ما أجمل الإبحار والتأمل في ملكوت الله من خلال ما كتبه العلماء والفلاسفة، ومن خلال حقائق الدين. فالإنسان يجد نفسه وهو يتأمل هذا الكون الرائع الفسيح.. إنه من الاتساع لدرجة أن المسافات فيه تقاس بملايين السنين الضوئية! ويخرج الإنسان من تأملاته بأنه لا الفلاسفة ولا العلماء اهتدوا إلا بالجزء اليسير من المعرفة.. أو كما قال نيوتن بعد اكتشافه قانون الجاذبية.. بأنه مثل إنسان التقط ∩صدفة∪ من الشاطيء بينما المحيط مليء باللآليء! ونفرأ في الفلك عن بداية خلق الكون، وعن نظرية الانفجار العظيم.. وأن الحياة بدأت من مادة شديدة الكثافة لا يزيد حجمها عن حجم كرة القدم، ولكنها بعد انفجارها تناثرت في الفضاء، وتكونت النجوم والكواكب والمجرات..! ويتوه العقل الإنساني وهو يحاول أن يهتدي إلي نظرية تفسر للإنسان هذا الوجود والحيرة فيه! لقد عجز العلم، وعجزت الفلسفة عن تفسير الوجود. وجاءت الأديان لتزرع الأمل في النفوس، وأن هذا الوجود لم يأت عبثا، ولكن وراءه الخالق العظيم الذي نظم له قوانينه المحكمة، وأن وراء هذه الدنيا عالم آخر ليس فيه موت بل خلود، وفيه يجازي كل إنسان بما قدت يداه. وكم كان الصوفي العظيم عبدالجبار النفري عميق النكر عندما قال عن الله عز وجل: − أنا يستدل بي ولا يستدل علي. والمعني أن الإنسان إذا أراد أن يعرف فإنه يعرف عن طريق الله نفسه.. فبوجوده وجدت الحياة. دارت كل هذه الخواطر في ذهني، وأنا أعيد قراءة كتاب الأديب العالم الدكتور أحمد زكي ∩مع الله في السماء∪، إن الكتاب يحاول أن يقربك بالعلم إلي الإيمان بعيدا عن الأوهام والخرافات والأساطير وشطحات الخيال. والرجل لمن لا يعرفه كان من كبار علماء الكيمياء، ودرس في مصر وانجلترا، وحصل علي دكتوراه الفلسفة في الكيمياء من ليفربول، وأصبح رئيسا لجامعة القاهرة، كما تولي وزارة الشئون الاجتماعية في وزارة حسين سري، وأسس مجلة ∩العربي∪، الكويتية ورأس تحريرها. إنه يقول عن هذا الكتاب.. إنه كتاب إيمان. واذا أبحرنا من خلال صفحاته أبهرنا ما وصل إليه العلم من اتساع الكون ودقة القوانين التي تحكمه.. وكل هذا يفضي إلي وجود الله فالعلم التجريبي رد الظواهر المختلفة إلي أصل واحد. وتأمل هذه الظواهر المحسوسة ينبئنا بما وراءه إلي عالم غير محسوس مما حدا بأينشتين أن يقول: إن ديني هو إعجابي في تواضع بتلك الروح السامية التي لا حد لها.. تلك التي تتراءي في التفاصيل الصغيرة القليلة التي تستطيع ادراكها عقولنا الضعيفة العاجزة.. وهو ايماني العاطفي العميق بوجود قوة عاقلة مهيمنة تتراءي حيث نظرنا في هذا الكون المعجز للافهام ويقول اينشتين أيضا: ∩إن هذا الإيمان يؤلف عندي معني الله∪. والكتاب بأسلوبه السهل الممتنع يجعلك تقرأ وتتوقف لتستوعب ما قرأت من معلومات غزيرة عن هذا الكون البالغ الاتساع، والتي تحكمه وحدة الخلق الذي يقول عنها الدكتور أحمد زكي: ∩وتسألني عن هذه الوحدة ما اسمها؟ وأقول: سم ما بدا لك∪. أما هي عندي فوحدة من وجود الله.. وهذا الكتاب ليس بكتاب فلك، ولا في علم أرض ولا فيزياء ولا في كيمياء. وما كان له أن يكون.. إنه كتاب إيمان. وهو يتحدث عن الهدف من تأليف الكتاب بقوله: − موضوعي الذي ابحث فيه هو الكون اجمع.. وأنا أبحث فيه مجملا لا مفصلا، وسوف أمس فيه فقط تلك الحقائق التي لابد منها لتمام التصوير عند كاتب، وتمام القصور عند قاريء، تلك التي تجعل من الشيء رقعة بها اكتمال ذلك القدر الذي يأذن للعقل أن يجول فيها فيفهم، ويفهم ليؤدي بالفهم إلي غايتين أو إدراكين. أما الإدراك الأول فإدراك ما في أشياء هذا الكون من تنظيم وتنسيق، وسوف أتخذ من هذا دليلا علي انه يوجد وراء هذه الأشياء في مواضعها عقل منظم منسق مدبر. أما الإدارك الثاني: فإدراك أن هذاالنظام وهذا النسق يجري علي أسلوب واحد مهما اختلفت المواضع من هذا الكون، وسوف أتخذ هذا دليلا علي أن العقل المنظم المنسق المدبر في هذا الكون واحد. ويقول: وبعد هذا فلكل قاريء أن يجري علي هواه فإن شاء قاريء أن يسمي هذا وحدة الوجود سماه. وإن شاء قاريء أن يسمي هذا العقل الواحد ∩الله∪ سماه إن هو ارتأي في كل هذا ظاهر واحد باطنه الله فله ما ارتآه. وهو استعراض يفيد كل موحد بالله.. وافادة غير الموحدين به اكثر إن شاء الله. ما أجمل الابحار في ملكوت الله عبر كتاب علمي موثق.. يبرهن علي عظمة الخالق الذي ابدع كل مخلوقاته.. ولا يملك القاريء لهذا الكتاب إلا أن يزيد يقينا وايمانا بما جاء به الرسل والأنبياء.. فقد كانت رسالاتهم أنوارا اضاءت الطريق أمام الإنسان ليعرف أن وراء هذه الحياة، حياة أخري هي أبقي وأعظم.. وأن وراء هذا الكون خالق عظيم يقول للشيء.. كن فيكون. الأمير الزاهد قرأت كتاب الزميل تهامي منتصر: الأنباء والسلطة: أنباء الأنبياء− الخلفاء− الملوك− الرؤساء− وكيف ان السلطة كانت هدفا للارتقاء إليها منذ الصراع الذي نشب بين قابيل وأخيه هابيل إلي اليوم.. وفي سبيل كرسي السلطة سفكت دماء.. وذهب ضحايا.. وانتشرت الفتن والمذاهب والطائفية في مختلف العصور. ولقد توقفت عند ما كتبه الكاتب حول أحمد بن هارون الرشيد الذي زهد في المال والسلطة والسلطان، وآثر ان يعيش حياته زاهدا متقشفا متعبدا بعيدا عن أضواء السلطة والسلطان. ويلخص قصة حياة هذا الأمير الزاهد، أن هارون أنجبه قبل أن يلي الخلافة، وارسل أمه لتعيش في البصرة وتلحق به عندما يتولي الخلافة.. وقد أعطاها خاتما من يقوت احمر واشياء أخري نفيسة.. وعلم انها انجبت طفلا اسمه ∩أحمد∪.. وجاءته الأنباء بعد حين علي غير الحقيقة بأنها ماتا. ويشب احمد محبا للعبادة، وأن يأكل من عمل يده.. وكان يعمل طيانا في البصرة، ثم انتقل إلي بغداد في خلافة أبيه ليعمل كعامل محارة.. وكان يعمل يوما واحدا في الاسبوع، ويكفيه اجره ليعيش به بقية الاسبوع ليتفرغ للعبادة، ولم ؟؟ نفسه أن يذهب إلي والده الخليفة ليعيش في ظل الجاه والسلطان شأن أخويه الامين والمأمون: ولكنه مرض وأبلغ أحدهم أن يعطي خاتمه إلي الخليفة بعد موته، وبر الرجل بوعده واعطي الخليفة الخاتم، وحكي له قصة ولده الامير الاخير الذي مات ودفن في مقابر الفقراء وبكي الرشيد لفقد ولده، وزار قبره، وقال الراوي ما ملخصه انه حسب من كثرة بكاء الخليفة علي ابنه ان الخلافة بجلالها وفخامتها لم تعد تساوي عند هارون الرشيد جناح بعوضة. والقصة لها دلالات كثيرة.. اهمها ان المال والسلطة والجاه إلي زوال، وان ما عند الله خير وأبقي. كلمات مضيئة ونحن علي استعداد أن نتلقي أي فقد هادف يبني ولا يهدم. فنحن لسنا معصومين ولا نؤمن بمعصوم إلا النبي صلي الله عليه وسلم الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر