مجدى عبدالعزىز ما يحدث الآن في مصر من أحداث مؤسفة يمثل ضرراً بالغاً بسمعتنا الدولية ويضعنا في موقف حرج أمام العالم بعد أن أشاد بثورتنا ووصفها قادة الدول الكبري بالعمل الثوري النموذجي المبهر وتمني البعض منهم أن يحتذي كل ثائر حر بما فعله المصريون في بلادهم عندما اقتلعوا جذور الفساد بأسلوب ديمقراطي يعكس حضارة عريقة لأمة أرست قواعد ونظم إدارة الحكم علي ضفتي النيل منذ فجر التاريخ وهو ما استفاد به غيرنا من الشعوب في شتي ربوع الأرض وهي تبني نظامها السياسي وهياكلها ومؤسساتها الداخلية والخارجية. والمؤسف في الأمر أننا تخلينا عن ريادتنا في كيفية إدارة مقاليد الدولة ووضع جميع تشريعاتها ونظمها الحاكمة لدواوينها ليتقدم غيرنا ويقوم بالتطوير والتحديث ووضع الآليات والمفردات التي تبني علي أساسها أركان الدولة التي تسعي لبناء حضارتها ونهضتها العلمية والتكنولوجية وهي الأشياء التي باعدت بيننا وبين ملاحقة ركب التنوير وبناء أعمدة الدولة الحديثة وممارسة قواعد اللعبة السياسية علي أسس ديمقراطية سليمة. ونتيجة لهذا التخلف الذي أصاب مصر منذ آلاف السنين وتعرضها للسلب والنهب من قوي استعمارية بغيضة استنزفت مواردها لمئات السنين وكان آخرها احتلال انجليزي جثم علي صدورنا 07 عاماً إلي أن جاءت ثورة يوليو وكان لها ما لها وعليها ما عليها وتولي أمرنا أربعة زعماء من المؤسسة العسكرية العريقة، فكان محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك إلي أن جاءت الثورة المجيدة واستبشرنا بها خيراً وأنهت عصر الظلام والذل والتخلف وجففت منابع الفساد الذي استمر علي مدي 30 عاما ووصل لسدة الحكم أول رئيس مدني منتخب بإرادة شعبية حرة ونزيهة وأخذنا في تصحيح مسارنا الديمقراطي وتعلقت أنظار العالم بالتجربة المصرية وأيدتنا في خطواتنا الإصلاحية كبري المؤسسات الاقتصادية الدولية ووافقت علي مساعدتنا بشرط أن تتوافر عوامل ودعائم الاستقرار والهدوء في الشارع السياسي وأن يسود الأمن والأمان في كل ربوع البلاد حتي تأتي الأموال وتقام المشروعات الاستثمارية وتدور عجلة الإنتاج وتضاعف مواردنا وتزداد صادراتنا ويقل العجز في الموازنة العامة للدولة ويرتفع مرة أخري الاحتياطي النقدي في البنك المركزي.. وهي أشياء بكل أسف لم تحدث، بل جاء ما هو الأسوأ حيث انخفضت قيمة الجنيه المصري وتدهورت أحواله وسادت الفوضي السوق النقدي وانهارت السياحة وقلت صادراتنا وزادت أعباء الديون الداخلية والخارجية وانعدم الشعور بقوة جبهتنا الداخلية مع انهيار جهاز الشرطة وتفتيت وحدتنا كشعب عاش منذ بدء الخليقة في نسيج واحد لا يعرف الاحتقان أو التعصب أو ا ستخدام لغة العنف في حواره مع الآخر الذي هو ابنه وشقيقه وابنته وأمه ووالده وعمه وخاله وجاره وناسه وأهله ومحبوه ومريدوه. وبعد مرور عامين من ثورتنا المجيدة وبعدما قطعنا شوطا كبيرا في إعادة بناء مؤسسات الدولة وجهازها الأمني عادت موجات العنف تطل برأسها علي أهالينا وناسنا في أجزاء كثيرة من الوطن وحدث ما حدث في مدن القناة الثلاث بورسعيد والسويس والاسماعيلية علاوة علي تفاقم الأوضاع في عدة محافظات أخري كالاسكندرية والغربية ودمياط والشرقية مع استمرار توهج واشتعال القاهرة بشوارعها وميادينها المهمة واختلال موازين القوي بين منظومة الحكم وقيادات المعارضة والتلاسن المستمر بين أصحاب الرأي والرأي الآخر مما أفقد الدولة هيبتها ومكانتها ووضع سمعتها في مهب الريح بين دول العالم الذين أصابهم الذهول مما يحدث علي أراضينا خاصة بعد أن ظهرت ميليشيات »البلاك بلوك« التي زادت من حالة الاحتقان حيث اختلط الحابل بالنابل علي حد مثلنا الشعبي الشهير فلم يعد الخطر يأتي من البلطجية واللصوص وقُطاع الطرق وصائدي الأبرياء بالرصاص المطاط والخرطوش بل أصبح هناك سم قاتل يختبئ بين جدران وأسفلت الشوارع والحواري وداخل حدائقها وفوق أشجارها وعلي سطح نيلها الخالد. يا سادة حرام عليكم سمعة مصر وكفانا خرابا ودمارا وسرقة ونهبا وتخوينا وترويعا للأبرياء وتطفيشا لسياح جاءوا إلي بلادنا بحثاً عن دفء شمسها وشهامة شعبها وأصالة أبنائها وكنوز آثارها وسحر نيلها ونسيم جوها وعطر مساجدها وكنائسها وصفاء سمائها فأصابهم الرعب والفزع وفروا عائدين إلي بلادهم. يا سادة متي تستيقظ ضمائركم وتستردوا وعيكم المفقود ويعود الرشد إلي عقولكم المغيبة وتتنبهوا إلي مصر التي هانت عليكم إلي هذه الدرجة وقذفتموها بالطوب والحجارة والخرطوش دون مراعاة للحرمات والأعراف والتقاليد الدينية والحياتية الموروثة منذ النواميس الأولي لهذا الكون إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. يا سادة حرام عليكم مصر أفيقوا من غفلتكم وقبلوا ترابها وصلّوا إلي الله أن يغفر لكم كل ذنوبكم وخطاياكم نحوها واطلبوا منه سبحانه وتعالي السماح والمغفرة مثلما يفعل الابن العاق عندما ينسي فضل أمه عليه ويعض أصابع الندم علي ما اقترفه من سوء الأدب في حقها. يا رب احفظ لنا مصر واكشف عنها الغمة وأعد إليها أمنها وسلامها وتماسك شعبها.