الحوار المجتمعي، لم يعد مقصورا علي الحوارات المعلن عنها إعلاميا، بل تجاوزته إلي أبعد من ذلك بكثير، فقد أصبح هذا الحوار قاسما مشتركا بين أبناء هذا المجتمع، وأصبح الحراك السياسي ملمحا أساسيا للشارع المصري، ولم تعد تختص به فئة عن أخري، ولم تعد للنخبة الانفراد أو الاستئثار بالرؤية والطرح، وهذا ما جعل المصريين - علي اختلافهم - مشغولين بمستقبل بلدهم، وهو ظاهرة صحية، أرستها ثورة 25 يناير، وجعلتها منهج حياة. ما يشهده الشارع المصري من حيرة، واختلاف في الرأي والرؤي، بات محركا لوجدان هذا الشعب وهو اليوم أمام لجان الاستفتاء علي الدستور، مما يحتم عليه إعمال الضمير الوطني في قولة حق، تسبق أيادي أصحابها قبل أن تمتد للإختيار بين "نعم" أو "لا"، وهذا الاختيار يستلزم إعمال "العقل" مع تغييب "العاطفة"، لأنه استفتاء علي اختيار خارطة طريق تعيد رسم مستقبل البلاد، وتحدد مسارات حياة الأبناء والأحفاد، فإن أصبنا الاختيار كان الخير، وإن أخطأنا تحملنا الجزاء. الاستفتاء علي الدستور.. هو يوم فصل في تاريخ الأمم.. ويومنا هذا هو بداية الطريق لوضع مصر علي نهج الديموقراطية الحقة، وفي هذا الشأن وصلتني رسالة من المهندس الزراعي محمد ياسين من الأخيوة شرقية، والتي قال فيها: "إذا كان لنا تحفظ علي إدارة الإخوان المسلمين - سواء كانوا المنتمين إليها، أو المشاركين من حزبها الحرية والعدالة، كونه الجناح السياسي للجماعة - مصحوبا بشراكة سياسية من التيار الإسلامي، والأحزاب والجماعات المعبرة عنه، فإنني أري أنها بداية تجربة، لم يمض عليها سوي شهور قليلة، لم يكتمل وضوح ملامحها، رغم أنه لا يمكننا تبرئتها من الأخطاء الكثيرة التي جانبها الصواب في مؤداها، مما صدر ألما إلي الشارع المصري، وذهب به إلي تحفظ علي مساراتها، حتي طالت من شعبية رئيس الجمهورية، الذي اختاره الشعب عن قناعة بأنه قادر علي تحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية وتحقيق أهداف الثورة." ويستطرد المهندس الزراعي محمد ياسين كلامه، ويقول: " رغم هذا التحفظ الذي سوقته تشخيصا لملامح المرحلة الآنية، فإن مزيدا من العجب يساورنا نحن الشعب من المعارضة، سواء كانت أحزابا أو قوي سياسية، أو نخبة، يجعلنا نقف بمزيد من التأني لتدارس أحوالها، خاصة أنه من الغريب أن يقتصر أداء المعارضة في الرفض والانسحاب، والحشد للتظاهرات الرافضة، وأري أننا نحن الشعب كنا ننتظر منها أداء مغايرا لما سلكته، فكنا نظنها تكون أكثر إيجابية، وأصدق فعلا علي أرض الواقع، فمن يصدق أن تلك المعارضة بما اشتملت عليه من نخبة، تسلك مثل هذا السلوك الذي نري أنه أداء غلفته السلبية، وأري أن إيجابية العمل الوطني كانت تستلزم أن تعكف تلك القوي السياسية علي الإعداد لدستور يتجاوز العورات التي إرتأوها في الدستور المطروح للاستفتاء، ولن يرحمهم التاريخ من تخاذلهم هذا في حق الوطن والشعب، فليس كافيا أن يقتصر دورهم علي النقد والتشكيك والرفض.. فالمعارضة التي يريدها الشعب هي الشريك المخلص الفاعل القادر علي طرح البدائل لتصحيح المسارات، وليست معارضة الضجيج الذي يعوق التنمية ويتركز آداؤها علي "الشو الإعلامي"، والسعي لخوض غمار التسابق علي الحشد، ليتحول الشارع المصري لساحة اقتتال بين أبناء شعب مصر، وما ألعنها من ساحة ". ويختتم المهندس الزراعي محمد ياسين رسالته: " اليوم.. المشاركة في الاستفتاء واجب وطني علي كل منا، يلزمنا إعمال العقل، للوصول للأصوب، لدعم الحراك السياسي، والخروج من دائرة الفراغ السياسي، للبدء في العمل من أجل التنمية والاستقرار.. وهذا الكلام موجه للجميع مؤيدين ومعارضين، فالبناء مشاركة تحتاج لكل السواعد، وصناعة مستقبل الأوطان، لا تدار بخلق معسكرات متناحرة.. ولست مع من يقول أن التصويت ب "نعم" سيكون بمذاق "لا"، ولكن الأكثر أهمية أن يكون الاختيار بصدق المخلص ليكون الخير للجميع".. انتهت الرسالة. صدق المهندس الزراعي محمد ياسين في تحليله ورؤيته للخروج من المأزق.. وتحيا مصر.