لم تكن الزيادة في حجم الإنفاق علي شبكة الضمان الاجتماعي خلال العقود السابقة علي ثورة يناير سوي رغبة الحكومات في البقاء وليس تحقيق العدالة الاجتماعية! بدلاً من تقديم الحقوق الاجتماعية للمواطنين وتمكينهم من ممارسة المواطنة بشكل نشط وفعال بالمشاركة والمحاسبة، أصبح نظام الضمان الاجتماعي أداة للتصدق والإغداق علي الفقراء بتوزيع المنافع في صورة سلع وخدمات لكسب رضائهم عن الحكومات وأدائها! وهكذا قام النظام السابق بتحويل الفقراء إلي »شحاتين« يتلقون الصدقات من الحكومة تلو الأخري حتي قامت الثورة رافعة شعار »عيش حرية عدالة اجتماعية«. تلك باختصار شديد رؤية »حريمي« بالصدفة البحتة لمجموعة من أستاذات وخبيرات اقتصاد طرحنها في »ورقة عمل« خلال لقاء عقده منتدي شركاء التنمية، لتكون بمثابة ورقة من أوراق غير حزبية للثورة المصرية حول مواجهة الفقر والنهوض بالعشوائيات في مصر الديمقراطية. هو الفقر الذي يمكن تسميته ب »الفقر الدكر«! رجل واحد فقط جلس علي منصة منتدي شركاء التنمية هو د. مصطفي كامل السيد المدير التنفيذي للمنتدي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكيةبالقاهرة.. جلس الرجل علي المنصة وإلي يساره كل من د. هناء خير الدين أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة ود. هبة الليثي أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة وغادة والي مديرة الصندوق الاجتماعي للتنمية وإلي يمينه كل من: د. هانية شلقاني الأستاذة بمركز الدراسات الاجتماعية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة ود. عزيزة عبدالرازق الأستاذة بمعهد التخطيط القومي.. ومع هؤلاء كان هناك حشد من المهتمين بالشئون الاقتصادية مثل د. علي عبدالعزيز سليمان عضو هيئة التدريس بكلية إدارة الأعمال والاقتصاد بالجامعة البريطانية في مصر ود. مختار الشريف أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة ومعهد بحوث الصحراء ود. مصطفي بيومي الأستاذ بجامعة كاليفورنيا ومحمد قاسم رئيس الشركة العالمية للتجارة. القضية بالغة الأهمية ألا وهي قضية الفقر والعشوائيات.. كما قال د. مصطفي كامل السيد، ومواجهتها تحتل مكانة بارزة لأي حكومة رشيدة، فهي بداية من بين مطالب ثورة يناير، ومن ثم لن يحقق المصريون مطالب ثورتهم بدون القضاء علي الفقر، ولن يحصل المصريون علي الخبز والعدالة الاجتماعية بدون وجود آليات وسياسات حكومية واضحة لعلاج الفقر والنهوض بالعشوائيات. وفي هذا السياق أطلق منتدي شركاء التنمية مشروعاً بحثياً تحت عنوان »أوراق غير حزبية للثورة المصرية« دعا إليه مجموعة من الخبراء في مختلف المجالات، يمكن أن تفيد صانع القرار بعد الثورة، خاصة أن مشكلة الفقر في مصر وصلت إلي مرحلة حرجة توشك علي نشوب ما يعرف ب »ثورة الجياع«.. اللهم احفظنا منها ومن شرورها! والحل كما قالت د. هناء خير الدين لا يتحقق بما كان ومازال يحدث للأسف الشديد حيث تحول الفقراء إلي »شحاتين« لا يتحملون عبء التنمية. وأضافت قائلة: المهم أن يتحول الفقراء إلي عناصر منتجة وليس مجرد أفراد يتلقون الصدقة من خلال دعم الخبز أو الضمان الاجتماعي. وأشارت إلي أن الفقر دأب علي الزيادة المطردة منذ نهاية القرن الماضي حيث ارتفع من 7.61٪ عام 9991 إلي 6.91٪ عام 5002 ثم أصبح 6.12٪ عام 9002 حتي بلغ 2.52٪ عام 1102 وهو ما يعادل 12 مليون نسمة لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغير الغذاء!.. وقالت د. هناء: إن الأمر الأخطر يتمثل في تدهو الوضع بعد الثورة حيث أصبح الجميع لا يفعلون شيئاً سوي الاحتجاجات! وأوضحت أن الحكومات السابقة كانت تهتم بتوزيع الخبز وبعض السلع بالبطاقات بسعر أقل من سعر التكلفة ومع ذلك لم يكن أحد »مبسوطاً« في ضوء تدهور الأحوال المعيشية! وهنا تؤكد ضرورة عدم توجيه الدعم إلا لغير القادرين، والباقي يتم تشجيعهم للحصول علي عمل ملائم فلا يصح أن يصبح الجميع »شحاتين«! وفي نفس السياق تؤكد د. هبة الليثي علي وجود فقير من بين كل أربعة مواطنين خلال عام 1102، وتزداد هذه النسبة في محافظات الصعيد عنها في الدلتا والقاهرة. وقالت إن 5.75 مليون مواطن بالريف ثلاثة ارباعهم فقراء بنسبة 8.37٪، كما يعيش 35٪ من الفقراء في ريف الوجه القبلي! وأوضحت أنه لولا المساعدات الاجتماعية لارتفعت نسبة الفقر بنحو 1٪ ولولا المعاشات التأمينية لارتفعت نسبة الفقر بنحو 5.7٪. وتطرح د. هبة الليثي تفاصيل ما جاء بالدراسة البحثية مشيرة إلي أن شبكة الضمان الاجتماعي في مصر اتسعت لتشمل جميع المواطنين، ففي العقود السابقة علي ثورة يناير 1102 كان الانفاق العام الاجتماعي مرتفعاً، ولعل السبب في ذلك هو رغبة الحكومات في البقاء وليس تحقيق العدالة الاجتماعية، فاتسع نطاق الضمان ولكنه فشل في القضاء علي الفقر والتقليل من التفاوت في توزيع الدخول وفشل في تشجيع المواطنة وتحقيق الفاعلية في الانفاق الاجتماعي. وقالت إنه لعل أكثر السمات إضعافاً للنظام الحالي للمساندة الاجتماعية هي نقص المصداقية والفعالية في تحقيق المستهدف منها وهو عدالة التوزيع، حيث تتمثل أهم مشاكل نظم الرعاية الاجتماعية حالياً في الاهتمام بتقديم السلعة أو الخدمة دون الاهتمام بأسلوب تقديمها، وكذا تقديم السلعة أو الخدمة دون الاهتمام بالرقابة والمتابعة.. وقد ترتب علي ذلك تبعية المستفيد وتواكله وعدم تشجيع المبادرات الاجتماعية والاعتماد علي الذات لتحقيق الحماية. كما أن النظام الحالي يشجع الاستهلاك بدلاً من الادخار، بالإضافة إلي كون هذا النظام يعتمد علي بيروقراطية ضخمة تمتص جانباً كبيراً من الموارد! والحل هو إيقاف النظام الحالي والاستعاضة عنه بأساليب بديلة أخري تستهدف الحماية الصحية الأساسية للجميع وحصول جميع الأطفال علي دخل يحقق لهم علي الأقل احتياجاتهم عند خط الفقر من التغذية والتعليم والرعاية الصحية، وكذا حصول الجميع علي حد أدني من الدخل . الأمر إذن يحتم برامج وقاية من الفقر.. كما قالت د. هانية شلقاني وليس مجرد نظام »توزيع اللي عندي وربنا يسهل«! وأضافت مؤكدة وجود جمود في الفكر فيما يتعلق بالحماية الاجتماعية بجانب مشكلة عدم توافر المعلومات، فالموظف لا يخطط وفقاً لمعلومات لديه، بل ينفذ تعليمات السيد الوزير! وأشارت إلي حقيقة تقول إن الفقر لن ينتهي ودائماً سوف يكون هناك ناس أفقر من الآخرين، ولكن من المهم ألا يرتبط الفقر في مصر بأطفال الشوارع وجهل ومرض!! ومن جانبها أشارت د. عزيزة عبدالرازق إلي قضية العشوائيات قائلة إن الفقراء في الحكومات السابقة لم يكن لهم الحق في السكن الآدمي، وكانت هناك إشارة بأن يتولي الفقراء بأنفسهم أمر السكن الخاص بهم، باختراق القوانين والبناء المخالف علي أراضي الدولة الزراعية والصحراوية مما نتج عنه توسع المناطق العشوائية.. فكلما زاد التهميش من قبل الحكومات زادت العشوائيات التي وصل عددها إلي نحو 1221 منطقة تضم 2.21 مليون نسمة وفقاً لأرقام 7002 الخاصة بجهاز الإحصاء، لكنها حالياً أكبر من ذلك بكثير والاقتصاديون يقولون إنها تضم نحو 02 مليوناً علي الأقل! وبدورها أكدت غادة والي علي الدور الذي يقوم به الصندوق الاجتماعي وحرصت علي جزئية التشغيل من خلال القروض الممنوحة للمشروعات الصغيرة بالتعاون مع الجمعيات الأهلية. وقالت إنه مع بداية يناير القادم يتم تنفيذ برنامج تشغيل ضخم يمول من حصيلة دعم مؤسسات عالمية مانحة لمصر.! قضية الفقر إذن في غاية الأهمية والخطورة وإهمالها أمر لا يحمد عقباه.. والعشوائيات هي الأخري تحتاج نظرة واعية.. والأمر يحتم الاستفادة من تجارب دول عديدة مثل الهند والبرازيل والصين وإيران وغيرها من الدول التي حاربت الفقر لتحسين أوضاع مواطنيها وليس لمجرد رغبة الأنظمة السياسية وحكوماتها في البقاء أطول فترة ممكنة!