رئيس جامعة قناة السويس يتابع امتحانات كلية الألسن    «التضامن» تقر عقد التأسيس والنظام الداخلى لجمعية العلا التعاونية للخدمات الاجتماعية    أسعار النفط تقلص مكاسبها وتتداول بالقرب من أعلى مستوى في 5 أشهر    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    وزير الري يتابع المنظومة المائية بمحافظتي بني سويف والمنيا خلال فترة أقصى الاحتياجات    ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج إلى 29.4 مليار دولار خلال 10 أشهر    الاثنين 23 يونيو 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع    إسرائيل تطالب مواطنيها بدخول الملاجئ والبقاء فيها حتى إشعار آخر    وزير خارجية إيران: الهجمات الإسرائيلية والأمريكية "عدوان" ونرد من منطلق الدفاع عن النفس    كيف أثر القصف الأمريكي لإيران على الوضع الأمني داخل الولايات المتحدة؟    استشهاد 9 فلسطينيين من منتظري المساعدات في شمال غربي غزة جراء قصف إسرائيلي    مانشستر سيتي يكتسح العين ويتأهل لدور ال16 بمونديال الأندية 2025    مباراة الأهلي وبورتو اليوم في كأس العالم للأندية 2025.. القنوات الناقلة وتشكيل الفريقين    بالفيديو.. الأرصاد: ارتفاعات في نسب الرطوبة والقاهرة تسجل 39 درجة مئوية    وصول دفاع الطفل ياسين لمحكمة جنايات دمنهور    رئيس جامعة قناة السويس يشهد مؤتمر جمعية أبحاث الجهاز الهضمي بالإسماعيلية    بالأسماء، وزير الداخلية يأذن ل21 مواطنًا بالحصول على جنسيات أجنبية    أسعار البيض في المزارع المحلية اليوم الإثنين 23 يونيو    استقرار سعر الدولار في البنوك الرئيسية اليوم الإثنين 23 يونيو 2025    الذهب يتأرجح بين صعود عالمي وضغوط محلية رغم تراجع التوترات الجيوسياسية    حالة المرور اليوم، كثافات متحركة في هذه المناطق    هاني شاكر يحيي حفلا غنائيا 18 يوليو بمسرح البالون    عزلة واكتئاب حاد، نص أقوال الأم قاتلة أبنائها الثلاثة خنقًا بالشروق    نانسي عجرم بجاكيت غريب في حفلها بمهرجان موازين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    شركات الطيران العالمية تراجع خططها في الشرق الأوسط بعد الضربات الأمريكية على إيران    السبكي: الأورام السرطانية تمثل تحديًا لأي نظام صحي    حظك اليوم الإثنين 23 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    إسعاف الاحتلال: عدة إصابات أثناء التوجه إلى الملاجئ بعد هجوم صاروخى إيرانى    روبي بعد تصدر "ليه بيداري" الترند مجددًا: الجمهور بيحبها كأنها لسه نازلة امبارح!    عقوبة الهاكر.. الحبس وغرامة 50 ألف جنيه وفقًا لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في أسيوط خلال ساعات.. رابط مباشر وخطوات الاستعلام    «متقللش منه».. مشادة على الهواء بين جمال عبدالحميد وأحمد بلال بسبب ميدو (فيديو)    تفجير كنيسة مار إلياس بدمشق.. جرحٌ ينكأ ذاكرة العنف الطائفي(تقرير)    جمال عبد الحميد: كنت أتمنى بقاء الرمادي في تدريب الزمالك    أحمد بلال: الزمالك تعاقد مع مدير رياضي لم يلعب كرة القدم من الأساس    دونجا: أداء الأهلي في كأس العالم للأندية سيئ.. والفريق يلعب بطريقة غير واضحة مع ريبيرو    التعليم: وصلنا لمرحلة من التكنولوجيا المرعبة في وسائل الغش بامتحانات الثانوية العامة    مصرع شابين غرقا ببركة زراعية في الوادي الجديد    إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالصف    بالصور.. خطوبة نجل سامي العدل بحضور الأهل والأصدقاء    «أكسيوس»: الهجوم على إيران كان عملية ترامب وليس البنتاجون    جراء الضربة الأمريكية.. معهد الأمن الدولي: مجمع أصفهان النووي الإيراني تضرر بشدة    الأزهر للفتوى يحذر من الغش في الامتحانات: المُعاونة على الإثم إثم وشراكة في الجريمة    ما حكم تسمية المولود باسم من أسماء الله الحسنى؟.. أمين الفتوى يجيب    الدكتور علي جمعة: المواطنة هي الصيغة الأكثر عدلًا في مجتمع متعدد العقائد    موعد مباريات اليوم الإثنين 23 يونيو 2025| إنفوجراف    طبيبة كفر الدوار تطعن على حكم إيقافها 6 أشهر في قضية إفشاء أسرار المرضى    بالأرقام.. ممثل منظمة الصحة العالمية: 50% من حالات السرطان يمكن الوقاية منها    نيللي كريم تكشف عن مواصفات فتى أحلامها المستقبلي (فيديو)    جمال الغندور: الأهلي يفاضل بين ديانج وعطية الله للموسم المقبل    اعتماد نتيجة امتحانات الترم الثاني لمعاهد "رعاية" التمريضية بالأقصر.. تعرف على الأوائل    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    وشهد شاهد من أهله .. شفيق طلبَ وساطة تل أبيب لدى واشنطن لإعلان فوزه أمام الرئيس مرسي!    «الشيوخ» ينتقد أوضاع كليات التربية.. ووزير التعليم العالى: لسنا بعيدين عن الموجود بالخارج    مقتل شاب وإصابة والده في مشاجرة بضواحي بورسعيد    وداعًا لأرق الصيف.. 4 أعشاب تقضي على الأرق وتهدئ الأعصاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناقد والمفكر الكبير د. صلاح فضل:
المثقفون لم يشعلوا فتيل الثورة
نشر في أخبار اليوم يوم 08 - 03 - 2016


د. صلاح فضل خلال حواره مع «الأخبار»
كنا نعيش دوامة «الخوف».. ولم أمارس السياسة إلا بعد الخامسة والستين
الرئيس «عنده حق» في عدم تشكيل حزب سياسي
اعتصام المثقفين
بوزارة الثقافة
بداية ثورة التصحيح
في 30 يونيو
حبل التعاون مع الأزهر ممتد.. وانتهينا من وثيقة الخطاب الديني لكنه لم يعلنها
لا يكاد يختلف اثنان أن المواجهة الأمنية وحدها للعمليات الإرهابية غير كافية؛ وأن التغيير الجذري الحقيقي يتمثل في المواجهات الفكرية وعدم ترك شبابنا رهينة لدي افكار هؤلاء.. وهذه المواجهات تعتمد علي الأزهر الشريف والمؤسسات الثقافية ولذلك أكد الرئيس السيسي أكثر من مرة فكرة التوعية الثقافية؛ فهل استجابت مؤسساتنا التنويرية لنداءات الرئيس؟! وهل كانت علي مستوي الخطر المُحدق بالأمة؟! ومتي نري دورها أكثر واقعية بعيدًا عن التنظيرات ؟!.. جدليات كثيرة يطرحها هذا الحوار مع الناقد والمفكر الكبير د. صلاح فضل؛ أحد القليلين الذين اقتربوا بشدة من دوائر صنع القرار منذ الثورة حتي الآن مشاركًا وفاعلًا في صياغات الدستور والمجالس الاستشارية وحتي تكوين الأحزاب السياسية، ولم يقتصر ابداعه علي مصر والوطن العربي، وإنما تعداها إلي الدول الأوروبية في إسبانيا التي حصل فيها علي رسالته للدكتوراه ورأس أكبر مركز إسلامي عربي هناك، وإلي أمريكا الجنوبية في المكسيك التي أسس بها أقسامًا ومعاهد للغة العربية، فضلا عن عضويته في مجمع اللغة العربية ورئاسته لعشرات من المجلات الإبداعية المصرية والعربية ومعه كان هذا الحوار.
في البداية.. هل تري أن الأعمال الإبداعية عقب ثورتي يناير ويونيو تليق بهذا الحدث الضخم في تاريخ الأمة المصرية؟
للأسف؛ فإن الأعمال الثقافية المباشرة بالمفهوم التقليدي للثقافة التي تتصل بالإبداع والأشكال اللغوية وإبداع الصورة وجوانبها المختلفة والفكر السياسي المباشر لم تسهم في تأجيج شعلة الثورة أولا.. لأن بعض المثقفين، وأنا منهم، كنا نري أن مصر تقف علي أعتاب العصر الحديث دون أن تدخله لأن جواز المرور لهذا العصر الحديث كان هو التحول الديمقراطي وثقافة الديمقراطية كانت مفتقدة، إضافة إلي أن معظم المثقفين كانوا يتغنون بكل شيء إلاَّ بالدعوة الصريحة المباشرة لهذا التحول الجذري والجوهري.. فالمثقفون، إلاَّ قلة منهم نجيب محفوظ الذي كان من دعاة الحرية والليبرالية والديمقراطية بإصرار عنيد، لم يشعلوا فتيل الثورة كما ينبغي؛ وأشعل هذا الفتيل الشباب الذين أدركوا روح العصر وفطنوا إلي أن مصر بحاجة إلي مثل هذه القفزة لكي تدخل بوابة العصر الحديث عن طريق الديمقراطية.
وهج ثوري
وأي الأنواع الإبداعية كان في طليعة الثورة إذن.. وهل يُعبِّر ذلك عن تمكن داخل المجتمع؟
الإنتاج الثقافي المباشر بدأ من مشهد الميدان نفسه حاول أن يلحق بقطار الثورة؛ فستجد أن شعراء العامية كانوا أسبق من شعراء الفصحي بالتهاب عروقهم بالوهج الثوري ويؤججون الميدان ببعض قصائدهم؛ لأن شعراء الفصحي احتاجوا إلي وقتٍ أطول لكي يستوعبوا هذا التغيير الإيجابي المذهل ولكي ينخرطوا في تيار الثورة.. والروائيون من الشباب خاصة الرسامين والمطربين والموسيقيين الذين انبثقوا في حضن التحرير كانوا أصدق في التعبير عنه من المثقفين التقليديين؛ لكن علي أي حال فقد غمرت موجة الثورة كل الوجدانات المضيئة؛ وبالتالي وجد المثقفون أنفسهم في الطليعة خاصة عندما زحف الضباب الأسود علي مشهد الثورة وخطفها أصحاب التيارات الدينية المنغلقة وشعر المثقفون بالخطر الحقيقي فكان اعتصامهم في مبني وزارة الثقافة ومنع الوزير الذي عيَّنه الإخوان ليتولي أمور الثقافة المصرية من أن يجلس علي كرسي الثقافة في مصر؛ كان هو بداية الثورة الثانية أو ثورة التصحيح في 30 يونيو.. فالمثقفون عمومًا لم يُسهموا بالقدر الواجب عليهم في إشعال الثورة؛ لكن وجدوا أنفسهم متورطين فيها وعبّروا جزئيًّا عنها ولم يُعبروا بالقدر الكافي حتي الآن.
كانت لديك صلات قوية مع الوزارات المتتالية بعد الثورة.. هل شعرت بالظلم لعدم اختيارك وزيرًا للثقافة أم أن هناك متطلبات ليست فيك لهذا المنصب؟
يقينًا، خامرني هذا الإحساس؛ لكن يبدو أن شروط اختيار الوزراء لا تنطبق عليّ، ولأنه في كل الدوائر التي أتحرك فيها أحتفظ بجدلية الرأي ولا يمكن أن يطوعني أحد لتنفيذ أوامره؛ وشرط من شروط اختيار الوزراء عندنا أن يكونوا تنفيذيين مُطيعين وألا يكون لهم رأي في مواجهة سياسة الدولة أو قدرة علي توجيهها؛ وبالنسبة لي كان من الواضح منذ تأسيس حزب الجبهة المعارض وقبله مشاركتي في صياغة وثيقة مكتبة الإسكندرية التي تدعو إلي التحول الديمقراطي، ثم مشاركتي في المجلس الاستشاري للمجلس العسكري.
ولم يكن هدفي علي الإطلاق في حقيقة الأمر أن أتولي منصبًا؛ فأنا أظن أن وظيفة المفكر الذي يقوم بدوره في توجيه الحياة السياسية أخطر وأهم وأبقي من وظيفة الموظف التنفيذي؛ والوزير عندنا حتي الآن ليس سوي موظف تنفيذي، كما أننا لم نطبق حتي الآن أيضًا أي نظام ديمقراطي في اختيار الوزراء، فلا نعرف لماذا تم اختيار هذا، ولماذا تم استبعاد ذاك.
دوامة الخوف
جدلية المثقف والسياسي أصبحت غائمة إلي حد كبير الآن؟
أنا لم أتورط في العمل السياسي إلا بعدما جاوزت الخامسة والستين من عمري وكان ذلك لسبب بسيط جدًّا أعترف به الآن بشجاعةٍ وهو أن السياسة كانت منزلقاً خطرًا علي المثقف منذ عشنا في دوامة الخوف من السلطة في عهد عبدالناصر والتقزز منها في عهد السادات فكان العمل بالسياسة المباشرة إما أن تكون بوقًا للسلطة وهذا لا يرضاه أي مثقف حقيقي وإما أن تكون حرًّا ومعارضًا ووطنيًّا ومخلصًا وهذا لا ترضاه أي سلطة؛ وبالتالي لم يكن هناك سبيل للتوفيق بين مسئوليتك الثقافية في أن تحتفظ بالمسافة النقدية الضرورية وبوعيك وبنزاهتك وبعدم الانشغال بأن تكون مثقف سلطة وبين أن تكون نفسك أو أن تبيع ذاتك للسلطة وتصبح من أدواتها وأبواقها.. هذا التحدي لا يجد حلا إلا في ظل حياة ديمقراطية صحيحة؛ ونحن منذ 1952 وحتي الآن لم نمارس هذه الحياة الديمقراطية، وإن كنا نجتهد الآن لممارستها رغم كل التيارات المناوئة لها.
ثقافة رجعية!
بعد أحداث باريس الإرهابية عملت الثقافة الفرنسية علي مواجهة الإرهاب ثقافيا.. متي ستكون الثقافة المصرية متشابكة اجتماعيًّا؟
دعني أكن صريحًا معك: ولنحدد معًا مفهوم الثقافة؛ نحن لدينا ثقافة دينية تتعلق بأهداب الدين وتتمسح به وتدعي أنها تعبّر عنه تحارب التيارات الثقافية المناوئة لها.. هذه الثقافة الدينية ثقافة تخلف ورجعية وإرهاب في حقيقة الأمر، وهي السيطرة علي عقول معظم العوام والكثير من دعاة الدين، والمشتغلين بالدعوة الدينية، 90% منهم يعتقدون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة وأن غيرهم المخالف لهم ليس علي دينهم.
هل ينطبق ذلك المفهوم علي المؤسسات الدينية الرسمية أيضًا.. أم علي الجماعات المنفردة من الإخوان والسلفيين فقط؟
بل بما فيها المؤسسات الرسمية، وأنا لا أريد أن أنضم إلي جوقة المتهمين للأزهر، لأن لي موقفًا خاصًا مع الأزهر ومحاولة للتعاون معه ونخبة من المثقفين، ولايزال الحبل بيننا ممتدًّا والتعاون مثمرًا، وإن كان قد تجمَّد في الآونة الأخيرة نتيجة لتباطؤهم في إنجاز والانتهاء من وثيقة الخطاب الديني التي فرغنا من صياغتها منذ خمسة أشهر ولا أعرف لماذا لم تُعلن حتي الآن.
تقليص المساحة
الغريب أيضًا أن فكرة تجديد الخطاب الديني تنبع من الرئيس وليس من المؤسسات الدينية نفسها.. بماذا تفسر ذلك؟
بطبيعة الحال لا نتوقع أن من أصَّل لخطابٍ يعمل علي اقتلاع جذوره، هذا وهم، المشتغلون بالخطاب الديني هم سبب تجمده سبب إفراخه لعناصر التطرف الموجودة فيه؛ ولابد أن يأتي من الشجعان، لأن ذلك يحتاج إلي شجاعة بالغة، ويحتاج إلي جرأة، من داخل المؤسسة الدينية ومن خارجها من المشتغلين بالعلوم الفلسفية والفكرية والمشتغلين بالإبداع علي وجه التحديد أن يكونوا هم من يقودون معركة تجديد الخطاب الديني، وذلك في تقديري أن أبرز ما نحتاج إليه هو تقليص مساحة الثقافة الدينية التقليدية في المجتمع لأننا مشغولون بقضايا الدين أكثر مما ينبغي، وقد عشت في مجتمعات غربية وأمريكية قرابة 15 عامًا ولم يكن موضوع الدين مطروحًا للنقاش، لأنه لا يتعارض مع أي شيء؛ ولذلك لا بد من تقليص المساحة التي يحتلها الخطاب الديني.
وكيف إذن نملأ الفراغ الناتج عن ذلك التقليص المزمع في المساحة؟
الحياة بالفعل لا تعترف بالفراغ، فلابد أن نشغل ذلك الفراغ بالنظريات العلمية والتطبيقات التكنولوجية والخطاب الإبداعي والثقافي والخطاب المتصل بالتواصل الاجتماعي من أجل التنمية والازدهار بالتواصل الثقافي مع العالم.. ولو ألقينا نظرة طائر علي مساحة الخطابات الفاعلة في المجتمع المصري سنجد أن المساحة العظمي منها يشغلها خطاب ديني متخلف وسييء ويشدها للوراء وغير منتج ومعادٍ للخطابات الإبداعية والعلمية وخطابات التنمية؛.
موقف جذري
إذا كان هذا هو الوضع الآن عند المؤسسات المواجهة للإرهاب.. فكيف برأيك نعمل علي حل هذه التشابكات المعقدة؟
أظن أن مواجهة التغول للخطاب الديني وانتشاره وسيطرته علي عقول عامة الشعب بأشكاله التي تُولد وتشرِّع للإرهاب يتمثل في أمرين: الأول أن تجرؤ الدولة باتخاذ موقف جذري وحاسم في توحيد التعليم الأزهري والمدني؛ ففي أيامنا في الخمسينيات كانت هناك خمسة معاهد أزهرية لا أكثر؛ الآن هناك أكثر من خمسة آلاف انفصام في الشخصية، في العقل المصري بين تعليم ديني لا يري في الحياة سوي هذه القضايا وتعليم آخر مدني يُعد الشباب لمواجهة الحياة في التخصصات المختلفة.. والحل في المزج بين التعليم المدني والديني بإعطاء جرعة دينية مستنيرة متفتحة تُقبل علي الحياة وتحويل التعليم الديني إلي المدني خطوة أساسية لإصلاح العقل المصري؛ فلا يوجد هذا الازدواج في أي دولة في العالم مسلمة أو غير مسلمة؛.
إذا كان الحل الأول يحتاج إلي هذه كل الحلول الجذرية.. فماذا يحتاج الحل الثاني؟
الحل الثاني في هؤلاء الآلاف الذين يصبون كلماتهم في نفوس الناس في خطب الجمعة ودروس المساجد؛ يعدونهم للآخرة ويهونون عليهم من شأن الدنيا؛ في حقيقة الأمر هم من يصنعون بيئة مواتية جدا للإرهاب؛ وما الذي يجعل شابا في العشرين من عمره يضع حول خاصرته حزامًا ناسفًا؛ في حين لو أعطيته ملايين الجنيهات فلن تكون كافية ثمنًا لحياته.. ولكنك تعطيه الوهم بأنه سيموت شهيدًا ويدخل الجنة.
العصور الوسطي
وما أهم المآخذ علي طبيعة الخطاب الديني الموجود الآن في مصر.. وهل تعتبره مواكبًا لفقه الواقع؟
لا يمكن أن يكون الخطاب الديني في القرون الوسطي هو الشائع الآن؛ لأن الهدف الجوهري للأديان السماوية كلها هو هدف أخلاقي لإشاعة قيم الحق والعدل والحرية.. أما أن نصلت قانونًا مضحكًا لا مثيل له في العالم الآن مثل قانون ازدراء الأديان علي رقاب المثقفين والمبدعين والمفكرين؛ فهذا يجعلنا مثار سخرية العالم ويعوق أي حركة للتطور.. وبمقتضي هذا القانون يتم تحريم البحث العلمي في المؤسسات لأنه ما أسهل أن تُحرم من يبحث في الأجنة لأن هذه إرادة الله كما يقول بعض الشيوخ المهووسين؛ وبالتالي مثل هذه القوانين المخالفة لنص الدستور لا أعرف كيف يجرؤ قاض علي تنفيذها.
وثيقة الحريات
ولكن كيف نفصل بين التجديد كهدف فكري وما يحدث من سب وقذف، ولو كان لأئمة مجددين في زمانهم؟
قوانين العقوبات تحدد هذه الأمور وهي ماثلة، لكن كل القوانين التي تحد من الحريات مضادة للوثيقة التي أعلنت في الأزهر وشملت الحريات الأساسية وأعلنها فضيلة الإمام الأكبر؛ وهي ضمان حرية العقيدة وحرية الرأي والتعبير وحرية البحث العلمي وحرية الإبداع الأدبي والفني.. اضمن لي هذه الحريات التي توافقنا مع كبار العلماء بالأزهر علي تعزيزها، وهي مضادة تمامًا لقانون ازدراء الأديان الذي هو في الأساس ازدراء للشعب المصري؛ إن هذا القانون يجعلنا محل سخرية ويُعطل طاقتنا الإبداعية والفكرية؛ ومن يطبق عليه هذا القانون لا ينبغي أن يأمن في انتقاد أي شيء والفكر النقدي هو جوهر التطور؛ لأننا إن لم ننقد أوضاعنا وتخلفنا وننقد جمودنا تقاعسنا عن السباق العالمي الحضاري الذي لا نسهم فيه بشيء علي الإطلاق؛.
آراء كثيرة تنتقد الدور الثقافي الغائم في التوعية الشبابية.. حتي متي نري هذا السكون الثقافي وسط عالم يموج بالحركة؟
أعتقد أن التوعية المباشرة فاشلة ولابد أن تكون التوعية غير مباشرة وتبدأ في التعليم؛ اضمن لي تفكيرا علميا لدي الأطفال والمراهقين أضمن لك أن يبتعدوا عن التفكير المتعصب المدمر: اضمن لي أيضًا أن تتفتح مواهبهم لتعشق الموسيقي وتعشق الإبداع وتعشق الحياة وتتعلق بالمستقبل وتحاول أن تحسن وضع الإنسان علي الأرض وتكتشف أسرار الوجود وسوف يكونون بمنأي إلي درجةٍ بعيدة عن أي أعمال ظلامية أو إرهابية، ثم اضمن لي مجتمعًا يسعي للتنمية والرخاء ورفع مستوي معيشة الناس وضمان حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والسكن أضمن لك ألا يفرخ فيه طيور الظلام؛.
عثرات في الطريق
بحث الشعب بالفعل عن هذه الأهداف في ثورتيْ يناير ويونيو.. فهل نحن علي الطريق الصحيح أم نسلك سبلا أخري بعيدة عن هذه الأحلام؟
أعتقد أننا علي الطريق الصحيح مع بعض العثرات؛ إننا نتعثر وبشدة، مثلاً أكبر عقبة قامت في طريقنا أسطورة أن الجماعات التي تدعي الدين هي التي تستطيع أن تحقق هذه المبادئ وتُحوِّل دولنا إلي دول لاهويتة تفتقد الحرية والكرامة والعيش، هذه هي العقبة الرئيسية التي لم تنشب لدي بلاد أوربا الشرقية في العقدين الماضيين عندما تحولت إلي الديمقراطية؛.
إذن هل تري أن الرئيس السيسي كان محقاً حين رفض تكوين حزب سياسي تحت رئاسته؟
بالطبع؛ فقد جاء الرئيس بإجماع شعبي ليأخذ دورتيْه ويتقدم غيره للترشيح من المدنيين، هذا هو المسار المستقبلي الصحيح.
تحولات أدبية
ألا تري أن هناك تراجعًا في المستويات النقدية العربية بدليل قلة الأسماء الكبيرة في هذا المجال؟
دعني أراجع مفهوم الأدب أولاً، فنحن في غمار تحولات عصرية وخطيرة، وهذا المفهوم قد تحول تحولات كثيرة، حيث لم تعد الكتابة الأدبية تتمثل في الأجناس الإبداعية السابقة: الشعر والرواية والقصة والمسرحية هي سيدة الإبداع البشري نافستها فنون الصورة في السينما والتليفزيون.. نافسها الإعلام بشدة غيَّرت حدود الأجناس الأدبية؛ ثم جاءت الثورة الرقمية وأتاحت الفرصة لكل من يجد في نفسه مقدرة، ولو كانت متواضعة؛ هذه التغيرات تجعلنا نراجع مفهوم الأدب لكي نقول بأنه قد مات كما تقول بعض الأصوات؛ وهذه الآداب لا يمكن أن تموت لأنها هي جوهر الإنسان وأظن ان هذه الدعوات قد أسيء فهمها وكان مقصودًا بها شيء آخر؛.
وحدة ثقافية
الأخطار المحدقة بالأمة العربية.. ألا تدفع في اتجاه وحدة ثقافية كبداية لوحدة سياسية وعسكرية حقيقية.. أم أن هذا وهم غير قابل للتحقيق؟
أظن أن حلم العروبة الذي يتوهم كثير من الناس أنه قد انقشع أو أصبح غير قابل للتحقيق ما زال المستقبل الحقيقي لهذه الأمة؛ وهذا الحلم ليس مستحيل التحقيق وإنما عندما نأخذ بالتفكير العلمي والتنظيم الإداري ونظرية الوعي السياسي سنجد أن من يجمع الأمة العربية أكبر بكثير جدا مما يجمع الأوروبيين الذين انخرطوا في اتحاد واحد كان وسيلة لتقديمهم وتمثيلهم بقوة عالمية ذات أثر حاسم فلدينا وحدة اللغة والإطار الثقافي والوعي الحضاري والوجدان العام الذي يجمع العرب هي الأساس الذي يعتمد عليه أصحاب المشروعات المستقبلية مهما أطلت الشياطين برؤوسها لكي تمزق هذه الوحدة؛.
إذن هل هناك رؤية معينة يجب تنفيذها حتي ندفع العقل الجمعي المصري ثقافياً؟
ما نطلبه من المؤسسات الثقافية أمران: الأول أن تكف أذاها عن المثقفين فلا تطاردهم، ومعها المؤسسات القضائية وليس الثقافية فقط لأنني إن كنت أخضع لطائلة العقاب لابد أن أناشد قضاة مصر أن يكونوا أكثر وعياً بروح القانون وأكثر للدستور الذي يحكم كل القوانين وألا يطلعوا علينا بهذه الأحكام التي تشوه وجه مصر وتسيء للقضاء وللفكر وأحسب أنني أحتمي بالدستور المصري؛ والأمر الثاني أن الدولة عليها أن تهيئ البنية الأساسية للصناعة الثفافية، مثلاً السينما ليست جهداً فردياً وإنما هي صناعة تحتاج إلي الدعم حتي نحصل علي أفلام منافسة وجيدة، وكذلك المسرح حتي ينخرط الشعب في الفنون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.