كان هذا صحيحاً بالفعل في أوائل الثمانينيات، وأصبح أكثر أهميّة في سياق عسكرة الانتفاضات الحالية، نظراً إلى حقيقة أن معظم الذين كانوا يتولّون زمام المسؤولية قبل ثلاثين عاماً لا زالوا يسيطرون على قيادة الإخوان المسلمين."
ويفسر الباحث بذلك ارتباط جماعة الإخوان المسلمين بجماعات المعارضة السورية الأخرى من جميع الخلفيات الإيديولوجية والدينية ، كلّما كان ذلك ممكناً ، على أمل تقليل مخاطر ردّ الفعل في حال الفشل. حيث يرى أن مثل هذه المقاربة تتّسق أيضاً مع جهود الجماعة منذ العام 2001 للدخول في عملية تطوّر إيديولوجي عميقة، والانتقال نحو الجانب البراجماتي (العملي) من الطيف الإسلامي. ويعزّز الكاتب هذا التصوّر بالحديث عن القرارات الأخيرة التي اتّخذتها الجماعة لتجنّب الإشارة إلى مرجعية الإسلام في نصّ مشروعها السياسي الأخير، والدفع بشخصية علمانية مسيحية، جورج صبرا، للترشّح لقيادة المعارضة السورية.
ويشير الباحث إلى أن القدرة التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين وشبكتها الواسعة من الاتصالات شكلت موضعاً للنفوذ في معظم الجماعات المعارضة التي ترتبط بها. حيث مكّنها هذا من التأثير إلى حدّ كبير في التجمعات السياسية، مثل المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي تشكّل حديثاً، وتوجيهها بوسائل تتّفق مع مصالحها وقيمها في نهاية المطاف.
لكن فيما يبدو ان الباحث لم يرقه التركيز على تلك النقطة الجوهرية، فتعيين صبرا كان من أبرز المؤشرات على نيل "الإخوان" مبتغاهم في السيطرة على الأغلبية في الائتلاف، بعد سيطرتهم على ما يسمى ب"المجلس الانتقالي"، وهم في صدد استكمال السيطرة على مفاصله، وقد حذر عضو الائتلاف كمال اللبواني من تحكم الإخوان المسلمين في أي حكومة سورية مؤقتة يتم تشكيلها بواسطة الائتلاف، واتهمهم بالسيطرة على مؤسسات المعارضة السورية والعمل بعقلية شمولية. وتوقع اللبواني أن يتحول الإخوان إلى عائق، وقال إنهم لا يعملون بروح الائتلاف الوطني، مضيفاً "كانوا سبب عدم التفاف المعارضين حول المجلس الوطني، واليوم يكررون المسألة مع الائتلاف".
أما على الجانب العسكري، فيشير الباحث الى تزايد نفوذ جماعة الإخوان أيضاً داخل الميليشيات المسلحة، حيث تشارك بنشاط في تنسيق العمليات المسلحة من خلال وجود شخص واحد على الأقلّ من الإخوان المسلمين في غرفة عمليات ما يسمى (الجيش السوري الحر)، والتي تزوّد المسلحين بمستلزماتهم وتسلّحهم، بالتعاون مع السلطات التركية.
ويكشف الباحث عن قرار رسمي لجماعة الإخوان بتوفير المال والأسلحة مباشرة للجماعات المسلحة على الأرض في أواخر مارس 2012. حيث تشمل الميليشيات التي يعتقد أنها تلقت دعماً سخياً من جماعة الإخوان في سوريا، من بين مجموعات أخرى، كتيبة الفاروق في حمص، ولواء التوحيد في حلب، وصقور الشام في جبل الزاوية وأحرار الشام في إدلب.
ويرصد الباحث تنامي الصورة العامة لجماعة الإخوان المسلمين على أرض الواقع الذي لايرضي الجميع، إذ يشعر بعض المتمرّدين الذين توقّعوا أن يحصلوا على المساعدات المادية والمالية من دون قيد أو شرط بالإحباط على نحو متزايد مع ما يرونها محاولة من جانب جماعة الإخوان المسلمين لتأكيد وجودها بعد ثلاثين عاماً من الهروب للخارج. وينقل الباحث رواية أحد الإسلاميين السوريين الذي عاد في أواخر نوفمبر من منطقة إدلب، حيث يساعد المسلحين بنشاط، كيف شعرت جماعة إسلامية سورية بالغضب عندما اجتمع وفد من جماعة الإخوان مع قادتها وعرض مساعدتها بمبلغ مليوني ليرة سورية (28 ألف دولار تقريباً) في مقابل يمين الولاء (البيعة) للتنظيم. وقال إن القادة المحليين وافقوا في النهاية على الاتفاق ولكن بمرارة.
ويشير الباحث الى أن قرار جماعة الإخوان المسلمين بتجنّب تجديد التحالف مع الطليعة المقاتلة يحمل معنىً سياسياً واضحاً. بيد أن ربط صورتها ومصيرها بمصير الجماعات الإسلامية الأخرى التي ظهرت خلال العام الماضي داخل سوريا يمثّل مقامرة محفوفة بالمخاطر لتنظيم يسعى إلى توطيد صدقيّته كلاعب سياسي براغماتي. وعلى الإجمال، فإن دخول جماعة الإخوان إلى الساحة العسكرية يوفّر لها أملاً بتعزيز نفوذها السياسي. غير أن هذه الخطوة محفوفة بالمخاطر أيضاً، ويمكن أن ينظر إلى الجماعة على أنها تؤيد ببساطة نهج الجماعات المسلّحة الأخرى، بما فيها الإسلامية، وتدافع عنها وتعزّزها بدلاً من إثبات زعامتها. وفي ظل توفّر مصادر بديلة للتمويل والأسلحة للمتمرّدين في سوريا، وتنافس الآخرين على القاعدة الإيديولوجية للإسلام السياسي، لن تكون جماعة الإخوان المسلمين قادرة على الاحتفاظ بالولاء السياسي طويل المدى للجماعات المسلحة التي لم تنبثق من صفوفها مباشرة.
رعب أمريكي
ورغم ما تقدم من خطط وتوظيف للأدوات وتلاعب من خلف الأستار بأطراف الأزمة، فقد أصدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن في منتصف شهر ديسمبر الماضي دراسة ترصد الرعب الأميركي من سيناريوهات التدخل عما يجري في سوريا ومخاطر التدخل العسكري الأميركي هناك على غرار ما حدث في ليبيا، وهي دراسة تستحق القراءة والتذكير بمحتواها الهام في الظروف الراهنة.
الدراسة تحذر من أن التدخل العسكري في سوريا لن يكون بدون مخاطر بعضها معروف وبعضها غير معروف، فهناك مخاطر يمكن توقعها مثل قدرات الجيش السوري وأسلحته، ومخاطر أخرى يصعب توقعها مثل تصرف الحكومة السورية وأنصارها في الداخل وحلفائها في الخارج لو أحسوا ببداية عملية عسكرية واسعة للناتو ضدهم على غرار ما حدث ضد نظام القذافي في ليبيا. ويقول التقرير: إن المخاطر السابقة خاصة غير المتوقعة منها تتطلب الحذر قبل التفكير في تدخل عسكري وهو أمر لا يحظى بدعم كافٍ في الوقت الحالي، ولا يقدم التقرير بدائل كافية للتدخل العسكري.
عسكريًا يقول التقرير: إن سوريا تبنت منذ الثمانينيات إستراتيجية عسكرية قائمة على الردع بالأساس بسبب ضعف قدرات قواته الهجومية، وإن تلك الإستراتيجية ركزت على الحصول على صواريخ دفاعية متقدمة مختلفة الأنواع وعلى أجهزة إنذار مبكر، وكذلك على صواريخ مضادة للسفن ونظم دفاعية لحماية الشواطئ السورية.
ويبقى التحدي الرئيسي حسب التقرير متمثلاً في قدرة الجيش السوري على الردع لأكثر من سبب، فعدد القوات كبير، وفي حالة انتباه بسبب الصراع الجاري كما يرى التقرير، كما أن سوريا بلد صغير من حيث المساحة وذو كثافة سكانية عالية، وأي هجوم أولي لتدمير مضادات الطيران وبطاريات الصواريخ التابعة للجيش لابد وأن يترك عددًا كبيرًا من الضحايا بسبب تركز الجيش في مواقع ذات كثافة سكانية عالية.
وهنا يحرض التقرير على استهداف سوريا بدرجات أكبر مقارنة بما حدث في ليبيا ويجب أن تشارك فيه القوات الأمريكية على مستوى كبير، وأنه سوف يلحق خسائر بشرية كبيرة قد تثير الرأي العام العربي والدولي خاصة في ظل غياب الدعم الكافي لفكرة التدخل العسكري.
كما يقول التقرير إن القوات الجوية السورية قد لا تمتلك طائرات متقدمة ولكن ما يمتلكه من طائرات يمثل خطرًا، أما الجانب الأهم من قدرات الجيش السوري الردعية والتي يجب الحذر منها في حالة التدخل العسكري فهو سلاح الصواريخ والتي يصل مدى بعضها إلى 500 كم، هذا إضافة إلى تقارير أخرى تفيد بامتلاك الجيش السوري لصواريخ سكود سي ودي ذات المدى الأطول (600 700 كم بالترتيب) ما يجعلها قادرة على الوصول إلى مناطق أبعد.
التقرير يخشى أيضًا من امتلاك الجيش السوري لأسلحة كيماوية وبيولوجية، ويبدو من التقرير أن الولايات المتحدة لا تمتلك معلومات كافية عن طبيعة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية المزعومة وقدرته على توصيلها، ولكن التقرير يعتقد أن قدرة سوريا على إنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية وإنتاج أدوات إيصالها هي قدرة بدائية قد لا تمثل خطرًا هائلاً، ولكنها تمثل خطرًا حقيقيًا.
كما يمتلك الجيش السوري رادعًا هامًا إضافيًا هو دفاعاته ضد السفن حيث زودت روسيا التي تمتلك قاعدة بحرية على الشواطئ السورية النظام الصاروخي بصواريخ متطورة مضادة للسفن ما قد يمثل تهديدا للسفن الحربية الأميركية في حالة شن هجوم من البحر كما حدث في حالة ليبيا.
هذا فيما يتعلق بميزان القوى وقدرات الجيش السوري العسكرية، وهو جانب يمكن حسابه أو توقعه نسبيًا، ويبقى جانب آخر يصعب توقعه كما يشير التقرير. وهنا تقول الدراسة إن طبيعة الجيش السوري تختلف عن طبيعة جيش القذافي، فالجيش السوري يتميز بدرجة من التجانس.
ولا يعول التقرير كثيرًا على ميليشيات الجيش السوري الحر وقدراته العسكرية ويقول إن المعارضة السورية أكثر انقسامًا من المعارضة الليبية وإنها لا تسيطر على مناطق بعينها، وأنها منقسمة سياسيًا، كما أن قدرات الجيش السوري الحر ضعيفة للغاية، فتسليحه فقير وبسيط ولا يقدر على القيام بمهام كبيرة وصعبة بسبب قلة عتاده وصعوبة حصوله على إمدادات عبر طرق مؤمنة.
كيف ترسم مراكز الدراسات الأميركية خارطة استهداف سوريا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.