لا شك أننا في مواجهة الفكر المتطرف والجماعات المتطرفة في حاجة ماسة إلي تحليل الخطاب الإخواني في ضوء معرفة طبيعة هذه الجماعة الإرهابية ونظامها السري وأجهزتها السرية بداية من الجهاز السري الذي شكله حسن البنا إلي الميليشيات التي شكلها خيرت الشاطر، إلي جانب العصابات التي شكلها مكتب الإرشاد في العقدين الأخيرين وبخاصة في عهد المعزول محمد مرسي. ولا يستطيع أحد أن ينسي مظاهر استعراض القوة بداية بما عرف بميليشيات الأزهر، مرورًا بحصار مدينة الإنتاج الإعلامي وتهديد الإعلاميين، وحصار المحكمة الدستورية، ومحاولات تعطيلها عن عملها، مع ما عرف به تاريخ الجماعة من اغتيالات وتحالفات مشبوهة مع الجماعات الإرهابية، وصيرورتها جماعة للإيجار لمن يدفع ويمول ويستخدم. ولا شك أن القيادات التنظيمية للجماعة قد احترفت الكذب والخداع، والغاية لديهم تبرر الوسيلة أي وسيلة، وصار لهم خطابان : أحدهما بالعربية لعناصرهم بالداخل وهو خطاب تحريض وتخريب يدعو إلي العنف وإلي الاغتيالات والقتل والفساد والإفساد والتخريب، وخطاب باللغات الأجنبية موجه إلي الغرب يحمل المظلومية في انفصام مقيت للشخصية، وازدواج غريب في طرق وآليات الخطاب، وكأنهم لا يدركون أن عالم اليوم غير عالم الأمس، وأن هذا الخطاب المزدوج صار مكشوفًا مفضوحًا وفاضحًا لكذبهم وافتراءهم، إضافة إلي بيان متاجرتهم بالدين، هذا الدين العظيم الذي يدعو إلي الصدق بل إلي تحري الصدق وإلي حسن المراقبة لله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، متناسين أو متجاهلين قول الله تعالي : " مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَي ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَي مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "، وقوله تعالي : " وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ "، وقوله تعالي : " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ، إِذْ يَتَلَقَّي الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ، مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ". وأخطر من هؤلاء المخادعين المراوغين أذنابهم وتوابعهم من الخلايا النائمة، التي لها خطابان وتصرفان أيضا، خطاب وتصرف أمام العامة وفي العلن، وآخر إذا خلوا إلي شياطينهم، بحيث يتخذون من الخطاب المعلن تمويهًا علي تحركاتهم السرية المشبوهة من حيث إيواء عناصر الجماعة أو التستر عليها وبخاصة الخلايا النائمة منها، والعمل علي التمكين لهم، انتظارًا لهذا اليوم الذي يحلمون به لتصدر المشهد مرة أخري، غير أن المجتمع وأجهزته الواعية أحرص وأذكي من أن يخدعوا بهذه التمويهات، لأن المنافق يمكن أن يخدع بعض الناس بعض الوقت ولكنه لا يمكن أن يخدع كل الناس كل الوقت. ولا يعدم الإخوان الإرهابيون أن يجدوا مبررًا لكل جرائمهم وأعمالهم الإرهابية ومخادعتهم للمجتمع، فيقسمون خطابهم المنبثق من أحوالهم إلي خطابين مختلفين : الأول : خطاب التمكن، وهو الذي يصدر عنهم حال تمكنهم من الحكم أو زمام الأمور، وهو خطاب استعلائي إقصائي متعجرف، لا يعرف الرحمة ولا السماحة، ولا يعلي سوي مصلحة أفراده وعناصره وتابعيه، وإلقاء بعض الفتات علي مريديه ومحبيه وعملائه ومؤيديه. أما الخطاب الثاني فهو خطاب الاستضعاف، وهذا خطاب يقوم علي الكذب والمداراة تحت عناوين أقرب ما تكون إلي التِّقية وربما إلي النفاق، ويؤهلون ناشئتهم وشبابهم علي تقبل هذا التلون وهذا الخطاب المزدوج بصورة شديدة الغرابة، مما يجعلنا نؤكد أن تمكين عناصر هذه الجماعة من عقول الناشئة أو الشباب في أي مجال فكري أو دعوي أو ثقافي أو تربوي، وبخاصة فيما يتصل بمجال التنشئة الدينية. كل ذلك يتطلب أن ننسق جهودنا لكشف طبيعة هذه الجماعة وخطابها المزدوج، سواء علي مستوي الداخل كل في مجاله وميدانه، كما ينبغي التواصل مع منابر ومنصات الإعلام العالمية لبيان واقع هذه الجماعة الإرهابية وفضح كذبها وثقافتها وتملقها للغرب والعمل علي استعدائه. وإذا أردنا أن نقطع دابر هذا الفكر الإخواني بتنظيماته السرية يجب ألا نُخْدع بتمويهات هذه الخلايا النائمة، وأن نكون متيقظين لحركاتهم وتصرفاتهم، لأن التحديات التي تحيط بنا لا تحتمل المراوغة، أو إمساك العصا من المنتصف، أو التلون والخداع، إذ يجب أن نقف وبقوة وحسم ووضوح في مواجهة الفكر الإرهابي سرًّا وعلنًا ظاهرًا وباطنًا، وألا نخدع بمعسول الكلام وظاهره من الخلايا النائمة، والخلايا الميتة، والخلايا السرطانية، والخلايا الفيروسية لهذه الجماعة الإرهابية وعناصرها المتطرفة. مع تأكيدنا أن ازدواج الخطاب الإخواني هو تأكيد علي طمس البصيرة، ولا يعد أن يكون ضربًا من ضروب النفاق المجتمعي، بل إنه ليتجاوزه إلي النفاق بمفهومه العام نظرًا لاحترافهم الكذب، والنبي (صلي الله عليه وسلم) يقول : " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ، إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ "، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّي يَدَعَهَا إِذَا، اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ "، ويقول (صلي الله عليه وسلم) : "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَي الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّي يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَي الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَي النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّي يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا".