لقد علمت الثورة المصريين القدرة علي الرفض بما لا يقنعهم.وفي استفتاء مارس الشهير قلت لا للانتخابات اولا. وفي استفتاء ديسمبر اقول لا للدستور. وهذا الرفض ليس من اجل الرفض او كراهة في الرئيس وجماعته. بل اقولها ويقولها غيري حبا في مصر وحبا في ارادة الثورة. وبعد قرابة اكثر من عام ونصف العام علي لا الاولي تبين ان فكرة الانتخابات اولا والتي وقف وراءها تيار الاسلام السياسي كانت بإيحاء من الامريكان للمجلس العسكري علي طريقة ايحائهم للعراق بغزو الكويت. ولكن يبدو ان هذه الحالة قد تمكنت منا نحن المصريين. ووصلنا الي حالة الانقسام والاحتراب في الشارع المصري. وسال الدم المصري علي بنود مشروع الدستور. فأصبحت بنوده ملوثة بالدم. ولم نصل فيه الي حد التوافق الذي يجعل يوم الاستفتاء يوم احتفال وبهجة بل تحول الي يوم تربص وتنمر ورغبة بالفتك بالآخر ايا كان. وكل دساتير العالم المتحضر تكون دليلا لشعوبها من أجل بناء المستقبل. والواضح من مواد الاختلاف في دستورنا المخضب بدم الشباب ان هذه الامة لا تعي ان المستقبل للاجيال الصاعدة وليس للأجيال الآفلة. واذا كان اهل الجماعة والجمعية التأسيسية يصرون علي ان مواد هذا الدستور سوف تنقل مصر نقلة حضارية. فهذا رأي ورؤية جميلة ولكنها لا تعبر إلا عن وجهة نظر اصحابها. لان هناك في مصر من لايري هذا. ويري ان في هذا الدستور ما لايقل عن 20 مادة عليها خلاف واضح. وهناك الكثير من المواد التي تحمل في داخلها سما زعافا سوف تترجمه القوانين اللاحقة الي قيود وعقد ستكبل المجتمع وتجعله مجتمعا احاديا معبرا عن تيار واحد. ويفقد المجتمع لغة الجماعة والاتفاق علي رؤية متفق عليها للمستقبل. بل سيظل هذا الدستور اذا حاز علي نسبة اغلبية النصف زائد واحد مثيرا للجدل ومعمقا للخلاف بين تيارات المجتمع. وسوف نفقد احلي ما في المصريين من سماحة وود وعيش مشترك. واذا كان البعض منا يري ان اللجوء للصناديق سوف يحسم الجدل والخلاف. فهذا حق يراد به باطل حيث ان الصناديق سوف تزيد وتعمق الهوة. ولن تكون ملجأ للديمقراطية بل دعوة للفرقة والانقسام. لان الاساس في الدساتير الوفاق والاتفاق وليس المغالبة. واذا كنا قد فشلنا في الاتفاق ولم الفكر والرأي علي دستور يوحد ولا يفرق ولا يشتت. فإن الامر هنا يرجع لادارة عملية صناعة الدستور والتي ترتكن علي مباديء خفية ورؤي كانت تصدر من تحت طاولة الجمعية التأسيسية. واذا كان هناك من كان يصنع الدستور من علي بعد. فإن مستقبل ودليل الرؤية للمصريين قد تم التلاعب به وفيه. والتاريخ لن يغفر لمن يريد احتكار المستقبل. والمفارقة ان هناك من يبشر بالقدرة علي تعديل وتغيير المواد الخلافية. ويعول علي مجلس الشعب الجديد آسف مجلس النواب والمفارقة ان الدستور الجديد يمكن ان يصدر بأغلبية واحد زائد النصف من الحضور. اما التعديلات في المجلس الجديد فتتم بأغلبية ثلثي المجلس ثم الاستفتاء مرة اخري. ولكن مع كل الاحوال دستور مصر يجب ان يعبر عن كل المصريين. وان يكون يوم فرحة وبهجة وليس يوما للريبة والتحفز. إنه لحظة كاشفة. لن يحسمها عودة الجيش من ثكناته بل يحسمها وعي الشعب وقدرته علي الحلم وحماية الثورة وحماية مستقبل الاجيال التي سوف تحاسبنا علي ما نخطئ به في حق مستقبلهم ومستقبل مصر؟!!.