(.. اسودت الدنيا في عيني بسمة.. لا دخان بغير نار.. شاطت أعصابها وهي تراجع تصرفات زوجها والأوقات التي تضبطه فيها داخل حجرته متلبسا بالبكاء!.. كثيرا ما تشاجرا بسبب إصرارها علي أن تعرف سر دموعه.. لكنه كان يذكرها دائما بوعدها له قبل الزواج بألا تسأله أبدا عن هذا الحزن الدفين الساكن في عينيه أو تلك الدموع التي قد تغلبه وتخرج عن طوعه وتنساب فوق وجهه!.. ظنت انه يخفي عنها قصة حب يعيشها في الخفاء ولا يريد البوح بها؟!.. لكن تصرفاته معها لا تنبئ عن هذه الخيانة.. ولازال حبه ساخنا، متدفقا، رائعا، ومازالت قبلاته بريئة.. ومازالت هي كما كانت حينما تكون بين ذراعيه تشعر بأنها امرأته الوحيدة وتاج رأسه.. مازالت حجرة نومها تؤكد كلما جمع بينهما الفراش انه زوج مخلص لا يستمد سعادته إلا من نهر أنوثتها وحدها.. ولو كانت هناك خيانة ما ترددت حجرة نومها في كشفها.....!) صراع طويل عاشته بسمة مع نفسها هذا اليوم الذي لا ينسي في حياتها.. ليس هناك دليل علي إدانة زوجها.. ولا دليل علي براءته بعدما سمعته من صديقتها.. لهذا قررت أن تقطع الشك باليقين.. تحولت لمخبر خاص وراحت تتحري بنفسها عن فرع شركته بالاسكندرية وعن شقة ميدان المنشية في آن واحد.. وكادت الأخبار التي تصلها تصيبها بالشلل.. نعم هناك شقة يتردد عليها شريف بميدان المنشية ويدير من خلالها فرع شركته بالاسكندرية.. كما انه لا يبيت في الفنادق كما أخبرها وإنما يبيت داخل هذه الشقة التي لم تسمع عنها من قبل إلا من صديقتها سعاد!.. بكت بسمة طويلا دون أن تجعل شريف يري دمعة واحدة من دموعها.. كانت حزينة علي ثقتها العمياء فيه.. وحبها الجنوني له.. وتضحياتها من أجل سعادته.. وقررت أخيراً أن تواجه الموقف بكل شجاعة مهما كلفها الأمر، لكن عليها أولا أن تعمل علي تأمين مستقبلها قبل أن تدق طبول الحرب بينها وبين زوجها.. كانت في الماضي من فرط حبها له ترفض أن يكتب لها شيئا من ممتلكاته باسمها.. لكنها اليوم سوف تطلب حقها كاملا ثم تدير المعركة بكل ما لديها من ذكاء لم تستثمره يوما في حياتها الزوجية.. وبالفعل حاصرت زوجها ثلاثة أيام وهي تلح عليه أن ينقل إليها ملكية الفيلا التي انتهي حديثا من بنائها في إحدي المدن الجديدة.. وأن يكتب لها نصيبا في شركته أو إحدي فروعها.. والغريب أن شريف لم يتردد لحظة واحدة في تنفيذ كل طلباتها.. وبدلا من ان يطمئن قلبها ازدادت ثورة الشك.. تصورت انه يرضي ضميره نحوها ولابد انه منح المرأة الأخري في حياته أكثر مما طلبت هي! حددت بسمة ساعة الصفر لمعركتها في نفس اليوم الذي سافر فيه شريف إلي الإسكندرية..! ركبت سيارتها الفارهة وطارت في اتجاه طريق القاهرة- الاسكندرية الصحراوي.. الرؤية أمامها كانت غائمة رغم سطوع الشمس.. صنعت دموعها حاجزاً من الضباب بين عينيها وزجاج السيارة.. رغم خطورة القيادة لم تفكر في التوقف أو تهدئة نفسها أو السيطرة علي أعصابها.. كانت مستعدة لكل الاحتمالات حتي لو تهشمت سيارتها وماتت بين أشلائها.. كانت واثقة من انه لم يعد هناك ما تبكي عليه بعد أن صدق إحساسها وثبت أن في حياة زوجها امرأة أخري وأن علاقته بها ليست نزوة عابرة.. أو عشقا طارئا.. أو حبا تقليديا.. وإنما هي علاقة ما بعد الحب الذي يبكي فيه الرجال منه وعليه!.. وعندما وصلت ميدان المنشية واقتربت من العنوان الذي حفظته عن ظهر قلب تحاملت علي نفسها.. مسحت دموعها لتواجه الموقف الصعب! وصلت «بسمة» إلي العمارة رقم 24.. تأملت طوابقها وهي تتنهد.. دخلت فناء العمارة.. صعدت إلي الطابق الخامس.. الدماء تكاد تنفجر من عروقها.. طرقت باب الشقة رقم 9. أنفاسها تتلاحق.. لكن لا أحد يرد.. فجأة وجدت بواب العمارة يخرج من الاسانسير وهو يلهث: * مين حضرتك؟! **أنا مدام شريف! لم يخبرني البيه بحضورك حتي أمنحك المفتاح! أمسكت «بسمة» بالموبايل.. طلبت زوجها.. تلعثم شريف وهو يستمع إلي زوجته تخبره أنها أمام شقة الاسكندرية وتطلب منه أن يصدر أمرا إلي البواب ليمنحها المفتاح.. المفاجأة أربكت شريف.. كان يعرف عصبية زوجته وأنها لن تتورع عن صنع فضيحة بجلاجل أمام البواب والسكان!.. وبالفعل منح للبواب إذنا بفتح باب الشقة!.. دخلت «بسمة».... استقبلتها صورة زفاف كبيرة يتوسطها شريف و تتأبط ذراعه عروس صنع جمالها الماكياج واخفت عيوبها المساحيق!.. اشتعلت النار في قلب الزوجة في نفس اللحظة التي قفز فيها شريف من مكتبه إلي الشارع ثم السيارة ليلحق بزوجته!.. لكن بسمة تنتابها حالة عصبية أشبه بالهستيريا.. الصور كثيرة فوق الجدران.. دولاب حجرة النوم يضم ملابس المرأة التي خطفت زوجها.. أشياء أخري تقهر النساء حينما تكون إحداهن في موقف بسمة!.. وإلي جوار السرير أجندة بخط يد شريف والمرأة التي عاشت في خيال بسمة كالشبح حتي أصبحت حقيقة بالمستندات والصور!.. في حجرة المكتب عثرت علي وثيقة زواج بتاريخ يسبق زواجها من شريف!.. ودون أن تشعر بسمة راحت تهشم البراويز وتمزق الصور وأجندة الذكريات وقمصان النوم.. لم تحتفظ بشئ سليم داخل الشقة إلا وثيقة زواج شريف ونادية!.. هذه المرأة التي ظلت بسمة تضرب أخماسا في أسداس وهي تتخيل من تكون؟! وكيف خطفت منها زوجها؟! ولماذا جعلته يبكي حينما تضبطه بسمة وحيدا قرب الفجر في مقعده ببلكونة شقتها.. لكن اين هذه المرأة الشبح؟! سؤال ظل يحير بسمة طويلا حتي جاء من يهمس في أذنيها بزيارات شريف المتكررة للاسكندرية ومبيته هناك علي فترات كان يدعي فيها انه يتابع فرع شركته في الاسكندرية.. غادرت بسمة الشقة بعد ان حولتها إلي أطلال ومضت قبل أن يصل شريف! داخل شقتهما في الجيزة وفور عودة شريف ثائرا قابلته بسمة بعاصمة تبادلا فيها السباب والشتائم والضرب! وفجأة سقطت بسمة بلا حراك.. نقلت للمستشفي وأثبت التقرير الطبي اصابتها بعاهة مستديمة.. وأحيل شريف إلي الجنايات وأمام المستشار مصطفي أبوطالب رئيس المحكمة قال الزوج انه ليس بلطجيا ولم يسبق له العنف ضد مخلوق فوق الأرض، لكن زوجته وضعته في ورطة طار معها عقله وطاشت تصرفاته.. ثم أضاف قائلا: «لقد رفضت زوجتي حتي الآن أن تستمع إلي الحقيقة.. عندما تقدمت لها بعد أن رفضت أكثر من عريس سألتها عن السبب الذي جعلها توافق علي الزواج مني فأخبرتني لأنني رجل بلا ماض!.. أخفيت عنها زواجي الأول فأنا من أبناء الاسكندرية.. كنت أعمل وأنا طالب جامعي لدي رجل أعمال كبير في تجارة الأخشاب.. وصارحني الرجل ذات يوم بسر حياته الذي يبكيه كلما صار وحيدا، ابنته الوحيدة مريضة بأورام خبيثة جعلت أيامها في الحياة معدودة!.. وطلب مني التاجر الكبير أن أتزوجها حتي لا تموت قبل أن يراها في الكوشة.. وأمام دموع التاجر الكبير تزوجت ابنته الوحيدة نادية وعشنا أجمل أربع سنوات في العمر.. وشاء القدر أن يموت أبوها قبل أن تلحق هي به.. ورثت عنها ملايين الجنيهات وجئت للقاهرة واستوطنتها وأنشأت شركاتي.. وتزوجت بسمة.. لكني لم أغفل وصية نادية حينما اشتد بها المرض وطلبت مني ألا أقوم بأي تغيير في شقتنا.. وأن أزور الشقة باستمرار.. وأن أجعل كل أشيائها في نفس مكانها وكأنها غائبة وسوف تعود!.. نفذت الوصية دون أن أجرح شعور بسمة لأنها صارت بالفعل زوجتي التي تشاركني الحياة بعد أن ماتت نادية.. ثم ان بسمة قدمت لكم وثيقة زواجي ونسيت وهي في الشقة أن تعثر علي شهادة وفاة نادية بعد أن دمرت كل ذكرياتي وذكرياتها في لحظات!.. أنا لا أبرر ولا أنفي إصابتي لبسمة.. لكن عز علي نفسي ألا تسمع هي لدفاعي.. والآن أرحب بأي حكم للعدالة! مفاجأة مثيرة فجرتها بسمة.. طلبت أن تتنازل عن الدعوي وبكي الزوج فقضت المحكمة في نهاية الجلسة بالسجن عاما علي شريف مع إيقاف التنفيذ.. خرج الزوج منكس الرأس من باب القاعة بينما ظلت الدموع تملأ وجه الزوجة وكأنها دموع فوق وجه ملكة جمال الحزن..!