حملت كلمة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين خلال الجلسة العامة لمنتدى بطرسبرج الاقتصادى الدولى، يوم الجمعة، 20 يونيو 2025، إشارات استراتيجية مهمة، أبرزها - فى رأيى- كانت جملة عابرة، ردًا على سؤال لمدير الجلسة نديم قطيش بشأن الحرب الإسرائيلية على إيران، ربط فيها بوتين بين القوى التى تقف خلف أوكرانيا، فى حربها مع روسيا، وتلك التى تساند إسرائيل فى حربها ضد إيران، بل قال حرفيًّا إن هذه القوى وتلك هى هى نفسها. هذه العبارة لم يلتفت إليها أحد تقريبًا، وقد يكون بسبب الترجمة، وأنها جاءت جملة اعتراضية فى وسط الرد على السؤال، لكنها تعكس -حسب معرفتى لمقاربة بوتين تجاه هذا الصراع- رؤية بوتين الشخصية، قبل أن تعكس رؤية روسية متماسكة تجاه النزاع الإسرائيلى الإيرانى، وأين سيكون مكان روسيا فى أى اصطفاف قد يحدث إذا اتسعت رقعة الحرب. وفى ذلك رسالة لمن يتفحص بتمعن كل كلمة ينطقها بوتين من على منصات كهذه، وفى أوقات كهذه، ورد على من يشكك فى موقفه من إيران والقوى التى ترغب فى تدميرها. كما يمكن أن نقرأ فيها أيضًا سعيًا روسيًّا إلى توظيف الأزمات المتزامنة لإعادة تموضعها بوصفها قطبًا دوليًّا مستقلًا. بوتين فى الجلسة نفسها أعلن مجددًا استعداد موسكو للوساطة بين تل أبيب وطهران، رغم رفض نتنياهو المتكرر، لكنه حرص على أن يوجّه إلى نتنياهو رسالة مباشرة على مرأى من العالم ومسمع بضرورة ضمان أمن الخبراء الروس فى منشأة بوشهر النووية، وجدد التأكيد - فى الوقت نفسه- أنه لن يتخذ قرارًا بإجلائهم عن إيران - دعما لإيران- على الرغم من التهديدات والخطر المحدق بهم، وهذه الكلمات له أيضًا اقتبسها من حديثه. الرئيس الروسى أكد كذلك رفضه استخدام السلاح النووى بجميع أشكاله فى النزاعات الإقليمية. المثير فى الخطاب البوتينى الروسى ليس فقط السير على شعرة التوازن الدقيق بين الأطراف؛ بل الرغبة فى احتكار موقع الوسيط الفعّال، فى وقت تفقد فيه القوى الغربية قدرتها على التأثير أو المبادرة فى هذه الملفات الدولية الحساسة. تدير موسكو علاقات استراتيجية مع طهران، دون أن تقطع جسور التنسيق مع إسرائيل، مستفيدة من تراجع الثقة الإقليمية بواشنطن، ومن فراغ دبلوماسى واقعى تسعى إلى ملئه. القراءة الموضوعية للموقف الروسى تظهر أن موسكو تتبنى ما يمكن تسميته «الحياد المتحكم»، بمعنى أنها لا تنخرط ميدانيًّا فى النزاع، وترفض ذلك، وهو ما أشار إليه بوتين بوضوح عند استفزاز نديم قطيش له بسؤال استفزازى مباشر عن هذه النقطة، لكنها تحتفظ بكل أدوات التأثير، من الطاقة إلى التوازنات الأمنية. وفى العمق - حسبما أفهم- لا تفصل موسكو بين أوكرانيا وبقية الأزمات، بل ترى أن جميعها مسارات مختلفة لمعادلة واحدة: صراع على النظام العالمى القادم، على الرغم من وجود تحليلات تحاول التقليل من أن يكون بوتين يسعى بالفعل إلى هذا الهدف، وأنه فقط يتمنى رضا واشنطن، وهو ما لا أتفق معه، من واقع فهمى الشخصى لموقف بوتين. * باحث وإعلامى متخصص فى الشأن الروسى ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات العربية الاوراسية