عندما أخذت في قراءة كتاب «حياة الفكر في العالم الجديد» الصادر عن هيئة الكتاب للمفكر الكبير الدكتور زكي نجيب محمود، تداعي إلي ذهني الفكر الذي يحرك السياسة الأمريكية ولماذا هي متناقضة كل هذا التناقض! إنهم يطالبون الشعوب أن تتجه نحو الديمقراطية، وأن تسودها روح الحرية والعدالة والتمسك بروح القوانين.. ومانراه في البلاد التي دخلتها أو تدخلت في سياستها بشكل مباشر أو غير مباشر يدعو للأسي والأسف! حطموا العراق وأفغانستان وليبيا.. والمؤامرات الأمريكية لاتتواني في زرع بذور الفتن والدسائس والمؤامرات في مختلف انحاء العالم العربي، وما يجري في سوريا ليس ببعيد..! أين هذا من المباديء التي وضع أساسها «جون لوك» الذي يقول عنه هذا الكتاب: إنه هو مصدر التفكير السياسي الذي ساد الولاياتالمتحدة إبان ثورتها؟ والغريب أن الولاياتالمتحدة التي تملأ الدنيا ضجيجا وصراخا من أجل حقوق الانسان، هي التي تهدر حقوق الإنسان في معتقلها الرهيب في جوانتانمو، وهي التي تزود الارهاب بالمال والسلاح لخلخلة أنظمة العالم العربي لمصلحة اسرائيل، وتدعي أنها تحارب الإرهاب! فرغم الغارات الأمريكية علي داعش في العراق، فإن داعش تزداد قوة، وتؤرق كبار العراق، وتنشر الفزع في دول الجوار! لقد حطمت أمريكا آمال وطموحات المنطقة العربية التي تصبو إلي حياة التقدم والازدهار، وتعيش في أمن وأمان. وأعود إلي صفحات الكتاب وهو يتحدث عن إعلان استقلال أمريكا، وما فيه من مباديء وقيم وما يجب أن تكون عليه الحياة في أمريكا: إننا نؤمن بأن هذه الحقائق واضحة بذاتها. وأن خالقهم قد حباهم بحقوق معينة هي جزء من طبائعهم لايتجزأ.. منها الحياة والحرية والتماس السعادة، وأنه لكي يظفر الناس بهذه الحقوق أقيمت فيهم الحكومات، تستمد سلطاتها العادلة من رضي المحكومين، وأن الحكومة كائنة من كانت صورتها إذاماانقلبت هادمة تلك الغايات، فمن حق الشعب أن يغيرها أو يزيلها، وأن يقيم حكومة جديدة تضع أساسها علي مباديء، وتنظم سلطاتها علي صورة بحيث تبدو للناس تلك المباديء، وهذه الصورة أنها علي الاحتمال الأرجح مؤدية إلي أمنهم وسعادتهم. وتساءلت فيما بيني وبين نفس هل تطبق أمريكا هذه المباديء علي البلدان التي تحاول أن تبسط نفوذها عليها؟! وأعود إلي ماكتبه الدكتور زكي نجيب محمود عن حياة الفكر في العالم الجديد.. أي أمريكا.. والذي يتناول فيه الاتجاهات التي كانت متأثرة بالفلسفة الغربية ثم أصبحت لها فلسفتها البرجماتية التي تكونت علي يد أعلامها الثلاثة بيرس، وجيمس، وديوي وهي فسلفة جاءت بمثابة الثورة علي التفكير المثالي الذي يباعد بين الفكر والعمل، فجعلت الفكر والعمل وجهين لحقيقة وحدة.. اذجعلت معني الفكرة هو نجاح تطبيقها.. وبهذا وصل الفكر الأمريكي الخالص إلي فلسفة أمريكية خالصة نشأة وتطبيقا. فلئن كان كان الفلاسفة كما يقول الدكتور زكي نجيب محمود يأخذون من أوربا ثم يعدلون ما يأخذونه بما يجعله ملائما لوجهة نظرهم، فقد جاءت البرجماتية نباتا أمريكيا بذورا وساقا وفروعا. ولاغرابة إذن أن الفكر الأمريكي الحديث عند العالم أجمع هو ما تعبر عنه هذه الفلسفة البرجماتية. ويتحدث المؤلف عن الطابع الجديد الذي يتميز به المجتمع الجديد بما يسميه الفردية الجماعية التي لاتفرق الفرد من الناس في خضم المجتمع، بل تحتفظ لكل انسان بفرديته المستقلة، علي الرغم من اشتراكه مع الآخرين في جماعة واحدة يربطها الصالح المشترك. وإذن فهي جماعة أقرب إلي الشركة التعاونية التي يحرص كل عضو فيها علي استقلال شخصيته، وإن يكن في الوقت نفسه حريصا أشد الحرص علي ازدهار الشركة ونمائها. هي اقرب إلي ذلك منها إلي الكائن العضوي الذي يحتويه. فالمجتمع الأمريكي في صميمه «كثرة» من افراد لاجسم واحد في اعضاء. غيرأن تلك «الكثرة» ليست أشتاتا موزعة الأهواء متباينة النزعات، بل هي كثرة تلتقي حياتها في عقد واحد يضمها دون ان تضيع فردية الحبة الواحدة بهذا الالتقاء. علي هذا الاساس يتم قبول الافكار أو رفضها أو تعديلها. والكتاب ممتع للغاية لما فيه من تحليل عميق للفكر الأمريكي واتجاهاته البرجماتية، وهو بذلك يعطيناصورة حقيقية عن حياة الفكر في أمريكا، وما يجلبه هذا الفكر من مصالح، ترسم سياساته لتحقيق اهدافه. نحو إعلام أفضل نواصل اليوم الحديث عن الاعلام، وما ينبغي أن يكون عليه ليصب ذلك في مصلحة الوطن.. ونبرز رأي الاعلامي الكبير فهمي عمر.. قال لي: لاشك أن الاعلام المصري خاصة الاعلام الخاص- يعيش مأزقا كبيرا بعد أن انتهج وأباح لمذيعيه ومقدمي برامجه أن يعملوا ويبثوا ما يحلو لهم من برامج تحت سقف من الحرية لاحدود له، وبالتالي تحول الأمر إلي فوضي عارمة تضرب عرض الحائط كل القيم والأعراف التي لابد أن يتسم بها الاعلام الجاد القائم علي الحياد والشفافية والمصداقية والبعيد عن النواقص والغث من القول. وللأسف لم يعد هناك قانون يجرم السلبيات العديدة التي نشرها هذا الاعلام عبر السموات المفتوحة إلي درجة فقد فيها المشاهد الأمل في أن يكون هناك عقاب أو حساب لوقف هذه التجاوزات التي يزدحم بها الأثير. إن منظومة الاعلام الخاص- علي وجه التحديد- لاهم لها إلا تقديم برامج لاتسهم في تقدم الوطن ونهضته. فأغلبها برامج لاتتحدث إلا عن السلبيات التي أكثرها حوادث فردية عارضة ولا تشكل ظاهرة وتحدث في كل المجتمعات وليست مقصورة علي مجتمعنا فقط، في حين أن هناك الكثير من الايجابيات لايعيرها الاعلام اهتماما صغر أو كبر. مثلا شبكة الطرق التي تقيمها مصر لا أحد يعرف شيئا عنها، محطات الكهرباء التي قضت علي الإظلام لانشاهد أي ريبورتاج عنها رغم ما يجري من عمل دؤوب لاستصلاح آلاف الافدنة في الصحراء لاحس ولاخبر.. وعلي العكس نشاهد الاعلام يبرز حادثا عن مدرس ضرب تلميذا، ويظل بالساعات يتحث عن تحرش شاب بفتاة، ويهتم اهتماما شديدا بحواديت العفاريت وقراءة الطالع، أو يتحدث باستضافة عن حكاية مذيعة دخيلة علي الاعلام ويعتبرها قضية الساعة. ومن الفواجع أن مهنة الاعلام اصبحت مباحة.. مثلا راقصة عفي عليها الزمن تصبح مقدمة برامج، ولاعب كرة لم يصل إلي درجة النجومية في الملعب يحشر نفسه كمقدم برامج رياضية ويطلق علي نفسه لقب الإعلامي. ويقول: الأمر اولا وأخيرا بيد المسئولين المطالبين بتفعيل مواثيق الاعلام، ووضع شروط لمن يعمل أمام الشاشة وخلف الميكرفون. مواثيق الاعلام تقول إن الإعلام يجب أن يكون عاملا من عوامل اثارة المتعة في النفوس، وبث الأمل في القلوب، وشحذ همم المواطنين ليكونوا يدا واحدة تبني وتشيد. لابد أن تكون البرامج هادفة تبث الكلمة الجميلة، واللحن العذب، والمعلومة المفيدة. اعلام يثقف ويعرض المشاكل بأسلوب لا استفزاز فيه ويسهم في حلها. اعلام يبحث عن النماذج الواعدة المبشرة بالخير.. اعلام يحفز المواطن علي الابداع والايجابية في عمله مرضاة للوطن ورغبة في علو شأنه. كلمات مضيئة لوكان الرأي يحتمل الكفر من مائة وجه، ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل علي الايمان ولايجوز حمله علي الكفر. الإمام محمد عبده