د.هشام الشخيبى رغم أن مصر لديها أعظم أنهار الدنيا ورغم أن المصري القديم منذ آلاف السنين كان يقسم وهو علي فراش الموت أنه لم يلوث مياه النيل لأن هذه الجريمة كانت تعد في عصر الفراعنة خيانة عظمي تستوجب القتل .. الا اننا مع الأسف نلوث النهر بسلوكياتنا الخاطئة وجهلنا بخطورة أفعالنا التي تجلب لنا الأمراض بل وتحصد أيضا الأرواح. 100 ألف حالة وفاة من بينها 17 ألف طفل .. 100 ألف حالة سرطان و35 ألف حالة فشل كلوي علي مستوي العالم .. هذه هي الحصيلة السنوية لشرب مياه ملوثة .. أما في مصر فهناك نصف مليون متسمم بمياه الشرب سنويا ، طبقا لأحدث الدراسات العلمية . هذه القضية كانت محور اليوم العلمي التاسع عشر للمركز القومي للسموم والذي عقد بعنوان " مياه الشرب بين التسمم والتلوث" وهي مشكلة ثقافة مجتمعية كما يراها د. هشام عطيه الشخيبي مدير المركز مشيرا الي عدم وعي المواطنين بأهمية تغيير مواسير المياه وتطهير الخزانات مما يجعل المياه غير آمنة رغم أنها تخرج نقية من محطات الشرب بالقاهرة الكبري مثلا. وقد أكدت د. هبه نصار نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة أن 25٪ من الأمراض تنتج عن تلوث المياه مسببة 10٪ من الوفيات سنويا بين المصريين .. وعلي الرغم من ان الدولة تنفق سنويا ما بين 11 الي 14 مليار جنيه لمكافحة تلوث المياه الا أن المشكلة لاتزال قائمة بسبب سلوكيات المواطنين وعدم تفعيل القوانين .. فهناك 61 مليار متر مكعب من الصرف الزراعي يلقي في نهر النيل سنويا وأكثر من 330 مصنعا تصرف مخلفاتها في النيل وحوال 1500 قرية في الصعيد تصب مخلفاتها في المصارف دون معالجة. وأضافت أن توعية المواطنين بأهمية الحفاظ علي المياه وحمايتها من التلوث أمر حيوي ويتم ذلك حاليا من خلال مبادرة من البرنامج الانمائي للأمم المتحدة داخل المدارس والجامعات. والكارثة كما أشار د. خالد الهنداوي وكيل كلية طب القاهرة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة أن تلوث المياه في مصر لم يعد مقصورا علي نهر النيل فقد امتد الي المياه الجوفية نتيجة الاسراف في استخدام المبيدات الزراعية والأسمدة وتعداها الي شركات المياه المعدنية ،ومن هنا يوجه هذا المؤتمر صرخة للجهات المعنية للتحرك سريعا من أجل ضمان مياه شرب آمنة ونظيفة. وأوضح د. محمود عمرو أستاذ الأمراض المهنية وطب الصناعات بطب القصر العيني ومستشار القومي للسموم بطب القاهرة أن 80٪ من الأمراض الشائعة سببها تلوث المياه وأخطرها الفشل الكلوي والكبدي واللذان تصنفهما منظمة الصحة العالمية باعتبارهما ظاهرة مصرية . كذلك أدي تلوث المياه الي زيادة ملوحة الرقعة الزراعية بمقدار الثلث وانخفاض الثروة السمكية في مصر بنسبة 90٪ فضلا عن التكاليف الباهظة التي تتكبدها الدولة لتنقية مياه الشرب لمواجهة المصانع الكبري التي تحولت الي مراكز تلوث مصرية . وأشار د. عمرو الي تجاوز تأثير المياه الملوثة صحة الانسان حيث إن مصر لم تصدر هذا العام أي منتجات زراعية بسبب تلوث المياه، وهذا يؤكد عدم مصداقية التقرير الذي أعلنه رئيس الوزراء مؤخرا بأن مياه نهر النيل صالحة للشرب والزراعة . واقترح د. عمرو بعض الحلول لمكافحة تلوث المياه في مصر منها اختيار تكنولوجيا رخيصة الثمن لتنقية المياه أو تصنيعها محليا حتي يمكن تعميمها علي مستوي الجمهورية وتشجيع الشركات والمصانع علي معالجة مخلفاتها قبل التخلص منها بمنحها قرضا يسدد علي 10 سنوات وانشاء قاعدة بيانات في كل محافظة للنشاط الزراعي وملوثاته بالاضافة لانشاء شبكة متطورة لرصد التلوث وتصميم وتصنيع محطات معالجة مصرية وعدم تجفيف البحيرات واستمرار تطهيرها. وأثار د. صلاح الحجار أستاذ الطاقة والبيئة ورئيس قسم الهندسة الميكانيكية بالجامعة الأمريكية نقطة هامة وهي أن التكنولوجيا الغربية تستخدم في 20٪ من محطات معالجة المياه ولكنها لاتصلح للتعميم لكونها باهظة التكاليف وتستهلك طاقة كهربائية عالية مشيرا الي ضرورة الاستعانة بالتكنولوجيا المعمول بها في البرازيل والهند لأنها لاتتكلف سوي 1٪ من المتاحة حاليا في مصر. كما أكد أن عدم كفاءة محطات المياه في مصر يرجع الي عدم استخدام الكربون النشط في التنقية لغلو سعره مشيرا الي امكانية تصنيعه محليا من المخلفات مثل قش الأرز وحطب القطن. وحذر د.سميح منصور أستاذ علم المبيدات والسموم البيئية بالمركز القومي للبحوث من استخدام فضلات الدواجن في المزارع السمكية مما ينتج عنه تلوثا وخللا في البيئة كما أن الملوثات العضوية الثابتة وأخطرها 12 مادة من المذيبات العضوية تسمي " الدستة القذرة"منها 9 مبيدات تفرزها صناعات الأدوية والأغذية والمنسوجات تشكل خطرا كبيرا علي صحة الانسان اذا تم التخلص منها في مياه النيل دون معالجة ، فهذه السموم ولو بكميات صغيرة تؤثر علي الجهاز المناعي للانسان وقد تصيبه باضطرابات في الجلد والجهاز العصبي وقد تؤدي الي الاصابة بالسرطان ، كما أنها تؤثر علي ذكاء الأطفال وتسبب تشوه الأجنة. ويمثل المخزون الراكد من هذه الملوثات في افريقيا قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت حيث يصل هذا المخزون في مصر وحدها الي 600 طن . ولهذا نصح د. منصور بتجنب تناول الرأس والجلد والأحشاء في السمك والابتعاد عن خيار الصوب وتقشير الخضراوات بعد غسلها كلما أمكن لأن 90٪من الملوثات تتركز في طبقة القشرة ، كما يفضل نقع الخضراوات لمدة 5 دقائق في 3 لتر ماء مضافا اليه فنجان صغير من الخل أو ملعقة صغيرة من بيكربونات الصوديوم. وبحثا عن حلول عملية لتلك المشكلة المزمنة كما وصفها د. هشام الخشيبي ، أوصي المؤتمر بضرورة تكاتف الجهود لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة وذلك بمخاطبة وزارة الصحة للتعاون مع وزارة البيئة لمتابعة أسباب تلوث المياه مع تطبيق القوانين الصارمة ضد المخالفين لردعهم . كما حث علي تكثيف الندوات في التجمعات كالنوادي والمدارس والجامعات لنشر الوعي البيئي ، الي جانب التركيز علي دور الاعلام للتوعية بأسباب تلوث المياه وتعريف الجمهور بالمواصفات العامة للمياه النقية والطرق الظاهرية لشكل تلوث المياه والأمراض والأضرار الصحية التي قد تنتج عنه. وكذلك عرض وسائل بسيطة لتنقية مياه الشرب في المنازل والتعريف بالاسعافات الأولية في حالات التسمم بالمياه وأعراضها.