في هذا الباب نكشف القناع عن الوجه الآخر للشخصيات التي اعتدنا رؤيتها في ثوب واحد .. نتعرف علي الأفكار والهوايات وتفاصيل الحياة الطبيعية التي تختفي خلف أقنعة المنصب .. أو خلف الظروف التي تفرضها طبيعة العمل . هي نموذج رائع للمرأة المصرية.. تعرف ما تريد..وتصر علي تحقيقه.. وتحول كل المعوقات لتحديات..ومع نجاحها المستمر تثبت للجميع في النهاية أنها كانت علي حق..أما الذي لا يعرفه الكثيرون أنها بجانب كل هذه القوة والصلابة سريعة البكاء..تبكي أمام موقف إنساني بسيط أو حتي فيلم مؤثر أو موسيقي حزينة..«بس بشرط يكون البكاء بعيدًا عن العمل» ..لأنها في العمل شيء آخر .. هي د.السفيرة مرفت تلاوي..أول سيدة من السلك الدبلوماسي المصري تنال لقب ودرجة سفير ممتاز..ووزيرة الشئون الاجتماعية ورئيس المجلس القومي للمرأة سابقا .. ومدير عام منظمة المرأة العربية حاليا . .................................. ؟ أنا صعيدية من المنيا..وانا الابنة الكبري لثلاث بنات وأربعة أولاد.. أبي كان عمدة قرية بني محمد سلطان.. كان متعلما وصاحب أراض..شخصيته قوية وكريم جدا..أبي كان سياسيا..وكان حاكما عادلا للقرية..لا يحب منتصف الحلول ولايمسك العصا من المنتصف. .................................. ؟ بيتنا كان «البيت الكبير»..نستقبل فيه أهالي القرية والقري المجاورة..ونستمع لمشكلاتهم.. ونحاول حلها او تقديم الاستشارة.. «يعني مثلا لو واحد زرعته ماجابتش محصول..نعفيه من الإيجار.. علشان الناس لازم تشيل بعضها».. هذه ليست قوانين رسمية..لكن قواعد وضعها المجتمع ليحافظ علي استقراره..هذه هي مصر في الأربعينات والخمسينات..كانت القرية منتجة..الخبز تصنعه النساء في المنزل..ويتبادله الجيران..حياة مختلفة تماما أساسها العمل والمشاركة.. «الريف زمان كان جميل..الناس بتشتغل بإخلاص وأمانة.. وقلبهم علي بعض..حتي الدادة اللي ربتنا كانت منتهي الاخلاص والنظافة والأمانة وبتخاف علي البيت كأنه بيتها.. «للأسف مصر اتغيرت..والريف خسر لما أصحابه هجروه ». .................................. ؟ «التواصل الاجتماعي..بيقرّب بين الناس..علشان يعيشوا في سلام..ده درس مهم اتعلمته من أبي».. كان بيتنا وزارة شئون مصغرة..وكنت احب التواصل مع اهل القرية خاصة الفقراء..كنت أعطي المرضي الحقن وأقوم بالاسعافات الأولية التي تعلمتها من المجهود الحربي.. « لدرجة أن اهل القرية كانوا بيقولوا عايزين ميرفت تاخد العمودية بعد والدها»..وطبقت هذه الرؤية حينما أصبحت وزيرة شئون اجتماعية..وفي الخمسينات والستينات كانت وزارة الشئون ووزارة الدفاع هما أهم وزارتين..والمجتمع يجب أن يفهم ان وزارة الشئون الإجتماعية هي صمام أمان للمجتمع لضمان تحقيق العدالة. .................................. ؟ تعلمت من أبي أيضا الحزم والحكمة وإعلاء المصلحة العامة علي الخاصة..وأذكر أن عبود باشا كان في زيارة للمنيا لمناصرة أحد أصدقائه في الانتخابات.. وهو من اكبر عائلات القرية.. وقبل دخوله القرية.. اعترض والدي طريقه..وطلب منه زيارة العائلتين المتنافستين في الانتخابات وليس عائلة صديقه فقط .. «يعني يتغدي عند عيلة.. ويتعشي عند التانية »..حتي لا يثير نفوس أهالي القرية..وهذه الحكمة القائمة علي العدل وإعلاء المصلحة العامة مطلوبة جدا لأي قائد أو مدير . .................................. ؟ كنت طفلة مشاغبة وعنيدة..وطالبة متفوقة..وكنت عازفة بيانو..وعاشقة للرسم.. اختار لي أبي مدارس الراهبات فرنسي..«ماكناش بنفرق وقتها بين المسلمين والأقباط.. كنا أسرة واحدة»..وكان أبي لما يسافر يقول لي اذا احتجت حاجة اطلبيها من المقدس عبد الله» وكان أبي يقول طالما أنا العمدة..لابد النائب يكون مسيحيا.. «كنا فاهمين الدين صح..كانت المعاملات والتسامح والرحمة هي الأساس.. من يوم ما فهمنا الدين غلط.. خسر المجتمع والاسلام» . .................................. ؟ رغم أن أبي كان متفتحا جدا..إلا أنه للأسف كان رافضا دخولي الجامعة..لأن زواج الفتاة كان له الأولوية..لكني صممت علي اقناعه واضطررت لإعادة الثانوية العامة مرة اخري لأن القانون كان لا يسمح بدخول الجامعة الا للحاصلين علي الثانوية في نفس العام..ورغم نجاحي في العام الثاني أيضا أصر والدي علي رفضه..فلم أستسلم بل أعدت الثانوية العامة للمرة الثالثة..وحينما وجد أبي انني في كل مرة أنجح.. بينما اخوتي الأولاد يرسبون.. شعر بإصراري واقتنع ووافق أخيرا..وكنت سعيدة جدا انني استطعت اقناعه بعد ثلاث سنوات..وحققت ما أريد . .................................. ؟ والدتي كانت امرأة قوية..تساعدني في دراستي وتدفعني وتشجعني معنويا..وكانت سيدة أعمال من المنزل..تشتري أراضي وبيوتا..وتعمل بتجارة المحاصيل الزراعية..فكل القرية منتجة وتعمل . .................................. ؟ أنا بطبيعتي لا أستسلم بسهولة..وأصمم علي اقناع من حولي بوجهة نظري اذا كنت مقتنعة انها علي صواب..فبعد تخرجي في الجامعة الامريكية..وجدت اعلانا في الخارجية يطلب دبلوماسيين..ونجحت في الاختبارات ودخلت الخارجية.. كنا فتاتين فقط انا وبهيجة عرفة..لكن محمود رياض وزير الخارجية وقتها كان لا يشجع دخول النساء للخارجية فمنعنا عشر سنوات من السفر للخارج حتي نرحل..وقال لنا «مفيش بنت هترأس سفارة في الخارج»..لكني لم أترك الخارجية..وقلت له «انت هتمشي واحنا هنقعد»..وبالفعل تغير الوزير وكنت أول سيدة ترأس بعثة في الخارج.. وأول وزيرة من أبناء الخارجية .. والحمد لله حققت ما أريد. .................................. ؟ أعتز جدا بما حققت في لجنة الخمسين..كنت أشعر اني وكيل عن المرأة..فصممت علي ما طلبته..ورغم المقاومة الشديدة..أخذت ما أريد لكل نساء مصر. .................................. ؟ الحزم والصلابة والإصرار لها مزاياها وعيوبها..»الناس أكيد هتقدرّك وتحترمك.. لكن ممكن متحبكش أوي..أوما تتعاطفش معاك» . .................................. ؟ «يا ريت كل رجال مصر زي زوجي د.علي رحمي»..تزوجته عن حب واقتناع.. ولدينا ابنة وحيدة هي شيرين تعمل بالأمم المتحدة في جنيف.. وحفيدان هما كريم وابراهيم.. كان من شروط أهلي في الزواج الثراء والأرض.. «لكنهم ماقدروش عليّ».. وأقنعتهم بما أريد..وهو ان يكون زوجي رجلا متفهما ومتسامحا لأني ضد التعصب بكل أنواعه..ومن حظي أني التقيت زوجي..فهو رجل عسكري متسامح وحكيم ومثقف..يكره الظلم والتمييز..ساعدني كثيرا في عملي وتحمل سفري وغيابي..وكان سعيدا بنجاحي . .................................. ؟ رغم اني ورثت عن ابي الحزم والصلابة..الا انني أبكي كثيرا ولا أخجل من البكاء.. «بس طبعا خارج الشغل»..أنا ممكن أبكي مع فيلم مؤثر..او موسيقي حزينة..ومع أي موقف انساني مؤثر..وأذكر انني حينما تركت حفيدي في نيويورك لاستكمال دراسته.. بكيت كثيرا وأنا في المطار في طريقي للقاهرة.. وأجهشت بالبكاء لدرجة انني لفت أنظار الأجانب من حولي..»اللي ما يبكيش مايبقاش إنسان.. لكن في الشعل اللي يزعلني بازعله.. ومستحيل أبكي ».