هكذا الاحداث التاريخية التي تغير مسار الدول لا تبهت بل قد تزداد لمعة وبريقا بمر الزمن فتصبح مصدر إلهام للشعوب .. ومجد تحرير الارض بدأ من حرب عبور الهزيمة، والزلزال الذي أعقب في اسرائيل والغرور الذي انكسر وأوهام قوة لا تقهر وتهرأت .. هذه المعاني اوقع ما تكون عندما تصدر عن اسرائيليين في لحظات الصدق ومصارحة النفس. ((يوم كيبور 1973. ألزم البيت مثل كل الاسرائيليين في مثل هذا اليوم. لا سيارة تتحرك ولا أحد يخرج ولا يتجول في شارع أو طريق. فجأة تدوي سارينة الانذار. صوتها مرعب بين هذا الصمت والسكون، يولول، في أذني كما لو أتي من عالم آخر .. من النافذة شهدت حركة غير معتادة، عربات عسكرية تسرع، اناس بلباس عسكري، زئير طائرات ، حتي الراديوالذي يشاركنا الصمت نطق فعرفنا ان حربا بدأت ... كنت ذلك الحين رئيسا لتحرير مجلة »هاعولام هازيه« وعضوا بالكنيست الذي كان باجازة وسط حملة انتخابات .. )) يقول ( يوري أفنيري) السياسي والصحفي والكاتب الليبرالي ((الحدث المحفور في ذاكرتي لا يمحي كغالبية الاسرائيليين، ما شاهدنا علي الشاشة لعشرات من جنودنا جاثمين صفوفا علي الأرض والأيدي معقودة فوق الرؤوس المنكسة، فأن نشهد جنودنا في تلك الحالة المزرية ، معفرين غير حليقين وفي حالة بؤس لايعرفها غير أسري الحروب ما لم يخطر لنا من قبل .. خيم لحظتها وجوم تام، أعقبه ذهول للحظات ثم أفقنا علي الواقع الماثل، أدركنا ان أسطورة السوبرمان الاسرائيلي، ذلك الجندي الذي لا يهزم ولا يقهر، قد اهترأت وتهتكت .. هذه الأسطورة أصبحت هي الضحية لحرب يوم كيبور ... أسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر تمزعت مع المشهد المهين لأسري بلا حول وصورة لم تتزحزح من ذاكرتي ..)) حرفيا طبق الأصل ثم يقول: ما ان انتهت الحرب الا واندلعت معركة الجنرالات. خناقاتهم دمرت هيبة لم يستعيدوها كاملة منذ ذلك الحين .. قبلها كانوا معبودي الجماهير، امع ذلك علي عكس توقعات الكثيرين ظل للجيش قبضته الخانقة علي السياسة .. لكن التمزق النفسي أعقبه شرخ سياسي، جيل جولدا مائير ترك المسرح وحل مكانه جيل اسحاق رابين ثم ... لم يمر اكثر من ثلاثة أعوام ونصف العام بعدها الا وحدث مالا لم يكن يصدقه عقل (بنص كلماته) امسك بالسلطة قائد المعارضين الدائمين: مناحم بيجن ... ثم يقول: اهم انجاز لبيجن كان السلام مع مصر وتلك نتيجة مباشرة لحرب يوم كيبور التي يطلق عليها العرب حرب رمضان .. فقد استعاد المصريون كبرياءهم وهذا ما جعل السلام ممكنا ..) ننتقل الي هذه الأيام الاخيرة والصحف الاسرائيلية مليئة بما يطلقون عليه دروسا من حرب يوم كيبور ، والوثائق التي أفرجت عنها اسرائيل يومي الاثنين والثلاثاء الماضي بعد 37 عاما من الحرب، تتناول ثمانية اجتماعات للقيادة السياسية والعسكرية علي مدي الأيام الأربعة الاولي للحرب، تكشف مدي التخبط الذي طال القيادة الاسرائيلية ذلك الحين ،تصف صحيفة هاارتز تلك الايام بانها التجربة الأصعب في تاريخ اسرائيل .. أهم ما دفعني لقراءة الوثائق المنشورة هو البحث عن معلومة موثقة لما سبق ونشر مرارا عالميا عن اتجاه اسرائيل الي استخدام سلاحها النووي في ايام الذعر الأولي من الحرب ... وما توقفت عنده من الوثائق المنشورة، أن في يوم 9 اكتوبر، بعد يوم واحد من ضربة المقابل التي شنتها اسرائيل وقامت بصدها القوات المصرية بكفاءة عسكرية مشهودة، (عقدت جولدا مائير اجتماعا علي مستوي عال في مكتبها، والصورة العامة للموقف الاسرائيلي قاتمة ،والخسائر جسيمة، والذخيرة والأسلحة تكاد تنفذ .. وفي الاجتماع اندفعت مائير بانفعال معلنة أن لديهاcrazy idea أي فكرة مجنونة او متهورة لا تريد ان يعلم بها احد ولا مجلس الوزراء .. الصحف الاسرائيلية تفسر الفكرة بأنها تقصد الزيارة كالبرق لمقابلة نكسون في واشنطون، وعموما الزيارة لم تحدث انما الغرض منها تم بالجسر الجوي والبحري للأسلحة الامريكية ... وتفسر صحف أن الفكرة المجنونة كانت ضرب مواقع داخل دمشق .. أما اذا وضعنا في الحسبان تحذير دايان عن احتمال تدمير »الهيكل الثالث« أي دمار الدولة الاسرائيلية، سنجده التفسير الأرجح لما ذهبت اليه مائير من فكرتها المجنونة هو استخدام السلاح النووي كملجأ اخير، ومصادر أنباء عالمية شتي علي مر السنوات وكتب نشرت تؤكد هذه المعلومة وهي ان اسرائيل وضعت سلاحها النووي علي أهبة الاستعداد لاستخدامه عندما أخذت هزيمتها امام القوات المصرية تلوح في الأسبوع الاول من الحرب .. وهذا التلويح هو ما جعل نكسون يسارع بإرسال السلاح جسر السلاح الي اسرائيل ... في ظني أن هذا هو الاحتمال الارجح للفكرة المجنونة التي خطرت لمائير وجاءت في الوثائق دون تفسير أو بعد مسح أي اشارة وتفسير بهذا المعني والا فلماذا اذن حرص اسرائيل علي انتاج سلاح نووي في المقام الاول، ولم كل هذه الهستريا لاحتمال حيازة أي دولة غيرها في المنطقة لامكانيات نووية ؟ ان ما يعزز هذا الاعتقاد لدي ان صحفا اسرائيلية نشرت ان وثائق الاجتماعات الثمانية التي انعقدت في الايام الأربعة الاولي قد تم عرضها قبل الافراج عنها علي الرقابة العسكرية والتي مسحت القليل منها لأسباب امنية ... وفي ظني أنهم مسحوا كل ما يخص »اسلحة يوم القيامة« كما يطلقون علي يوم يستخدم فيه السلاح النووي... ونحن باستلهام التراث اليهودي نضيف صيحة شمشون علي وعلي اعدائي .. فلا جاني ولا ضحية ولا منتصر او مهزوم في حرب نووية كليهما هالك!