قبل الانتخابات الرئاسية كانت الاعتصامات والمظاهرات الفئوية تسيطر علي المشهد العام في مصر، حيث كانت كل مجموعة تريد مطلبا فئويا تنظم مظاهرة واعتصام مفتوح أمام إحدي المؤسسات الحكومية، وبعد الانتخابات الرئاسية يبدو أن المصريين وجدوا ضالتهم أمام أبواب القصور الرئاسية، حيث يرغب كل مواطن يعاني من مشكلة ما في مقابلة الرئيس عسي أن يجد عنده حلا لمشكلته، الأمر الذي يجعلنا بحاجة إلي "رئيس سوبر مان" لديه من الوقت والجهد والطاقة ما يمكنه من أن يحل مشاكل ال 90 مليون مواطن في لحظة. المحلل السياسي د. عاصم الدسوقي إستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة يشدد علي ضرورة نشر ثقافة جديدة بين أفراد المجتمع المصري تحدد شكل العلاقة بين الرئيس والشعب، وتوضح لافراد الشعب صلاحيات واختصاصات وسلطات الرئيس الدستورية والقانونية حتي لا يتصور أفراد الشعب أن كل شئ في يد الرئيس، وأن كل مشكلة لابد من عرضها عليه ويضع لها الحلول المناسبة. ويقول د. الدسوقي : في المجتمعات الديمقراطية توجد مؤسسات وأجهزة حكومية وغير حكومية تقوم علي تلبية إحتياجات ومطالب أفراد هذه المجتمعات، بحيث إذا ما واجهت أي مجموعة مشكلة ما يلجأون إلي الجهة أو المؤسسة المختصة ليجدوا الحل لديها. أما نحن للاسف فقد اعتدنا أن لا تحل المشكلة إلا بأوامر عليا، وتظل المشكلة عالقة حتي يتدخل الرئيس لحلها، وهو الأمر الذي اعتاد عليه المصريون علي مدي العقود الست الماضية، فقد كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يقوم بدور الكفيل الذي يحقق آمال المواطنين حتي دون أن يطلبوا، ومن بعد جمال عبدالناصر جاء الرئيس الراحل السادات ومن بعده جاء مبارك، وقد سار الاثنان علي النهج القديم، فكانت المشاكل لا تحل إلا إذا وصلت إليهما. باب القصر ويوضح د. الدسوقي أن هذا الأمر الذي اعتاد عليه المصريون تزايد بعد ثورة 25 يناير، ومن ثم ليس من المستغرب أن نجد كل يوم فئة أو مجموعة تذهب إلي باب إحدي القصور الرئاسية لتطلب من الرئيس التدخل لحل مشاكلها، وهو الأمر الذي يجعلنا بحاجة إلي "رئيس سوبر مان" لديه من الطاقة والوقت والجهد ما يمكنه من أن يتعامل مع مشاكل ال »90« مليون مصري داخل وخارج مصر، ويعمل علي حل هذه المشاكل وتلبية احتياجات ومطالب المواطنين. ويشير د. الدسوقي إلي أن هذا الوضع الخاطئ يحدث عندما تكون مؤسسات الدولة غائبة، أو عندما تكون السلطة مركزة في يد رئيس الجمهورية، وهذا بالتأكيد ليس من الديمقراطية في شئ، فضلا عن أنه أمر غير متصور حدوثه في أي مجتمع يرغب في التطور والتقدم، فالرئيس يجب أن يكون مجرد حلقة من حلقات أجهزة ومؤسسات الدولة، بحيث يتفرغ لأمور معينة علي المستوي الداخلي والخارجي، وتتولي بقية مؤسسات الدولة مهمة تلبية احتياجات المواطنين وحل مشاكلهم وما يعترضهم من عقبات. رئيس عادي وعلي صعيد أخر أكد المرشح الرئاسي السابق د. عبدالله الأشعل مساعد وزير الخارجية الاسبق أننا لسنا بحاجة إلي "رئيس سوبر مان"، ولكننا بحاجة إلي رئيس عادي يختار فريق عمل جيد ليساعده علي القيام بمهمته علي الوجه الأكمل والأمثل، وبالتوازي مع ذلك تقوم كل مؤسسة وكل جهاز من أجهزة ومؤسسات الدولة بالدور المنوط به دون أي تقصير أو اهمال في مسئوليات. ويطالب د. الأشعل رئيس الجمهورية د.محمد مرسي بالعمل علي تعزيز وترسيخ الدور الايجابي لمؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة، بحيث تكون مشاركة له في العمل علي تلبية مطالب واحتياجات المواطنين، وليست مجرد جهات تتولي تنفيذ أوامر الرئيس الذي يفعل كل شئ، والذي تبدأ وتنتهي عنده كل الأمور والقرارات . ويقول د. الأشعل: علي مدي الأشهر ال "17" الماضية لم يكن هناك مرجعية للمصريين يلجأون إليها لحل مشاكلهم وتخفيف أعباء الحياة عن كاهلهم، وبعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أسفرت عن فوز د. محمد مرسي برئاسة الجمهورية يبدو أنهم وجدوا هذه المرجعية، ومن ثم نجد كل مواطن مصري لديه مشكلة ما يتمني أن يصل إلي الرئيس ليشكو إليه من هذه المشكلة عسي أن يجد له حلا لها، وهو بالتأكيد أمر غير معقول وغير متصور أن يقدر عليه رئيس الجمهورية حتي ولو كان "سوبر مان"، ومن ثم فإن الحل في اعتقادي هو أن يختار الرئيس محمد مرسي فريق عمل في أسرع وقت ممكن ليعمل علي بحث مشاكل واحتياجات المواطنين الملحة بشرط أن يتعاون المجلس العسكري معه في هذه المهمة ليتمكن الرئيس من تنفيذ ما يريد في سبيل تحقيق مطالب وتطلعات ملايين المصريين الذين يعولون عليه كثيرا لإيجاد حل لمشاكلهم وأزماتهم الراهنة. قدرات الرئيس ومن جانبه يري د. أحمد راسم النفيس وكيل مؤسسي حزب التحرير تحت التأسيس أن حالة الرئيس الذي يفعل كل شئ، ولا يتم أي شئ دون أوامره العليا يجب أن تنتهي للابد، ويجب أن تسقط من ذاكرة المصريين، مشددا علي ضرورة أن تكون مصر دولة مؤسسات "بحق وحقيقي" وليست دولة الرئيس. ويقول د.النفيس: مصر الآن تمر بمرحلة انتقالية حرجة، وتواجه تحديات جسيمة، وتعيش في ظروف استثنائية غير مسبوقة، ومن ثم فإن المرور من هذه المرحلة ليست مهمة الرئيس وحده بل لابد ان تكون مهمة الدولة كلها، فالرئيس مهما كان لديه من طاقة وجهد وقدرات ومهارات فهو لايستطيع أن يتحمل مسئولية مصر بمفرده، ويجب أن تشاركه كل مؤسسات الدولة حتي تخرج مصر من هذه المرحلة الحرجة وتصل إلي بر الأمان. دولة المؤسسات وتؤكد الخبيرة الإعلامية د.ماجي الحلواني عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا أنه لا يوجد "رئيس سوبر مان" يستطيع بمفرده أن يحل كل المشاكل ويواجه كل الأزمات، فلابد أن تشاركه في هذه المهمة جميع مؤسسات الدولة وأجهزتها المعنية، مشددة علي ضرورة الاتجاه نحو تقوية مؤسسات وأجهزة الدولة من خلال وضع خطط وبرامج تعمل علي تفعيل وتنشيط هذه المؤسسات وإزالة اوجه القصور والخلل التي تعاني منها. الملاذ الأول وتشير د. ماجي إلي أن مؤسسات الدولة عندما تقوي وتتخلص من الشوائب والسلبيات التي علقت بها سوف تكون خير معين للرئيس ليحقق ما يتطلع إليه الشعب المصري من آمال وطموحات بشرط أن نمنح الرئيس الفرصة الكافية لتحقيق تلك المهمة الأولي والمتمثلة في تفعيل وتنشيط وتقوية مؤسسات واجهزة الدولة. وتطالب د. ماجي جميع الوزرات ومؤسسات وأجهزة الدولة بالتخلص من سياسة الروتين التي تربت عليها علي مدار العقود الماضية، وأن تلتزم بسرعة الاداء في كل مشاريعها وقراراتها وأعمالها حتي يطمئن الشعب المصري علي قوته، وحتي لا يكون الرئيس الملاذ الأول والأخير لهم لتحقيق مطالبهم، مشددة في نفس الوقت علي ضرورة أن يحرص كل مواطن وكل عامل وكل موظف علي أن يؤدي المطلوب منه في موقع عمله علي أكمل وجه دون أي تقصير، حيث ينبغي علي كل من يطالب بالحقوق أن يعي جيدا أن عليه واجبات لابد أن يؤديها، ولا يتهاون أو يتكاسل في تأدية هذه الواجبات مهما كانت بسيطة.