مراسم تقديم السفير المصرى حازم خيرت أوراق اعتماده فى تل أبيب إذاعة جيش الاحتلال مهدت للحملة بمقال لإسرائيلي عراقي لا مكان للصدفة في معادلة الترتيبات الإسرائيلية، فلقاء السفير حاييم كورين، ووزيره المفوض روعي روزنبليت بالإعلامي توفيق عكاشة في القاهرة، وحضور عدد من الصحفيين مؤتمراً صحفياً لسفير تل أبيب بالقاهرة، فضلاً عن زيارة الصحفيين الأربعة المقيمين في أوروبا ذوي الأصول العربية لإسرائيل، وصورة أحدهم (المصري) مع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، انبعثت جميعها من مصدر واحد، وهو برنامج الخارجية الإسرائيلية، الرامي إلي إقناع الرأي العام الإقليمي والدولي، برغبة الأوساط الشعبية والثقافية والإعلامية المصرية في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، واجتذاب من لديهم استعداد للانفتاح علي إسرائيل. قبل أسابيع من تلك التطورات، دأبت خارجية الدولة العبرية علي فتح قنوات التواصل مع الصحفيين العرب المقيمين في أوروبا، لاسيما أولئك الذين يشاركون بمقالات رأي في الإصدارات الصحفية العربية؛ وأثمرت جهود التواصل إسرائيلياً، حينما استجاب الصحفيون الأربعة لدعوة الخارجية الإسرائيلية زيارة تل أبيب. نقابة الصحفيين الزيارة التي يدور الحديث عنها، وانفتاح إسرائيل قبلها علي الصحفيين العرب، المقيمين خارج أوطانهم، جاءت في إطار التفافها علي قرارات نقابة الصحفيين المصرية، التي حظرت من خلال جمعيتها العمومية أي نوع من التطبيع مع الإسرائيليين؛ وتفادياً لهذا الموقف الصلب، رأي مهندسو الحملات الدبلوماسية في تل أبيب، تفادي دائرة اللاءات النقابية في القاهرة، فوجدت ضالتها في أولئك الذين لا ينتمون بالأساس لنقابة صاحبة الجلالة. توقيت الخطوة الإسرائيلية لم يكن مصادفة، وتزامن تكرار كلمتي (التطبيع وإسرائيل) في وسائل الإعلام المصرية والعربية لم يكن عبثاً، وإنما كان معداً له إسرائيلياً، ليتسق وموعد تقديم السفير المصري الجديد لدي تل أبيب حازم خيرت أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي راؤوڤين ريڤلين؛ فمع هذا التزامن، الذي يُضاف إليه لقاء السفير الإسرائيلي مع توفيق عكاشه، توهمت الدبلوماسية الإسرائيلية نجاحها في إقناع الشعوب العربية بالتطبيع، وتجاوز الرفض الذي يفرض نفسه علي الواقع حيال إسرائيل رغم اتفاقات السلام. رسالة حوجي ولعل ذلك كان واضحاً في رسالة الصحفي الإسرائيلي (عراقي الأصل) چاكي حوجي، الذي كان أحد عناصر معادلة ترتيبات القوة الإسرائيلية الناعمة؛ فرغم أن مقالاته المنشورة في الصحف الإسرائيلية، لاسيما «معاريڤ»، التي كان يعمل بها محللاً للشئون العربية، خاصة المصرية، قبل انتقاله للعمل بإذاعة «جالي تساهل» (إذاعة الجيش الاسرائيلي)، لم تعترف بثورة الثلاثين من يونيو، وتبني فيها خطاباً إعلامياً لا يغاير في مفرداته وتوجهاته الخطاب الإخواني، إلا أنه اعترف - فجأة - بالثورة ذاتها، وشرعية الناخب المصري، الذي وضع الرئيس السيسي علي مقعد الرئاسة، داعياً السيسي من خلال رسالة مطولة نشرها قبل أيام في «معاريڤ» إلي السماح بتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ وبعبارات الإطراء والتملق اللزج، رأي حوجي في رسالته، أن «التطبيع وذوبان العلاقات بين الشعبين المصري والإسرائيلي، هما المفتاح الحقيقي لترسيخ السلام»، إذ قال نصاً: «إن كلماتي لا تدعو إلي التخلي عن القضية الفلسطينية، فكلكم أبناء أمة واحدة، وإن دعم القاهرة للتطلعات الفلسطينية إلي حياة أفضل هو أمر بديهي. لكنك لاحظت بالتأكيد أن مقاطعة التطبيع لم تغير وضع الفلسطينيين إلي الأفضل». وأضاف حوجي في رسالته: «إن الاتصالات بين الصحفيين الإسرائيليين والنشطاء السياسيين موجودة حتي مع شخصيات في حركة حماس، حتي في أوقات الأزمات. وإذا كان الفلسطينيون أنفسهم علي اتصال بنا (من منطلق مصلحتهم)، فلماذا ترفضون ذلك باسم القضية الفلسطينية؟». وفي ختام رسالته قال: «أنا لا أناشدك سيدي الرئيس أن تصنع معروفاً للإسرائيليين، سواء بمبادرة خطرة أو باهظة الثمن، وإنما أطلب التقليل بشكل جدي من حجم المقاطعة علي الاتصال بالإسرائيليين». كورين وعكاشة من چاكي حوجي إلي توفيق عكاشة، الذي استثمرته الخارجية الإسرائيلية جيداً من خلال ممثلها في القاهرة حاييم كورين، فمن دون سابق إنذار أعلن البرلماني، والإعلامي المثير للجدل دعوته لسفير الدولة العبرية بتناول العشاء في منزله، ورغم ردود الأفعال الرافضة التي سبقت وتلت اللقاء، إلا أن عكاشة أصر علي موقفه، وقال إنه سيكرر دعوة السفير الإسرائيلي لزيارته مجدداً، ما يشي باحتمالية وجود علاقة سابقة بين الرجلين، خاصة أن كورين أنهي مهام منصبه الدبلوماسي، وتنتظر ممثلية بلاده في حي المعادي وصول خليفته المنتظر دڤفيد جوڤرين مايو المقبل، فضلاً عما تعرفه السفارة الإسرائيلية عن هجوم عكاشة علي إسرائيل عبر فضائيته؛ فتلبية دعوة عكاشة - انطلاقاً من تلك المعطيات - تحمل العديد من علامات الاستفهام، لكنها في الوقت ذاته تسير في فلك ترتيبات الخارجية الإسرائيلية، خاصة أن اللقاء انطوي علي مبررات واهية ومضمون أجوف، زعم فيه عكاشة، وفق ما نقلته عنه وسائل إعلام مصرية، أنه تحادث مع السفير حول عدد من القضايا، جاء في طليعتها ما يُعرف إعلامياً ب «سد النهضة» الإثيوبي، مدعياً أنه عرض علي السفير كورين مساهمة إسرائيل في حل تلك الأزمة، مقابل إمداده تل أبيب بمعلومات حول مكان «هيكل سليمان»، الذي تدعي إسرائيل وجوده في القدس المحتلة! في المطعم الصحفي والباحث المصري المقيم في روما رمزي عزيز، لا يختلف والصحفيين العرب الثلاثة، الذين استجابوا لدعوة زيارة تل أبيب، لكنه كان أكثر جرأة من رفاقه الثلاثة، حينما استجاب خلال الزيارة لطلب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أڤيخاي أدرعي، بالتقاط صورة تذكارية تجمع بينهما في أحد مطاعم القدسالغربية، بعد زيارة قام بها الصحفيون الأربعة لمقر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) والخارجية الإسرائيلية؛ فبرنامج الزيارة الذي أحيط بسرية بالغة، وآثرت وسائل الإعلام الإسرائيلية - بتعليمات من الخارجية - الحديث عنه من دون ذكر أسماء الصحفيين الأربعة لم يتضمن لقاء مع أڤيخاي، لكن الأخير حرص علي الاستفادة من الزيارة، من خلال نشر صورها عبر صفحته علي موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، لاسيما أنها تحظي بمتابعة كبيرة من قبل الزوار العرب؛ وفي محاولة لتفادي عمدية اللقاء، زعمت صحيفة يديعوت أحرونوت أن لقاء الصحفي المصري والمتحدث الإسرائيلي بالمطعم جاء في إطار المصادفة، وأن الأخير لم يكن يعلم بوجود الصحفيين الأربعة. حتي ردود الفعل الإعلامية والشعبية المصرية والعربية، التي أثيرت في أعقاب تلك التطورات، أفادت إسرائيل إلي حد كبير، إذ رصدت وسائل الإعلام الإسرائيلية ردود الفعل الرافضة للتقارب مع إسرائيل، وأعادت تصديرها للمحافل الدولية، لتسوق من خلالها لمدي ما تصفه ب»فتور» السلام مع مصر، وارتفاع مؤشر ما تسميه ب»معاداة السامية».