تبذل وزارة العدل جهودا مضنية لإنشاء محاكم عديدة في مختلف محافظات مصر لمواكبة التزايد المستمر في اعداد القضايا إلا أنها تسقط من حساباتها اختلاف طبيعة الجريمة التي يمكن أن تطرأ علي المجتمع .. حتي أنها لم تتعلم من قضية مقتل الرئيس السابق السادات والتي إضطروا فيها إلي تجهيز محكمة بأرض المعارض.. نفس الشيء تكرر في محاكمة الرئيس السابق ورموز نظامه وبعدها قضية "التراس الأهلي والآن قضيتي مجلس الوزراء ومحمد محمود في كل تلك القضايا اقيمت محكمة في اكاديمية الشرطة لتحوي قفص إتهام يستوعب مئات المتهمين وقاعة تحتمل حضور مئات من أهالي الضحايا والمتهمين ومحاميهم والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم تهتم هيئة أبنية المحاكمة بتطوير أفكار بناء القاعات بحيث تتسع لإستيعاب الأعداد الكبيرة فضلا عن إغفالها للعديد من المعايير الاخري التي يجب يكون عليها محراب العدالة، أخبار اليوم استطلعت رأي العديد من رجال القانون في تلك المشكلة التي تتسبب أحيانا في تعطيل سير التقاضي. يقول المستشار مصطفي الكومي رئيس محكمة جنايات القاهرة أن أغلب أبنية المحاكم في مصر تحتاج بالفعل لإعادة تطوير صيانة فتكفي زيارة واحدة لاي من مباني المحاكم القديمة لتتعرف علي قدر التردي الذي وصل له محراب العدالة في مصر.. فالمباني تم إنشاؤها من عشرات السنين واهملت عمليات الصيانة بها لفترات طويلة كما لم تمتد إليها يد التطوير ولو بالقليل وهو ماحولها إلي ما آلت إليه. ويوضح الكومي أن هناك العديد من الأبنية تفتقد إلي مرافقها الأساسية والتي تصل حالتها كثيرا إلي عدم الصلاحية للإستخدام الأدمي بسبب التدهور الشديد الذي يتأذي منه القضاه والمواطنون علي حد السواء.. غيرة مجهزة ويشير الكومي إلي انه لابد من إعادة النظر في ملف تطوير وإعادة تشييد العديد من أبنية المحاكم خاصة بعد أن كشفت لنا الأحداث الأخيرة أن المحاكم في مصر غير مجهزة لإستقبال القضايا الخاصة التي يزداد فيها أعداد المتهمين عن العشرات والمئات مثلما حدث في قضية أحداث محمد محمود وغيرها مما يدفع القضاه إلي البحث أماكن أكثر إتساعا وهو ماحدث في عدة قضايا تم نظرها في أماكن تبعد عن المحكمة أصل الموضوع مضحين بواحدة من أهم شروط سهولة التقاضي وهي قرب المكان من المواطن وتوفير شبكة المواصلات اللازمة له إلا انه كان الحل الوحيد بعد أثبتت الأبنية الاساسية أنها غير مستعدة لإستقبال هذه الاعداد سواء من المتهمين أو ذويهم. دكان ويصف الكومي الوضع في بعض المحاكم ان الأمر وصل إلي أن بعض الجلسات تنعقد في أماكن يستحيل تطبيق الشروط اللازمة لبناء محراب العدالة بها ففي منطقة الجبل الأصفر تنعقد الجلسة في شبه دكان صغير وأخري تنعقد في إحدي البلوكات السكنية دون مراعاة لإستقلال المبني عما حوله وتأمينه من السطو علي ملفات القضايا وأصحاب الحقوق ناهيك عن عدم ملاءمتها تماما لهيبة العدالة والقضاه أمام المواطن. بطء التقاضي ويوافقه في الرأي المستشار جمال القيسوني مؤكدا أننا أصبحنا بحاجة ماسة إلي التوسع في إنشاء محاكم جديدة يتم مراعاة شروط المساحة في بنائها حتي تسمح بزيادة عدد الدوائر القضائية المنظورة فيها لتستوعب عدد القضايا الواردة إليها.. لأن الوضع حاليا أصبح مزريا ولايحتمل فالقاعات يتم استخدامها بالتناوب بين الدوائر في اليوم الواحد وهو ما يساهم في بطء عملية التقاضي بالاضافة إلي أن الأبنية متهالكة، الجدران تلطخها أيدي الإهمال استراحات القضاه ضيقة غرف المداولة غير مجهزة ولايلحق بها حتي أبسط المرافق الأساسية.. فضلا عن عدم توافر أماكن لحفظ الملفات ووضعها في دواليب منتشرة في الطرقات بين غرف الموظفين التي لاتسع من يعمل بها مما يعرض هذه الملفات للسرقة والضياع خاصة وانها غير مؤمنة وسط فوضي طرقات إنتظار المواطنين وأصحاب القضايا.. ويشير القيسوني إلي انه من أبسط حقوق القاضي الذي يمارس مهنة من أنبل وأشرف المهن أن يجد المناخ النظيف والملائم لتأدية عمله. خارج المحكمة ويري القاضي محمد دياب رئيس محكمة الجنايات أن المحاكم في مصر تم إنشاؤها لتتناسب مع نظر القضايا العادية دون الأخذ في الإعتبار القضايا الإستثنائية وهو ما إصطدمنا به علي أرض الواقع العملي عندما واجه القضاء نوعية من القضايا كانت نادرة الحدوث في مصر وهو ما دفعنا للإنعقاد في أكاديمية الشرطة وغيرها وقد سبق ودق ناقوس هذا الإنذار منذ فترة طويلة عندما انتقلت جلسة لنظر قضية تتناول بالإتهام عددا كبيرا من المتهمين خارج أسوار المحاكم لتنعقد في أرض المعارض بمدينة نصر.. ويوضح دياب ان هناك نصا في قانون المحاكم يجيز للدائرة ان تنعقد خارج المحكمة في مثل هذه الظروف إلا انه من الأحري أن يتم تلافي هذا العيب في بناء المحاكم الجديدة والتي يجب ان يتوافر بها شرط أساسي وهو قرب جهات التقاضي لكل مواطن اعمالا لحقه الدستوري في "حق التقاضي بسهولة ويسر" مع توفير شبكة المواصلات اللازمة للوصول إليه حتي يستطيع المتقاضي الوصول إلي قاضيه الطبيعي لرفع الدعاوي. بلوكات سكنية ويستنكر دياب إقامة بعض المحاكم وسط البلوكات السكنية لما لذلك من خطورة علي تأمين ملفات القضايا وحماية مبني المحكمة خاصة وان كانت تنظر قضايا حساسة وخطيرة بالاضافة الي انها تزيد من معاناة المواطنين انفسهم المقيمين في هذه المنطقة من الإزدحام وسيارات أصحاب القضايا وسيارات الترحيلات إذا كان بالمحكمة نيابات للتحقيق كذلك لابد من مراعاة شروط التقسيم والمساحات لأن حجرات القضاه ضيقة لدرجة الاختناق كذلك غرف النيابات التي يتكدس فيها ثلاثة وكلاء نيابة وأكثر في الغرف الواحدة مما يؤثر بالسلب علي سير التحقيقات التي يجريها كل منهما مع المتهمين المسئول عنهم.. كذلك عدم وجود اماكن لإستراحة المواطنين مما يؤدي إلي انتشارهم في الطرقات بشكل مكثف يعيق الحركة ، وايضا غرف قلم الحفظ والسكرتارية أصبحت لاتتلاءم والزيادة الكبيرة في حجم التقاضي وملفات القضايا في مصر فعلي سبيل المثال محكمة زنانيري للاسرة تحفظ بها القضايا والملفات في غرف بالدور الأرضي بجوار مدخل منور المبني الذي يمتليء بالقمامة والورق التالف وغيره مما يعرضها لخطر الحريق فضلا عن الروائح المنبعثة من القمامة والتكاسل في التعاقد مع شركات النظافة لإنجاز مهمة التنظيف وهو ما يعرض الملفات التي تحفظ بعشرات السنين للتأكل بفعل الحشرات او للتلف بفعل الحريق مثلما حدث في حريق مجمع الجلاء حيث فقدت العديد من ملفات المواطنين وحقوقهم وأصول الشيكات وغيرها لذلك لابد من سرعة التحرك. شروط ضرورية ومن الناحية العملية يتحدث سامي جاد الله مهندس الإنشاءات والمباني فيقول انه من واقع خبرته في بناء عدة منشآت رسمية وحكومية ومنها المحاكم في العديد من الدول فإن هناك عدة شروط لابد من توافرها في مبني المحكمة أو قصر العدالة مثلما يطلق عليها في دول الخليج لما يتميز به في بنائه من الفخامة والرقي الذي يجعله أقرب للقصور التي يستخدم في إنشائها احدث الطراز المعمارية والهندسية.. ويشير إلي ان أهم هذه الشروط هي وجود غرفة لكل قاضي وقاعة فسيحة لكل دائرة تحتمل أي اعداد من المتهمين، غرف للمداولة مجهزة ومزودة بالمراجع القانونية والسوابق القضائية وأساليب التكنولوجيا الحديثة المستخدمة في البحث، كذلك غرف كبيرة لموظفي قلم الكتاب ويلحق بها غرفة منفصلة لرئيس القلم وغرف لسكرتارية المحاكم وإستراحة للمواطنين ومثيلتها للمحامين للتداول بالإضافة إلي مكتبة للقوانين والسوابق القانونية والقضائية التي تتيح لأي مستخدم إستخراج القرائن القانونية المطلوبة بطريقة سريعة آنية وأخيرا توفير خزينة خاصة بالمحكمة ومكتب للبريد لإرسال الإخطارات.