من أشهر التماثيل في تاريخ الفن هذا التمثال أمامنا والمعروف باسم «المفكر» للمثال الفرنسي «أوجست رودان».. وهو تمثال غاية في الأهمية وأصبح أيقونة للفكر والتأمل.. وقد استوحي «رودان» فكرة هذا التمثال ليُصور الشاعر الإيطالي «دانتي».. ولم يكن منذ البداية التمثال مُصمما ليوضع بمفرده بل ليكون جزءا من مشروع متحف الفن الزخرفي في باريس لتنفيذه كجزء من تصوير بوابات الجحيم لدانتي اليجييري.. التمثال الذي يعد أهم إنجاز في حياة مثال فرنسا الكبير «رودان» ظهر عام 1880 وظهرت أول نسخة منه مصبوبة برونز عام 1882.. وفي عام 1906 طلب «رودان» انتاج نسخة أخري بخامة البرونز من أكبر مسابك فرنسا بعدما أصبح التمثال من أشهر أعمال النحت في العصر الحديث.. الوضعية النحتية تحاول تمثيل المفكر أو الشاعر جالساً فوق صخرة ارتفاعه 186 سنتيمترا في وضع تأملي وبكثير من التركيز والتفكير العميق في وضع للجسد علي منهج المدرسة الكلاسيكية الفنية وقد تقوس الظهر في حركة احتضان للذراعين والساقين في ضغط مادي من الجسد يتعادل وضغط عمل الذهن حتي أن أصابع القدمين بدت منغرسة في الأرض من شدة استغراق المفكر فيما يتأمل وربما دون أن يشعر بانغراسهما.. كما أنه يكشف من الناحية المادية عن الجهد العقلي وحتي الألم الذي ندركه خلال الجبين المحبوك والشفاة المضغوطة وفي كل عضلة من ذراعيه وساقيه رغم أن قبضة وأصابع اليد اليمني مسترخاة تحت الذقن.. ونلاحظ أن وضع التمثال مرتكن في اعتماد كامل علي أطراف الجسد وليس علي أي عنصر خارجي..وبتأمله قليلاً يمكننا استشعار حالة من الديناميكية الداخلية رغم السكون والارتكان الثابت علي كف اليد الخارجي.. فالتمثال يتهادي بين ديناميكية داخلية وسكونية خارجية «استاتيكية» ورغم ذلك التضاد أو التناقض في ايحاء وتقابل الحركتين داخل الجسد الواحد نراه في غاية الاكتمال وقد بلغ نقطة الصفر بين الحركة والسكون والتي قد أسميها فيزياقياً «طاقة نقطة الصفر».. هذه التحفة الفنية التي تحاول التعبير عن عملية التفكير عند الانسان أنجزه «رودان» نهاية القرن ال19 واستمر العمل فيه لعشر سنوات لا ليقدم به فقط المفكر أو الفيلسوف بل كل إنسان يمتلك عقلا يفكر ويتأمل.