«قوتك في عيلتك».. هكذا أرادت إحدي شركات الاتصالات تمرير هذه الرسالة عبر إعلانها الرمضاني، الذي استعانت فيه ب 12 فنانا بتكلفة 60 مليون جنيه. فهل ظهور هؤلاء الفنانين خدم تلك الرسالة ؟.. ماذا لو نفذتها الشركة بشكل عملي للإفراج عن الغارمات ؟.. أليس في ذلك تحقيق لمصدر القوة بلم شمل العائلة، وهو الهدف الذي يسعي الإعلان إلي ترسيخه، وتحقق الشركة بذلك أهدافها الترويجية ؟ هذه الأسئلة التي طرحتها إحدي صفحات الفيس بوك، بخصوص إعلان هذه الشركة، تصلح لأن تكون تعليقا علي أغلب الإعلانات الرمضانية، التي تغرد خارج سرب احتياجات المجتمع. د. حامد الهادي أستاذ علم الإجتماع بجامعة الزقازيق، يري أن هذه الإعلانات انعكاس لشكل من أشكال «التفسخ الاجتماعي».. ويظهر هذا التفسخ، في حالة من حالات التناقض التي يشعر بها كل من يتابع القنوات التليفزيونية، ويقول: «بينما نشاهد إعلانا يظهر فيها 12 فنانا، يدعونا إعلان آخر للتبرع لمستشفي السرطان».. ويضيف: «هذا تجسيد لحالة المجتمع المصري، والذي لم يعد طبقات، بل صار مجتمع شرائح، كل شريحة داخله، مشغولة بحالها». ويعود الهادي في تعليقه إلي مشهد شاهده قبل حلول شهر رمضان، لطفل يبحث عن الطعام وسط صناديق القمامة، وقال: «هل يستقيم أن نري هذا المشهد في بلد تنفق فيها إحدي الشركات ملايين علي إعلان واحد؟» حل وسط أما د. سامية خضر أستاذ علم الإجتماع بجامعة عين شمس.. تقول علي الشركات تنفيذ الإعلانات بالشكل الذي تريده، لكنها في نفس الوقت تطالبهم بالمسئولية الاجتماعيه تجاه البلد الذي يعملون به. ويتفق د. سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي مع الرأي السابق.. ويقول «المسئولية الاجتماعية يجب ألا تغيب عن ميزانيات الشركات، كما يجب ألا تغيب أيضا عن الفنانين المصريين».. ويضيف: «ونحن نطالب الشركات بالمسئولية الاجتماعية، يجب أن نطالب أيضا الفنانين الذين ظهروا في الإعلانات، فنحن نفتقد إلي وجود فنان أو فنانة مثل أنجلينا جولي، التي يمتد نشاطها الخيري إلي خارج مجتمعها ويصل إلي دول إفريقيا». استنساخ فج ومن جانبها، تري د. ليلي عبد المجيد عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الأسبق، أن الإعلانات التي تضم العديد من الفنانين ليست سوي استنساخ لفكرة قدمتها شركة لخدمات المحمول من عدة سنوات ونجحت حينها لأن مصر كانت في مرحلة عراك سياسي وكان المواطن يحاول الخروج من شرنقة الضغط والسلبية فوجد في الإعلان روحا جديدة. وتابعت: «لكن الإعلان هذا العام يأتي والبلد في مرحلة اقتصادية حرجة والمواطن الفقير يعاني من ارتفاع الأسعار، فحين يستمع للمبالغ التي تقاضاها الفنانون للظهور في الإعلان يشعر بالاستفزاز خاصة أن ميزانية الإعلان ضخمة جدا». وتشير د. ليلي، إلي أن هناك دورا اجتماعيا لكل الشركات الكبري فكان من الأفضل أن تشارك تلك الشركات في حل المشاكل الاجتماعية وبذلك يكون التأثير أكبر في الوصول لجميع شرائح المجتمع، لما سيشاهدونه من تأثير إيجابي لحل أزمات تواجههم بدلا من ظهور نجوم وفنانين نراهم يوميا في المسلسلات الرمضانية. ما ينفع الناس ويتفق د. محمد وهدان رئيس قسم الإعلام بجامعة الأزهر مع الرأي السابق، والذي يميل إلي أن توجيه أموال الإعلانات لعلاج مشكلات اجتماعية، سيحقق أهداف الشركات الترويجية بشكل كبير، عن انفاقها بالشكل الذي حدث هذا الموسم. ويطرح د. وهدان مشكلة الغارمات، كأحد أوجه النفع التي يمكن أن توجه لها أموال الإعلانات، وقال: «تخيلوا ماذا سيحدث لو أعلنت الشركة أنها حلت كل مشاكل الغارمات، بدلا من إنفاقها بالشكل الذي حدث هذا العام». وينطلق د. وهدان، من هذا السؤال إلي القول من المؤكد أن ما ينفع الناس هو الباقي، مصداقا لقوله تعالي «فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض».