«بارود الإرهاب» يظلل «حرارة الأرض» في عاصمة النور حقيبتان مع السيسي و3 ملفات في زيارة من نوع خاص سطعت الأنوار مجدداً في عاصمة النور، لتبدد غيمة أحزان خيمت علي باريس إثر اعتداءات الثالث عشر من نوفمبر. أضاء برج ايفل رمز عظمة فرنسا بأنوار مستمدة من الطاقة الجديدة، عشية انعقاد القمة الدولية الحادية والعشرين حول التغيرات المناخية، تعبيراً عن تصميم العالم علي مواجهة ظاهرة الاحترار التي تهدد مستقبل الأجيال المقبلة. وكان التنظيم الفرنسي للمؤتمر مبهراً. وأضاءت المسلة المصرية في ميدان الكونكورد بقلب العاصمة باريس، تعبيراً عن تضامن الحضارات في مجابهة إرهاب يهدد حاضر الدول والشعوب. وكان الحضور المصري في المؤتمر متألقاً. *** أشرقت شمس باريس في الثامنة والعشرين دقيقة صباح أمس، بينما سبقها إلي الإبكار وفود تمثل 195 من دول العالم، منها 150 وفداً يترأسها ملوك ورؤساء دول وحكومات، في أكبر حشد في التاريخ لزعماء العالم يجتمع في يوم واحد وفي نفس القاعة. ذهبت الوفود ومعها أكثر من 3 آلاف مشارك في المؤتمر قبل شروق الشمس إلي مركز المؤتمرات بمطار «لوبورجيه» علي مسافة 30 كيلو متراً من باريس، لحضور القمة الدولية لمواجهة التغيرات المناخية، وسط اجراءات أمن غير مسبوقة، وحالة طوارئ أعلنت قبل 17 يوماً من انعقاد المؤتمر في أعقاب اعتداءات باريس، استتبعها نزول قوات من الجيش إلي المطارات والميادين والشوارع. احتاطت فرنسا بكل الوسائل لتأمين المؤتمر، الذي كاد أن يتهدد انعقاده في ظلال أحداث الإرهاب، فمنعت سير وسائل النقل الخاصة، ونصحت سكان باريس بعدم الخروج من منازلهم الاثنين والثلاثاء يومي القمة، وأخلت المحاور المؤدية إلي مطار لوبورجيه إلا من السيارات حاملة التصاريح بعد تفتيشها مع مراقبتها إلكترونيا بالطائرات. ولم تتردد الشرطة في الليلة السابقة علي المؤتمر في فض تظاهرة نظمتها الجماعات الداعمة للبيئة رغم حظر التظاهر في ظل حالة الطوارئ، واستخدمت وسائل «العنف القانوني» في إخلاء ساحة الجمهورية من المتظاهرين. *** منذ الصباح الباكر.. وقف الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند عند مدخل مركز المؤتمرات، يستقبل ضيوفه من الملوك والرؤساء الذين توافدوا علي القاعة الرئيسية.. بينما ارتفعت لوحة أمام القاعة تمثل شجرة فقدت كل أوراقها وحل مكان الأوراق حقائب من البلاستيك، وبجوار الشجرة طفل صغير تبدو عليه السعادة، وفوقه فراشة تمثل الأمل. ظللت أحداث الإرهاب في فرنسا وغيرها، علي مراسم المؤتمر وكلمات المتحدثين من الرؤساء، واحتلت قضية مكافحة جماعات الإرهاب الجانب الأكبر من مباحثات رؤساء الدول في لقاءاتهم الثنائية التي عقدت قبيل انعقاد الجلسة الافتتاحية التي تحدث فيها الرئيس أولاند وبان كي مون السكرتير العام للأمم المتحدة ولوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي ورئيس المؤتمر، وبينها وبين جلسة العمل الأولي التي تحدث فيها 7 من أبرز القادة العالميين، وكان منهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. *** الغرض من انعقاد قمة باريس، هو التوصل إلي اتفاق دولي لتنفيذ المعاهدة الدولية الإطارية للتغيرات المناخية، بديلا عن بروتوكول كيوتو الذي صدر عام 2000. يستهدف الاتفاق وضع آليات محددة للحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض، بحيث لايزيد الارتفاع علي درجتين أو درجة ونصف الدرجة بحلول عام 2100 عما كانت عليه درجة الحرارة في بداية عصر الصناعة. الارتفاع الحادث الآن يبلغ ٫8 درجة مئوية، قد يبدو لمن لايعرف ضئيلا أدي إلي فيضانات تسببت في تهجير سكان مناطق بأكملها، وإلي بوادر انصهار كتل جليدية في المحيط المتجمد الجنوبي، وإلي اختفاء جزر، وتصحر مناطق بالأخص في إفريقيا. وبلغت درجة حرارة الأرض هذا العام أقصي ارتفاع لها في التاريخ: في المؤتمر، تسعي الدول النامية وتؤيدها روسيا والصين والاتحاد الأوروبي الي وضع اتفاق ملزم قانوناً ينص علي المسئولية المشتركة لجميع الدول في خفض حرارة الأرض والأعباء المتباينة بين الدول المتقدمة المتسببة في ظاهرة انبعاث غازات الاحتباس الحراري والدول النامية التي تسعي للتنمية وتعاني من آثار التغير المناخي. بينما تسعي الولاياتالمتحدة إلي وضع اتفاق ملزم سياسياً بلا التزامات قانونية، بينما تنفرد ألمانيا بالدعوة إلي اتفاق ملزم مع التزامات مالية طوعية. وسوف يعكف وزراء البيئة علي مدي 6 أيام في الفترة من 6 إلي 11 ديسمبر علي التفاوض حول إلزامية الاتفاق وحول آلية تحديد نصيب كل من الدول المتقدمة من مبلغ المائة مليار دولار التي خصصت سنويا حتي عام 2020 للانفاق منها علي التخفيف من آثار التغيرات المناخية بالانتقال إلي الطاقة المتجددة، والتكيف والتأقلم مع هذه التغيرات في الدول النامية. *** كلمات قادة دول العالم، بجانب الحضور غير المسبوق لهم، في اليوم الأول لمؤتمر باريس، أظهرت قلقاً عالمياً من التهديد الذي يتعرض له شكل الحياة علي الأرض في السنوات المقبلة، ما لم تتحمل كل دولة مسئوليتها في خفض الانبعاثات، وتباري رؤساء الدول الكبري في سرد ما أنجزته دولهم في هذا السياق، وتعهداتهم بمزيد من الخفض بنسب محددة في السنوات المقبلة. الرئيس الفرنسي أولاند كان أكثر رؤساء الدول الكبري وضوحاً في القول إن العالم أصبح محاصراً بسبب أنانيتنا وتخلفنا وعجزنا، لكنه قال إن استمرار الحصار ليس أمراً محتوماً، داعيا إلي الانتقال من العولمة القائمة علي المنافسة إلي العولمة القائمة علي التعاون. بينما بدا بان كي مون السكرتير العام للأمم المتحدة متفائلاً بأكثر مما تبدو عليه مداولات المؤتمر عندما قال إن التحول قد بدأ بالفعل في باريس. وفي حين كان الرئيس الروسي بوتين مركزاً في كلمته وملتزما بدقائقها ومحدداً في تحديد موقف بلاده من ضرورة أن يكون الاتفاق ملزما قانوناً وأن يكون عالمياً ومتوازناً، بدا الرئيس الأمريكي أوباما وكأنه في خطاب انتخابي يتحدث فيه عن مآسي دول وشعوب دون أن يقدم التزاماً مالياً واضحاً أو موقفاً محدداً بشأن طبيعة الاتفاق. كانت المستشارة الألمانية ميركل واضحة في تأكيد التزام أوربا وألمانيا بخفض الانبعاثات بنسب محددة حتي عام 2090، وفي مضاعفة تمويلها للدول النامية حتي عام 2020، لكنها قالت إن الالتزامات طوعية غير ملزمة. بينما ربط الرئيس الصيني تشي جين بينج بين عنوان المؤتمر وهو التغيرات المناخية وبين الأجواء التي أحاطت بانعقاده ممثلة في تفشي ظاهرة الإرهاب، وشدد علي أن الإرهاب لن يعوق جهود البشرية في النمو والتنمية، كما ركز علي حرص بلاده في التعاون مع دول الجنوب، وإنشاء صندوق لهذا الغرض قوامه 30 مليار يوان. *** إلي باريس.. جاء الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس الأول حاملاً أكثر من حقيبة وأكثر من ملف. حقيبة رئيس مصر، وحقيبة رئيس لجنة رؤساء الدول والحكومات الإفريقية المعنية بتغير المناخ وهو المنصب الذي أسنده إليه القادة الأفارقة في الدورة قبل الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك العام الفائت. ومع الحقيبتين.. ثلاثة ملفات أساسية هي ملف مؤتمر التغيرات المناخية معبراً عن وجهة نظر إفريقيا والمبادرات التي وضعتها مصر باسم إفريقيا في سياق التكيف مع المناخ، والطاقة الجديدة والمتجددة، وملف العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا، وملف التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب. *** دون مبالغة أو إسراف في الوصف، كان حضور السيسي في باريس (المؤتمر والعاصمة) مميزاً وبارزاً ومحل احتفاء. كان السيسي هو الضيف الوحيد، الذي تحدث مرتين في قمة التغيرات المناخية يوم أمس. المرة الأولي، كان من بين 10 من أكبر قادة العالم تحدثوا في قاعة «السين» في جلسة العمل الأولي التي أعقبت الإفتتاح. مع الرئيس السيسي، سبقه وتلاه في إلقاء الكلمات، قادة الولاياتالمتحدةوروسيا والصين وألمانيا وباراجواي والمجر والمغرب. وبينما تحدث كل منهم عن موقف بلاده، كان حديث السيسي باسم مصر وإفريقيا، واستهل كلمته بتقديم العزاء لفرنسا في ضحايا الاعتداءات وتأكيد تضامن مصر معها في «حربنا المشتركة ضد الإرهاب». دافع السيسي عن موقف افريقيا بوصفها الأقل إسهاما في ظاهرة انبعاث الغازات الحرارية والأكثر تضرراً من آثارها. وأشار إلي وجود فجوة قدرها 12 مليار دولار في افريقيا حتي عام 2020 لتمويل برامج التكيف مع التغيرات المناخية، ودعا إلي ضرورة أن يعالج الاتفاق الجديد قضية التمويل بفاعلية وشفافية. أما المرة الثانية فكانت خلال الجلسة رفيعة المستوي التي أدارها بان كي مون وضمت مع الرئيس السيسي رؤساء بيرو وساموا وأنجولا ورئيس وزراء هولندا. وفي هذه الجلسة أعلن السيسي عن طرح مبادرتين إفريقيتين هما مبادرة التكيف مع التغيرات المناخية وتعبئة الجهد الدولي لتنفيذها، ومبادرة الطاقة الجديدة والمتجددة داعيا الدول الكبري والمنظمات لتقديم الدعم لها. *** ورغم شواغل فرنسا الرسمية، وانشغالات قيادتها باستضافة 150 رئيس دولة و45 من رؤساء الوفود، فقد حرص القادة الفرنسيون علي الاحتفاء بالرئيس السيسي وكأنه حضر منفرداً إلي باريس في زيارة دولة! مساء الأحد.. التقي السيسي في مقر وزارة الدفاع الفرنسية جان إيف لودريان. صباح الاثنين.. التقي الرئيس في قصر «الماتينيون» مقر رئاسة الوزراء مع مانويل ڤالس رئيس الحكومة الفرنسية علي إفطار عمل. وفور وصوله إلي مركز مؤتمرات «لوبورجيه»، عقد الرئيس السيسي جلسة مباحثات مع الرئيس الفرنسي أولاند الذي أمضي معه قرابة نصف الساعة، رغم ارتباطه باستقبال رؤساء الدول المتوافدين علي المركز. مساء الاثنين.. التقي الرئيس علي عشاء عمل مع چيرار لارشيه رئيس مجلس الشيوخ. وصباح اليوم.. يلتقي الرئيس في اليوم الثالث والأخير لزيارته إلي فرنسا مع وزير الداخلية برنار كازنوف. في تلك اللقاءات كانت المودة حاضرة والحفاوة ظاهرة وكان التوافق تاماً، سواء فيما يتعلق بتعزيز العلاقات المصرية - الفرنسية والتعاون في مجال الاستثمار خاصة بمنطقة قناة السويس، أو فيما يخص التعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب وعدم قصر التعامل مع هذه القضايا علي البُعد الأمني والعسكري وإنما الجوانب الأخري الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وجري الاتفاق خلال مباحثات الرئيس السيسي مع الرئيس أولاند ورئيس الوزراء ووزيري الدفاع والداخلية، علي العديد من النقاط، أهمها التعجيل بإرسال الدفعة الثانية من صفقة «الرافال» وقوامها 3 طائرات قبل نهاية العام أو في مطلع يناير المقبل علي أقصي تقدير، وإيفاد مجموعة من كبار رؤساء الشركات ورجال الأعمال الفرنسيين إلي مصر لبحث الفرص المتاحة للاستثمار في المشروعات القومية والكبري وبالأخص في إقليم قناة السويس. وجدد الرئيس السيسي دعوته إلي الرئيس أولاند لزيارة مصر، الذي قبلها علي أن تتم في مطلع الربيع المقبل. اليوم.. يستكمل الرئيس السيسي مشاركته في أعمال قمة باريس، ويلتقي عدداً من قادة الدول، قبل أن يغادر العاصمة الفرنسية بعد زيارة يقرأ المنصف مدي نجاحها، من أجوائها وفعالياتها ونتائجها دولياً وثنائياً.