ترتبط سمعة وسائل الإعلام بسمعة أوطانها، ارتباطاً طردياً وكلما ارتفعت معدلات المصداقية والمهنية في أداء الإعلام ازدادت الثقة في أداء بلد ما. لذلك يتحمل الإعلام المحلي - سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مطبوعاً، حكومياً أو خاصاً - جزءا كبيراً من المسئولية عند تغطية الأحداث الكبري والشائكة. وعليهم وهم يحرصون علي سرعة الأداء وشمولية التغطية أن يتحروا الدقة ويظهروا قدراً من الحذر المسئول بدلاً من الاندفاع وراء سبق صحفي زائف لاسيما حين تكون للتغطية الصحفية آثار وتداعيات علي الأمن القومي. وكان من حق السيد عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون أن يعبر عن استيائه واحتجاجه علي ما رأي فيه انتقاداً لاذعاً في بعض الفضائيات العربية لأداء التليفزيون المصري، لكنه في المقابل كان لابد من أن يعي خطورة وحجم مسئولية التليفزيون الحكومي عند تغطية حادث بحجم سقوط الطائرة الروسية علي أرض مصرية. وكان تقصيراً خطيراً أن يسكت علي التأخير المعيب في إذاعة هذا الخبر المهم، وترك المشاهد نهباً لإذاعات وتغطيات أجنبية حتي يذاع في وسائل الإعلام المصرية. ولو قبلنا - علي مضض - بأن سبب التأخير هو الرغبة في التحقق من صدق الخبر فإن ما حدث من تلفيق صاحب التغطية الأولي بزعم أن الطائرة خرجت من الأجواء المصرية بسلام لا يمكن قبوله ويطيح بكل مصداقية للإعلام الوطني ويمس سمعة الوطن بأسره ويعيدنا إلي زمن إعلام النكسة. في ذات الموضوع كان من واجب الصحافة المطبوعة الحرص علي عدم نقل الأخبار أو التصريحات مجهولة المصدر مثل التصريح المنسوب لمصدر بالمطار بأن قائد الطائرة طلب العودة إلي مطار شرم الشيخ بعد إقلاعه بدقائق. وكان من الطبيعي أن يتساءل القارئ في ظل هول ما حدث: ولماذا لم يؤذن له بالعودة؟ ليتضح في النهاية بعد التحليل الأولي لإشارات وتسجيلات الطائرة أنها لم تصدر أي استغاثات وأن الطيار لم يطلب العودة إلي شرم الشيخ. وحتي عندما أذيع في العالم كله خبر قيام بعض شركات الطيران بتغيير مسارها لتجنب التحليق في الأجواء المصرية خرج مسئول ليعلن أن مصر لم تتلق أي طلبات رسمية بتغيير المسارات وأن هذا الإجراء يتطلب سلسلة من الإجراءات والطلبات والبلاغات لمطارات ودول أخري كي تمنح تصريحات بالتحليق في أجوائها لتنظيم المرور في الجو. تصريح المسئول المصري مع التسليم بمنطقيته يحمل في طياته نفياً للخبر الذي تداولته وسائل الإعلام الأجنبية، ليخرج وزير الخارجية سامح شكري منتقداً قرار شركتي إير فرانس ولوفتهانزا بوقف الطيران فوق سيناء واصفاً له بأنه قرار غير مسئول. مثل هذه الأداءات المتسرعة سواء من بعض وسائل الإعلام أو المسئولين توحي بأننا نريد التنصل من المسئولية بأي ثمن، وهو أمر يقلل من احترام العالم للأداء المصري ويخصم من رصيد الثقة فيه. مفهوم بالطبع أن للحادث تداعيات كثيرة وخطيرة، وكل الأطراف الضالعة فيه من شركات طيران وتصنيع وتأمين وهيئات ملاحة وصيانة وحتي الدول تتمني ألا تسفر التحقيقات عن تحميلها أية مسئولية. وإزاء هذه الأمنية يسعي الجميع لإثارة الغبارعلي الحقائق وترويج الشائعات استباقاً لنتائج التحقيقات من أجل التأثيرعلي جهات التحقيق المختلفة لخدمة مصالحها. لهذا من المهم أن ندير معركتنا الإعلامية بقدر كبير من الاحتراف والحنكة وعدم الانجرار بخفة إلي أساليب عفا عليها الزمن. إن أضعف حلقة يمكن التكالب عليها الآن هي مصر باعتبار أن الطائرة أقلعت من أرضها وسقطت فيها أيضاً. وفي ظل الحرب التي تديرها البلاد ضد الإرهاب، يأتي الإعلان الذي أصدره تنظيم داعش بمسئوليته عن الحادث عنصراً جديداً يعزز استسهال التفسير التآمري للحادث بما يشيع الراحة لدي الجميع فيما عدا الدولة المصرية لأنه ينال من نجاحها في حربها علي الإرهاب ومن قدر الاستقرار الذي حققته، كما يهدد مصالحها السياسية والاقتصادية. أما الترويج للتفسير الداعشي فإنه يخدم مصالح الكل بمن فيهم الجانب الروسي، لأنه ينفي المسئولية عن الجميع ويعزز مصداقية التدخل العسكري في سوريا ويؤكد مواجهة موسكو لداعش التي ينكرها عليها الغرب.