سمير صبرى مع الفنانة الراحلة وردة فى مهرجان الاسكندرية للاغنية دخلت وردة ستديو واحد بالتليفزيون لتسجل معي حلقة في برنامجي »النادي الدولي« وذلك بناء علي نصائح معظم أصدقائها حتي توضح للجمهور حقيقة بعدها أو استبعادها عن مصر لمدة عشر سنوات تزوجت أثناءها من جمال قصيري وكيل وزارة الاقتصاد بالجزائر وأنجبت »وداد ورياض« وقد حضرا معها تسجيل الحلقة. وقبل أن تدور الكاميرا سألتها هامساً مدام وردة : هل صحيح أن جهات أمنية أبعدتك عن مصر بسبب صداقتك بالمشير عبدالحكيم عامر؟ وأجابت هامسة أيضاً: مش ممكن تنسي الحكاية دي دلوقتي ونتكلم عن مشاريعي الفنية القادمة؟ بلاش السيرة دي خالص ومش علشان أولادي موجودين.. علشان الحكاية دي كلها اشاعات.. جايز بعدين بيني وبينك نبقي نتكلم في الحكاية دي!!. واحترمت رغبتها وتحدثنا لمدة نصف ساعة عن أول لقاء مع السنباطي »لعبة الأيام« وعن المخرج المبدع محمد سالم الذي صور لها الأغنية وعن اختيار حلمي رفلة لها لبطولة »ألمظ وعبده الحامولي« وغنائها في الفيلم لعظماء النغم محمد عبدالوهاب.. فريد الأطرش.. رياض السنباطي ثم فيلمها الثاني »أميرة العرب« مع رشدي أباظة وعدم نجاح الفيلم وعن سفرها لبلدها الجزائر لتتزوج وتبتعد عشر سنوات عن مصر والفن بناء علي رغبة زوجها لتعيش هناك كزوجة وأم.. ثم طلاقها وعودتها إلي القاهرة التي شهدت انتشارها ومولد شهرتها الحقيقية. قلت: لكن البداية كانت في باريس مش كده؟ قالت وردة : أنا اتولدت في باريس وتعلمت الغناء ومارسته هناك في الملهي الليلي العربي الذي كان يمتلكه والدي لكني كنت بحلم بمصر زي كل عاشقين الفن في العالم العربي.. كان الوصول إلي القاهرة هو الحلم المستحيل والانتشار فيها هو رابع المستحيلات.. لكن الحمد لله.. ربنا حقق لي كل أحلامي.. الانتشار والشهرة في مصر.. أن يكون لي أغاني خاصة بي ولأعظم عباقرة الموسيقي في الشرق.. بطولة فيلمين في السينما.. زواج وأولاد.. وحب الناس وده لوحده نعمة كبيرة جداً من نعم ربنا وعندي لحنين هايلين مع الفنان العبقري بليغ حمدي.. أنا حاسمعك واحدة منهم لإني حاسة إنها حاتنجح قوي.. وبالمناسبة كانت فكرة بليغ حمدي صديقك إني اطلع معاك في برنامجك الناجح.. وقاللي ان عبدالحليم حافظ لما بيحب يوصل لجمهوره الكبير أي حاجة أو أي خبر يطلع في برنامج سمير صبري!! ممكن أسمعك اللحن الجديد؟ وبدأت »وردة« تغني مذهب أغنية »العيون السود« قبل أن تذاع وتحقق نجاحاً كبيراً شجع حلمي رفلة علي اقتباس فيلم عربي قديم لرجاء عبده ومحمد فوزي اسمه »أصحاب السعادة« وتقديمه في صورة باهته وملونة باسم »صوت الحب« ويتضمن معظم ألحان بليغ الجديدة التي غنتها وردة والتي كانت السبب الوحيد في نجاح الفيلم. وكان لقائي الثاني معها بعد نصر أكتوبر مباشرة حينما كان كل نجوم مصر يسجلون أغاني وطنية في الاذاعة ومنهم طبعاً وردة التي ما أن انتهت من تسجيل أغنيتها الرائعة »وانا علي الربابة باغني« حتي نزلت من ستديو الاذاعة إلي ستديو رقم واحد بالتليفزيون سجلت معها ومع زوجها العبقري بليغ حمدي حواراً رائعاً حول عظمة عبور أبطالنا الجنود واقتحام خط بارليف وحول دور مصر في مساندة الثورة الجزائرية وكل حركات التحرير في العالم العربي وافريقيا كمان.. وتوالت ألحان بليغ الرائعة والناجحة لوردة مما دفع مجدي العمروسي »العقل المدبر« لشركة صوت الفن للتعاقد معها علي فيلمها الرابع »حكايتي مع الزمان« علي أن يخرجه استاذي مخرج الروائع حسن الامام الذي اسند لي دور البطولة الثانية في الفيلم وفوجئت أن وردة أصبحت علي دراية أكثر بالتعامل مع الكاميرا أكثر من أفلامها الثلاثة السابقة وأنها مطيعة جداً لكل تعليمات المخرج حتي أنه حينما طلب منها أن ترقص بلدي في احدي لزم أغنية »وحشتوني« نفذت طلبه واكتشفت أيضاً أنها تتمتع بلياقة بدنية ممتازة وذلك من خلال استعراض راقص جمعنا في الفيلم واكتشف أيضاً أنها انسانة بسيطة ومتواضعة جداً وصريحة جداً ومرهفة الحس وتعشق تربية القطط وكانت يومياً تحضر معها أكل قطط مستورد لاطعام قطط الاستديو الموجودة بكثرة في حديقة الاستديو!. وأتذكر موقفا في إحد مشاهد الفيلم كان علينا أن نلعب تنس وكنا في نادي القاهرة الرياضي وارتدت وردة شورت رياضي قصير واقتربت مني قبل التصوير وقالت: الناس حا تتريق عليه علشان أنا تخينه قوي في الشورت مش كده؟ ووجدت أنها فعلاً علي حق.. فاقترحت علي أستاذي حسن الامام أن نضع هذه الجملة علي لسانها هي لي في بداية المشهد ووافق وابتدأ المشهد وهي تقول لي: »مش حاقدر أنزل وزني بسرعة قبل الافتتاح.. أنا مليانه قوي وتخينه مش كده؟ وأرد أنا عليها: معلش الجمهور بيحب الدهن في العتاقي!!. وكانت هذه الجملة تلاقي عاصفة من الضحك من الجمهور الذي تقبل منها وتعاطف معها علي سخريتها من زيادة وزنها بدلاً من التهكم عليه وفي احد المشاهد العاطفية في الفيلم كان المفروض أن أصارحها بحبي وأطلب منها الزواج ثم أقبلها أثناء بروفة المشهد حضر زوجها بليغ حمدي واعترض بشدة علي القبلة وثارت أزمة بينه وبين المخرج الذي قال لبليغ بطريقته المميزة: »جري ايه يا بليل هو انت متجوز رابعة العدوية؟ حلاوة المشهد ده في البوسة دي«.. وأخيراً وبعد جدل ونقاش طويل اتفق علي أن أقبلها في جبينها وتم تصوير المشهد ونجح الفيلم نجاحا أسطوريا واستمرت صداقتي بوردة وبليغ وزياراتي المتكررة لهما ومحاولاتي المستمرة لتقريب الهوة بين بليغ وبين صديق عمره عبدالحليم الذي كان يعتقد أن أهم ألحان بليغ أصبحت لوردة فقط!. وعندما حضرت النجمة »داليدا« لإحياء حفلتين في القاهرةوالاسكندرية.. استأذنت »وردة« وأخذت داليدا إلي منزلها بعد الحفل وقضينا سهرة رائعة غنت فيها وردة بالفرنسية وحاولت داليدا أن تتذكر وتغني بعض أغاني شادية وليلي مراد وطلبت من بليغ أن يلحن لها أغنية عربية وكان ذلك قبل أن تغني بعدة سنوات »سالمة يا سلامة« و»حلوة يا بلدي« وتكرر نفس الشيء عند حضور نجم الغناء الفرنسي »شارل أزنافور« حيث أخذته بعد الحفل إلي منزل وردة وبليغ وجلس الفنان العالمي علي الأرض مبهوراً بعزف بليغ علي العود وأخذ يغني أغانيه بمشاركة وردة التي كانت تجيد الترحيب بضيوفها وتتمتع بكرم وعطاء كبير وحب استقبال الناس والأصدقاء في بيتها رغم كل العواصف التي مرت بحياتها الزوجية مع بليغ الذي كانت تقول عنه »عبقري النغم وزوج فاشل«!. وبعد نجاح أغانيها الأخيرة مع صلاح الشرنوبي ابتعدت وردة عن الساحة الفنية لأسباب صحية.. إلي أن فكرت وأنا أحضر لدورة مهرجان الاسكندرية الدولي للأغنية عام 8002 أن يتم تكريم وردة.. وعندما ذهبت إليها ترددت كثيراً في قبول رغبتي أن تكون هي نجمة حفل افتتاح المهرجان والذي تصادف أنه يوم 22 يوليو أي يوم عيد ميلادها السبعين. قلت مشجعاً: إنتي مش دايماً رأيك إن الفن ملوش سن معاش وأن الفن عطاء بلا حدود؟ غني قد ما تقدري إنشالله ربع ساعة.. عشر دقائق! وبعد تردد وافقت وردة وأعلن عن تكريم وردة في حفل افتتاح المهرجان ونفدت كل تذاكر الحفل في يومين وعندما قدمتها علي المسرح وسط عاصفة من التصفيق أخذت درع المهرجان والدموع في عينها وعلي مدي ساعتين غنت وأبدعت وكان هذا هو آخر حفل لها في مصر. عموماً وردة ستبقي وردة في قلوب الناس بفنها الرائع وأفلامها الستة وصوتها القوي الحساس وأغانيها التي ستعيش معنا وتذكرنا دائماً أنها وردة الزمن الجميل!.