كنا نعيش حياة جميلة نسعد من خلالها في المدرسة والمنزل معا، وكان بينهما اتصال دائم واتفاق عام في رسم حياتنا وتشكيل وجداننا وتنمية قدراتنا وتهيئة قلوبنا وعقولنا بل كل خلايانا للإعتزاز بمصر أم الدنيا، ومهبط رسالات السماء، وارض الأنبياء، وسر التوحيد والبناء ورمز الخلود والبعث وكانت تمثل أمامنا الجنة الحقيقية الباحثة عما وراء الحياة فمن ارضها انتشر الإسلام، وعلي أرضها الأزهر الجامع والجامعة المبني والمعني، كل دول العالم تحسدها علي جمالها وعلمها وعملها وأبنائها الذين نشروا العلم في معظم الدول قبل ان تنشأ دول تبهر البعض الآن. وكان المنزل والاسرة والعائلة مع المدرسة يزرعون بداخلنا كجيل فريضة الانتماء وينمون بداخلنا الاعتزاز بالاصل الفرعوني وعظمة تلاقي الاديان وكيفية الاستمتاع بسماع الآذان من الألف مئذنة وجرس الكنائس ثم نتعلم كيف نستمع لأم كلثوم ونذهب للأوبرا ولخان الخليلي ونزور المتاحف والحدائق أنها بلدنا شهادة ميلادنا الحقيقية جمالها الذي بهر الجميع وآسر من غزاها فاسلم وتزوج بالمصريات حتي سيدنا محمد »صلي الله عليه وسلم« تزوج مصرية وكل العرب من هاجر المصرية، جمالها في الضجيج والضحكة العالية والابتسامة الدائمة يا مصر يا أم الدنيا يا حببتي يا مصر، وعندما كنا نسافر في رحلات مدرسية واسرية كانت زيادة للتعليم وزرع الانتماء ونعود ونحن نعتز بأصولنا الضاربة في التاريخ والمبهجة في الجغرافيا والمحسوبة في الوجدان، والخالدة في القلب، وعندما سافرنا للخارج لم ننبهر بأي شيء لأن في مصر الأصل والطبيعة الربانية أما المجتمعات الأخري فهي مجتمعات صناعية كل ما فيها مرتبط بالكهرباء والحداثة أين كل الدول منك يا مصر، كنا ندرس حبك مترجما بالافلام وبالاغاني مصر التي في خاطري والنهر الخالد ودعاء الشرق ومن حبك بالقلب واليقين والموثق بآثارك وابنائك وعلمائك وائمة أزهرك كنا نتباهي ويعاملنا كل من يرانا خارج أرضك بعظمة وترحاب فهو مهما بلغ تعلم منك وعلي أرضك ودرس في أزهرك أو في كتب ابنائك.. ياريت كل من يعمل بالسياسة والإعلام والقضاء والتدريس العام والجامعي أن يزور كل محافظات مصر أولا لينجح في عمله، ويتفق مع نفسه ويتعامل بميراثه وتراثه فيحيا محترما ويموت خالدا.. أقول هذا بمناسبة من وجد الجنة خارج مصر لأن بها ثورة بعد كبت 03 سنة طواريء وملعونة السياسة والأموال مهما علت ومهما اعطت وكأنه يعير أم الدنيا بثورتها لأن الأمور غير مستقرة واصبحت الراحة في واحة صغيرة صحراء مصر احسن منها والله والنوم علي ترابها أرق وأفضل من النوم علي ريش النعام خارجها، إن من كتب ذلك أو ردده ظلم نفسه فقط فهو لم يعش في ربوع بلده وناسها من شرقها لغربها من حلايب وشلاتين وأسوان لدمياط والاسكندرية لم ير سويسرا الشرق في الوادي الجديد والفرافرة ولم ير اللؤلؤ علي الاشجار في سيوه ومطروح ولم يستمع بأغاني ليلي مراد علي صخرة ولا بحمامات كليوباترا في معظم المحافظات لم يزر مقابر الصحابة بالمنيا ولم يعش ليالي الحسين وزيارات الامام الشافعي والامام الليثي والامام الدرديري انه حرم كثيرا من الحياة لأن عينيه وقعت علي كبر بمجتمع كل شيء فيه جميل ولكنه ميت كالزهور الصناعية يا مصر أنت الحياة والعمر والضني والغني والعلم والفن حماك الله من ابنائك الذين عاشوا أمواتا واستيقظوا علي الأموال القادمة من الخارج فقاموا يرشقونك بالكلمة ذات الاثر الاقوي من المولوتوف وبالحجارة لأنهم لم يعرفوك بعد، أنت يا مصر تحملت كثيرا عبر التاريخ وعشت أياما اصعب كثيرا مما نعيشه معك لأن دولا كثيرة تستخدم ابنائك للعب علي أرضك وغدا سوف تنهضين وتسبقين من عداك بأذن الله.