بريطانيا دولة ديمقراطية متحضرة وليست من دكتاتوريات العالم الثالث او جمهوريات الموز الاستبدادية في امريكا اللاتينية.. وهي تؤكد ليلا ونهارا دعمها للشعوب المقهورة المتطلعة لنيل حقوقها السياسية والاقتصادية. . وعندما اندلعت ثورات الربيع العربي، أكدت لندن مساندتها لشعوب تونس ومصر وليبيا واليمن وحتي سوريا في كفاحها ضد حكامها الطغاة وتصادف ان جزءاً كبيراً من اموال هذه الشعوب التي نهبتها انظمتها الفاسدة السابقة قد وجدت طريقها الي ملاذات آمنة في بريطانيا سواء في صورة ارصدة بنكية او شركات او عقارات او غيرها. ووجدت حكومة بريطانيا نفسها في مأزق صعب بين شعاراتها الرومانسية التي ترفعها تأييداً للشعوب وبين مصالحها التي تتمثل في حماية اموال الطغاة السابقين المودعة لديها وامكانية الاستيلاء عليها ، خاصة اذا لم يجرؤ لصوص الشعوب علي المطالبة بهذه الاموال المسروقة.. وكان الحل الذي توصل اليه دهاة السياسة والاقتصاد الانجليز هو وضع كل العراقيل المشروعة وغير المشروعة امام أي محاولة لإعادة هذه الاموال المنهوبة.حتي ولو أدي ذلك الي حماية اللصوص ورموز الفساد. . وخلال العامين الماضيين، فشلت سلطات الثورة المصرية، علي سبيل المثال، في اقناع المسئولين البريطانيين بالكشف عن اموال مصر المنهوبة وكان رد لندن المعتاد علي كل المطالبات المصرية بهذا الشأن هو ان كشف هذه الاموال هو مسئولية المصريين وفقاً للقوانين البريطانية ! واخيراً، تكرمت لندن وابلغت مصر انها جمدت 85 مليون استرليني من ارصدة مبارك ورموز نظامه الفاسد ولكنها لن تتمكن من اعادة الاموال المنهوبة لمصر لاعتبارات قانونية تتعلق بقوانين الاتحاد الاوروبي ! ووجدت السلطات المصرية نفسها تدخل في متاهات روتينية واجرائية تجعل من الصعب ان لم يكن من المستحيل استعادة هذه الاموال.. وبلغ عدد الطلبات التي قدمتها مصر لبريطانيا من اجل الحصول علي مساعدة قضائية 25 طلبا تعاملت معها بريطانيا بطريقة "ودن من طين واخري من عجين" واضطرت وزارة العدل المصرية الي رفع قضية امام المحكمة الادارية العليا لإجبار الحكومة البريطانية علي تقديم معلومات حول الاموال المنهوبة وتبحث مصر ايضا امكانية اللجوء الي القضاء البريطاني لمطالبة حكومة لندن بالتعاون مع المصريين لاستعادة حقوقهم.. وجاءت زيارة جيرمي براون وزير الدولة البريطاني لمنع الجريمة للقاهرة لنكتشف ان كل ما تسعي اليه بريطانيا هو استهلاك الوقت وارضاء المصريين بعبارات جوفاء توحي بتحرك القضية ولكنها مجرد حركة في المكان او "خطوة تنظيم" بالتعبير العسكري الشهير.. هذا الموقف البريطاني المشبوه، يرهق الجانب المصري ويكلفه نفقات باهظة كان يمكن توفيرها لو تعاونت بريطانيا. وفي مواجهة هذا الموقف غير الاخلاقي ، لم تجد بريطانيا ما تفعله سوي الادعاء بانها تشكل لجنة خاصة لبحث الإجراءات القانونية اللازمة لاعادة الاموال المنهوبة! ويري الخبراء ان المشكلات القانونية التي تتحدث عنها بريطانيا هي مجرد ذريعة للتقاعس عن اعادة الحقوق لاصحابها وحماية لصوص الشعوب ليس في مصر وحدها بل في كافة البلدان الربيع العربي.. فأي قوانين تلك التي تمنع توفير كل المعلومات حول اموال الشعوب المنهوبة؟ اي قوانين تمنع اعادة الحقوق الي اصحابها وتقديم اللصوص الي العدالة؟ انها ببساطة نفس القوانين التي سمحت لبريطانيا العظمي بإعلان وعد بلفور المشئوم لاقامة دولة لليهود في فلسطين عام 1917. وهي نفس القوانين التي سمحت لبريطانيا باحتلال مصر لمدة 70 عاماً وقيادة العدوان الثلاثي ضد مصر عام 1956. وهي ايضا التي سمحت لها بالمشاركة في غزو العراق عام 2003 وقتل وتشريد ملايين العراقيين دون اي سند من الشرعية. هذه القوانين الظالمة يصفها البسطاء بأنها "قوانين سكسونيا".. وكم من الجرائم ترتكب باسمك ايها القانون!