لا أدري لماذا هذا الإصرار الغريب لدي بعض الأقلام الإخوانية علي اتهام حلقات »الجماعة« التي كتبها باقتدار شديد الكاتب الكبير وحيد حامد بأنها تحمل الكثير من الكذب والافتراء علي الرغم من أن تترات العمل تقدم في ظاهرة غير مسبوقة بالنسبة للأعمال الدرامية قائمة بأسماء المراجع والكتب والوثائق والدراسات التي اعتمد عليها المؤلف في كتابته لأحداث المسلسل الممتع الذي أمضينا معه 82 يوما من شهر رمضان الماضي وتوافرت له كل عناصر المتعة والفن والفكر. ومن وجهة نظري كناقد أؤكد أن وحيد حامد التزم بالحيادية والموضوعية في كتابته لحلقات »الجماعة« وكان بارعا في رسم خطوطه الدرامية ورسمه للشخصيات بدقة شديدة تتفق مع الحقائق التاريخية الثابتة التي حددت بوضوح كيف نشأت جماعة الإخوان المسلمين علي أيدي مؤسسها حسن البنا في عام 8291 وانطلقت النواه الأولي لها في الاسماعيلية. وكان من الطبيعي ان يستعرض وحيد حامد مشوار حياة حسن البنا منذ طفولته وحتي رحيله عن عمر يناهر ال 34 عاما علي ايدي أحد أفراد جماعته الذين استمدوا تعليماتهم وتعاليمهم منه وأسقطوه في »حفرة« العنف والاغتيالات الدموية نتيجة لمفاهيم خاطئة ابتعدت بالجماعة عن الخط الرئيسي لها والذي قامت علي اساسه في بدء الأمر وهو إعداد الناس علي أسس أخلاقية سليمة حتي يصبحوا قادرين علي المشاركة في بناء مجتمع قوي متماسك مؤمن بعقيدته عامل علي نشر رسالة الإسلام وفقا لمفاهيمه الخاصة في شئون الدعوة التي جند لها مجموعة من أنصاره آمنوا بأفكاره اثناء فترة عمله مدرسا في احدي مدارس الاسماعيلية قبل أن ينطلقوا بها لتشمل القطر المصري كله. وهكذا برع وحيد حامد في بناء حدوتته الدرامية التي يروي من خلالها قصة حياة حسن البنا وأهم محطاته الحياتية وما تخللها من قرارات ومواقف خرجت بالجماعة الي آفاق واسعة خاصة بعد تشكيل مجموعات كبيرة من »الشُعب« التي تهتم بشئون اعضائها المنتشرين في كل قري ونجوع ومراكز ومدن مصر وامتزجت في عملها بشئون السياسة والحكم تحت دعاوي مقاومة الانجليز ومحاربة المصالح الصهيونية في مصر، واتخذت العنف وسيلة لتنفيذ أفكارها عن طريق جهاز سري راح يعمل ضد المنشآت الاجنبية في بلادنا مما يزعزع الثقة في الحكومة وفي مدي قدرتها علي إحكام قبضتها علي مقاليد الأمور خاصة بعد انفلات الوضع الأمني. وظلت العلاقات كما أوضحها كاتبنا المبدع وحيد حامد تسير من سييء الي أسوأ بين حسن البنا وجماعته وبين أكثر من حكومة وفدية وسعدية حتي اضطر محمود فهمي النقراشي رئيس الحزب السعدي ورئيس الحكومة لإصدار قراره بحل جماعة الإخوان المسلمين بعد قيامها بسلسلة من الاغتيالات كان من أبرزها قتل المستشار أحمد الخازندار رئيس المحكمة التي أصدرت حكما بالسجن علي بعض أعضاء الجماعة الذين ثبت تورطهم في أعمال العنف والتخريب مرورا بأحداث أخري مؤسفة، وهو الأمر الذي بات مهددا لاستقرار مصر وهو ما ترتب عليه في نفس الوقت فرض عزلة اجبارية علي حسن البنا أصابته بحالة نفسية سيئة! وبدلا من تهدئة الأمور يقوم أحد افراد الجهاز السري للجماعة باغتيال النقراشي رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك عقابا له علي حل الجماعة ومصادرة كل ممتلكاتها وأموالها وتزداد الأمور سوءا وتأخذ في التدهور حتي يذوق البنا من نفس الكأس ويتم اغتياله امام مبني جمعية الشبان المسلمين التي كانت هي الملاذ الوحيد له بعد حل جماعته. ويحسب للمبدع وحيد حامد قيامه بكتابة نهاية الأحداث في الحلقة الأخيرة بإسدال الستار علي حياة حسن النبا وهو يردد بأنه لو عاد به الزمن الي الوراء لتفرغ فقط لنشر تعاليم الإسلام معتزلا العمل بالسياسة متنازلا عن أحلامه في كرسي الحكم وتكوين دولته التي عاش يخطط لها منذ فجر شبابه. وأتصور أن كاتبنا الكبير وحيد حامد سوف يستكمل في الجزء الثاني من حلقات »الجماعة« كيف صارت الأمور داخل تنظيمات جماعة الاخوان المسلمين بعد رحيل البنا وماهي العلاقة التي تمت بين ثوار يوليو في عام 2591 عقب قيام الثورة ولماذا بدأت الأمور بينهم بشهر عسل لم يستمر طويلا حتي جاءت حادثة »المنشية« الشهيرة في الاسكندرية عام 4591 عندما كان الرئيس جمال عبدالناصر يلقي هنا خطابا سياسيا مهما! وكما حدث في حكومة النقراشي باشا تضطر حكومة ثورة يوليو لحل جماعة الاخوان المسلمين ويتم اعتقال رموزهم وتستقبلهم السجون وتصدرالمحكمة احكاما رادعة ضدهم وصلت الي حد اعدام بعض قادتها، ولا شك ان تلك الفترة شهدت احداثا علي درجة كبيرة من الأهمية اتصور انها سوف تكون مادة درامية خصبة بين ايدي كاتبنا المبدع وحيد حامد لرسم بقية ملامح الصورة النهائية لتنظيم الجماعة عبر مشوار طويل من السنين استمر حتي يومنا هذا رغم ان نشاط الجماعة مايزال محظورا، ولكن اصبحت له روافد تعمل في الخفاء وتحت الأرض داخل البلاد أو في العلن خارج حدودنا في جميع انحاء العالم تحت مسميات كثيرة اتخذت من الإرهاب سلاحا لها لنشر افكارها المسمومة لاغتيال كل صاحب فكر حر ومستنير ولتدمير الاخضر واليابس في كل بلاد الله خلق الله مما اساء لصورة المسلمين في العواصم الأوروبية وأمريكا وغيرها من الدول الأجنبية الأخري. ومن الانصاف ان أهنئ كل فريق العمل في حلقات »الجماعة« بداية من السيناريو الرائع لوحيد حامد ومرورا بجهة الانتاج التي قدمت عملا دراميا شديد التميز والاحترام والرقي وقف وراءه ايضا مخرج موهوب صاحب قامة عالية خلف الكاميرا اسمه محمد ياسين نجح في اختياره لفريق من الممثلين أصحاب الاداء الرفيع مثل الاساتذة الكبار: عزت العلايلي وسامي مغاوري وسوسن بدر والراحل عبدالله فرغلي واحمد عزمي واحمد فلوكس ومحمد نجاتي وآسر ياسين وصلاح عبدالله وخليل مرسي وحسن الرداد ويسر اللوزي والنجم المفاجأة السوبر ستار إياد نصار الذي جسد ببراعة فائقة دور حسن البنا بجانب اسماء أخري كثيرة جاءت كضيوف شرف تمثل مشاهد صغيرة في هذا العمل الدرامي الناجح ومرورا بموسيقي عمر خيرت وديكورات أنسي أبو سيف والاضاءة والتصوير لوائل درويش وخالص تقديري مرة أخري للكاتب والسيناريست الكبير وحيد حامد المهموم دائما بقضايا أمته وهو كان ومايزال ضميرا صادقا معبرا عن هذه الأمة التي نذوب جميعا عشقا في ترابها الوطني حتي يرث الله الأرض ومن عليها.